الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افضل ان تأتي الديمقراطية متأخرة من ان لاتأتي مطلقا ... العراق مثالا

شاكر النداف

2009 / 3 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم نشهد دراسات وبحوث مكثفة ومستمرة مثلما نشاهد البحث والكتابة عن وحول الديمقراطية لاهميتها في تطور الانظمة والشعوب ، فليس جزافا ان نقول ان الكتب والمؤلفات التي تناولت الديمقراطية وموضوعاتها منذ انتشار لهيب الثورة الفرنسية حتى عصرنا الراهن تكاد تكون تجاوزت مساحات هائلة لايمكن احصائها.
الكتابة عن الديمقراطية كثيرة ومتشعبة الجوانب ولا يمكن الاستغناء عن اي جانب من جوانبها حيث تشكل وحدة فعل متكاملة من العناصر والميول والثقافة السياسية المميزة والتي من اهمها التوجيه المعرفي والذي يشتمل على معرفة النظام السياسي والمعتقدات بشأنه ، التوجيه العاطفي ويتضمن إثارة العواطف حول النظام السياسي ، وتوجيه اخر وهو التقييمي حيث يتضمن التزامات القيم والاحكام السياسية المتعلقة بالاداء السياسي وصلته بهذه القيم ، ومن الطبيعي ان تتغير هذه الاتجاهات بتغير نوعية النظام وعملية التقدم والنهج السياسي المتبع وما يتبعهما من تغير اجتماعي واقتصادي.

لقد مرت الديمقراطية تأريخيا في مراحل ومطبات متنوعة وكثيرة انطلاقا من مجموعة القيم والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في نشأتها ومراحل تطورها حيث انها اي الديمقراطية اسلوب لضبط الصراع واداة الوصول الى السلم الاهلي واعادة بناء الحركة الاجتماعية على اساس الوطنية والمواطنة ، و الارتكاز الى دولة القانون ومنظمات المجتمع المدني ، والمساواة والعدالة الاجتماعية والى غيرها من القيم الانسانية العالية. ان هذه المراحل استغرقت من الوقت اجيالا عديدة ودخلت في ظروف سياسية واجتماعية متنوعة. ففي الهند مثلا ذات التنوع المذهبي والبشري ، عرفت نظاما ديمقراطيا قام في ظل اوضاع لاتكون عادة ملائمة لمثل هذا النظام الدستوري, فلقد كانت الهند في عهد الاستقلال الى حد كبير, ريفية وامية ومسلوبة الخيرات ، وكانت منقسمة الى جماعات اصلية تتبادل الاستعباد فيما بينها ، وتنظوي تحت لواء الانتماء الطائفي والانغلاق الاجتماعي. لكن الثقافة الديمقراطية في الهند لها جذورها التأريخية. فقد كانت مبادىء حرية التعبير والاجتماع والتحرك راسخة قبل الاستقلال وأيدت هذه المبادىء وطورتها اجيال من نخبة وطنية قوية. لكن هذه الممارسات كانت هي الاخرة تتعرض لضغوط خارجية وداخلية ، لكنها جذورها الراسخة اعطت لها ميزة الاستمرارية والوضوح.

في العراق دخلت لعبة الديمقراطية من خلال التأثير الفعلي للعامل الخارجي اي عامل الاحتلال والذي يدخل عامه السابع.
ان هذا العامل وضع البلاد وفئات واسعة من الشعب في حيرة من العملية الديمقراطية بين مؤيد ومتحفظ ومعارض لها انطلاقا للمشاهدات والممارسات اليومية ، بوضعه العراقيل امام وضع الحجر الاساس لدستور يفترض ان يكون نواة سليمة لنظام ديمقراطي حيث اعتمد هذا الدستور على محاصصة المكونات الطائفية والعرقية وهو اسلوب ضار يفرق اللحمة الوطنية ويثير الصراعات الدائمة ، وهذا بحد ذاته يخالف احد اهم اهداف الديمقراطية وهو السلم الاهلي والمدني كما ويزيد في تشابك العوامل المعرقلة للمسيرة الديمقراطية والتي هي موجودة اصلا في الموروث الثقافي والديني لمجتمعاتنا العربية والشرق اوسطية ، وهذا يتطلب نغلب العامل الداخلي في عملية التغير على العامل الخارجي حيث ان التغير هو مسألة حضارية يجب ان تكن مؤثراتها داخلية نابعة من مجموعة المصالح المشتركة لحاضر ومستقبل العراق وهي ليست مسألة سياسية آنية . فعملية التغير في العراق تحتاج الى معماري عراقي ذو خبرة ملائمة حيث ظروف العمل في غاية من التعقيد والتداخل.
ففي مجتمعنا والمجتمعات التي تحيط بنا والتي تشكل بعض الاحيان تهديدا لامننا وتطورنا المستقبلي لم تعرف لحد الان بداية تجربة ديمقراطية جدية واحدة وهو بحد ذاته مؤشر على كثرة العوائق السياسية ، الاقتصادية, الاجتماعية والثقافية وموروث شعبي من الاوضاع الاجتماعية القديمة مثل الولاء للعشيرة الذي يعيق ظهور الاختلاف الديمقراطي ، والانغلاق المذهبي على المقدس, وظاهرة النزوح العشوائي من الريف الى المدينة والاثار السياسية والاجتماعية والثقافية لانظمة الحكم الفردية. ورغم كل هذا الموروث السلبي يوجد في المقابل عامل مهم يسعى لصالح الديمقراطية وهو الحداثة وتغلغلها في وعي شرائح كبيرة من المجتمع واهمها النساء والشباب والذي يقتضي كسبهم وتنظيمهم من قبل القوى الديمقراطية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغير رغم ضعف هذه القوى وتشرذمها في الوقت الحاضر على الاقل ، ولكن علينا ان نعمل من من منطلق ان العمل من اجل الديمقراطية هو عمل للمستقبل.

ان الديمقراطية كالحداثة مشروع لايكتمل فهي إذن مسار تدريجي ، حيث انها تمر بتطورات متلاحقة تتدرج في اطار زمني غير محدد. وان عملية الانتقال من حالة الى حالة ارقى مرتبطة بمجموعة القيم والعوامل الموضوعية والذاتية معا, وهذه العوامل تتكون وتتراكم تبعا لشروط ومراحل تأريخية ، لكن يبقى للارادة الانسانية دور مهم مقتدر في عملية الانتقال وتسهيلها واعطائها الوجهة التي يجب ان تأخذها اذا ابتعدنا عن التمزق الاجتماعي والغلو الطائفي والعرقي. فالديمقراطية بمفهومها العميق ممارسة يومية تطال جميع مناحي الحياة, وهي اسلوب للتفكير والتعامل والسلوك وليست مجرد مظاهر, كما وانها ليست حالة مؤقته ، او منحة او هبة من محتل.

ولكي لا تهزمنا الاوهام, فيجب ان نعترف من ان الوصول الى الديمقراطية في بلادنا التي تعصف بها امواج غير هادئة لا تعبر عن الارتياح, حيث تضارب المصالح الداخلية والمطامع الاقليمية والدولية تجعل الوصول الى الديمقراطية امر صعب وشاق, تتطلب الجرأة والمسؤولية الاخلاقية ليس لمراجعة المراحل السابقة فقط بل لاعادة النظر في الممارسات الحالية وعلى اساس نقدي ، واعادة صياغة الدستور والمؤسسات التي نشأت بعد سقوط النظام الشمولي ، خاصة ان الممارسات الخاطئة تجعل احساس الناس بالعملية الديمقراطية ضعيف وغير عملي وبالتالي يفرغها من اهدافها ويفقدها الديناميكية. ان هذا الوضع يجعل الوصول الى الديمقراطية صعبا, ويقتضي نضالا شاقا ومستمر, كما يقتضي انتزاع الحق تدريجيا وتعزيزه باستمرار ويجب ان تكون مهمة يومية ذات طابع دائمي ، حيث ان النظام الديمقراطي لايأتي بضربة عصى موسى السحرية. فان يبنى نظام ديمقراطي سليم بوقت متأخر افضل من ان لايأتي نهائيا.
ملاحظة/ عنوان المقال مأخوذ من مقولة لاحدهم ، مفادها ، افضل ان تاتي متاخرا من ان لاتأتي مطلقا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاحساس بالدمقراطيه
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 23 - 21:15 )
اهم احساس بالدمقراطيه هو هذا التفاعل الحيوي مع الانتخابات الذي اخرج الناس من بيوتها لكي تشارك باختيار من يحكمها رغم ماشاب عملية الانتخاب من شوائب وقصور

اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامرَ إجلاءٍ من رفح ويقصف شمال القطا


.. قصف متبادل بين مليشيات موالية لإيران وقوات سوريا الديمقراطية




.. إسرائيل و-حزب الله- يستعدان للحرب| #الظهيرة


.. فلسطين وعضوية أممية كاملة!.. ماذا يعني ذلك؟| #الظهيرة




.. بعد الهجوم الروسي.. المئات يفرّون من القتال في منطقة خاركيف|