الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لإصلاح الديني.. إعادة قراءة للفكر والسلوك البشري

كاظم الحسن

2009 / 3 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لقد كانت الصدمة الحضارية للشرق في بداية اتصاله بالغرب عن طريق الحروب الاستعمارية اي طريق العنف والهيمنة والاستلاب للهوية والثروات او عن طريق البعثات الدراسية. فكانت رؤية الذات والاخر والواقع وتشكلت على هذا الاساس الكثير من المفاهيم والافكار والتصورات التي هي الان محل تنازع وجدل ويصل في بعض الاحيان الى المطالبة بالاصلاح السياسي والديني عن طريق القوة او التطورات الطبيعية الداخلية

وهو ما اطلق عليه جدل الاصلاح الداخلي.

من بين مشاريع الاصلاح التي نادى بها بعض رواد النهضة ضرورة الاخذ بمنجزات الحضارة المادية وفصلها عن سياقها الفكري والثقافي والاجتماعي والعمل على تأصيلها مع التراث والفكر الاسلامي لكي تتسق مع الاصالة والمحافظة على قيم ومعايير الامة وهويتها.
الا ان اسئلة الاصلاح الديني، بقيت قائمة على صعيد التنظير ولم تنزل الى الواقع، منذ الربع الاخير من القرن التاسع عشر، الذي شهد بداية عظيمة للاصلاح الليبرالي (الحر) والتأويل الديني المتحرر للحياة والفكر العربي كما يعتقد المفكر صادق جلال العظم، ولاجل الوقوف على هذه الاشكاليات الملحة تلتقي جريدة (الصباح) مع عدد من الاكاديميين لمعرفة ارائهم وتصوراتهم عن الاصلاح الديني والتحديات التي تواجه هذا المسعى.


إشكالية مفهوم الاصلاح

يقول حسين هادي صالح - طالب دراسات عليا - قسم الفلسفة - جامعة بغداد بشأن الاصلاح الديني: طرح هذا المفهوم في القرن التاسع عشر، من قبل الافغاني محمد عبده وغيره وبالاحرى لم يكن اصلاحا دينيا بقدر ما هو اصلاح العقل الذي يواجه الفكر الديني مثلما هو الحال عند سينوزا عندما طرح رسالته اصلاح العقل ويمكن القول ان هذه التسمية خاطئة.
فيما يرى عدي حسن مزعل - طالب دراسات عليا - قسم الفلسفة - جامعة بغداد، ان هذا المفهوم نشأ من التأثير الخارجي ولم يكن نتيجة حركة اصلاح داخلية، وانه ولد في اوروبا وفي المانيا تحديدا مع حركة الاصلاح الديني في القرن السادس عشر بقيادة رجل دين ينتمي الى المؤسسة الدينية ذاتها.

ويعزو فشل تجربة الاصلاح في العالم الاسلامي الى السياسات الاستعمارية للدول الغربية، فضلا عن دعمها للانظمة الاستبدادية وهي انظمة يقع على عاتقها فشل التجارب الديمقراطية الاولى في العالم الاسلامي.

الحقيقة المطلقة

فيما يذهب احسان التميمي - باحث واكاديمي، الى ان مفهوم الاصلاح الديني ينطلق من منظومة نصوصية، تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة، وتقوم على اسس ايديولوجية والمفهوم عائم حسب رأيه، اذ عادة ما تنتهي الحركات الاصلاحية الى هدف براغماتي، خاص سياسي اقتصادي، فضلا عن عملية الغاء العقل وتسييره وفقا للمراعاة افق المتلقي الذي يرغب في اغلب الاحيان بسماع النص الديني دون الولوج الى قضية السند او صحته ومن ثم صحة المتن النصي الذي يستند اليها تيار الاصلاح.
يفصل الدكتور حسام قدوري الجبوري - قسم علوم القران - كلية التربية - جامعة بغداد، بين المؤسسة الدينية والاشخاص، وحسب تصوره ان مفهوم الاصلاح الديني لا يرتبط ارتباطا وثيقا بالمؤسسة الدينية.

إعادة النظر بالمفهوم

واضاف ان كل شخص في المجتمع يمتلك الحق في ترسيخ هذا المفهوم وتطبيقه ولعل التقسم الفقهي المعتاد (مجتهد، مكلف) يساعد على هذا التصور لان المكلف في كل الاحوال يرتبط تلقائيا مع المنظومة الدينية ارتباطا متكاملا وبطبيعة الحال فان المؤسسة الدينية تتفاعل مع الاصلاح الديني على شكل فعل حاث على الاصلاح (الامر بالمعروف) وفعل رادع للخطأ (النهي عن المنكر).
يتحفظ محمد قاسم لعيبي - مدرس مساعد - كلية التربية - قسم علوم القرآن، على تسمية مفهوم (الاصلاح الديني) لانه يشكل موقفا يحمل بين طياته تداعيات قد يتخوف منها البعض ما يجعله يشكل تحديا مضافا الى جملة التحديات المطروحة على ارض الواقع، لذلك من الضروري طرح تسميات جديدة لهذا المفهوم تتساوق والرؤية العامة لمثل هكذا مفاهيم دون اثارة الخوف والتردد والارتياب كأن تكون (التجديد، المعاصرة... الخ

لماذا الخوف من العلمانية؟

وعن حالة الخوف لدى البعض من مصطلح (العلمانية) يعتقد حسين هادي: ان الاشكالية ناتجة من طرح هذا المفهوم مقابل الاسلامية، الاولى تمثل قيم الحياة الدنيوية والتخلي عن قيم الاسلام، هذا ما فهم عند طرحه وما نراه عندما حدثت الاشكالية في بداية القرن العشرين بين جماعة المستبدة الذين يطلقون على انفسهم المحافظين على القيم الاسلامية مقابل اصحاب المشروطية (الديمقراطيين) الذين جوبهوا بنعوت اجتماعية حسب العرف العام ليخرجوا من ساحة الفكر الاسلامي.
فيما يرى عدي حسن: ان حالة الخوف من العلمانية متأتية من طبيعة البنية الثقافية لهذه المجتمعات، التي ما زال السواد الاعظم من افرادها يجهلون معناها بسبب تفشي الامية، وكذلك موقف المؤسسة الدينية التي ترى في ذلك كفر والحاد، اي خروج على الدين، مثل هكذا وضع قائم على الهجوم والتكفير لا شك انه يؤدي الى تهديد معتنقي هذه الافكار ويصل في بعض الاحيان الى هدر دماء البعض كما حصل مع الكاتب فرج فوده، واتهام الباحث نصر حامد ابو سيف بالردة.


لماذا الخوف من الثيوقراطية؟

الدكتور حسام قدوري يعيد طرح السؤال بطريقة مغايرة، وهي ان التخوف من العلمانية نابع من العلمانية نفسها والسؤال يوجه الى اصحابها: ما خوفكم من الفكرة الثيوقراطية مثلا؟

ان ساحة الاصلاح الديني تتسع وتضيق على وفق الفهم الخاص للدين فالمؤسسة الدينية ترعى الدين في كل شيء (ما من حادثة الا ولها حكم) اما العلمانيون فيرون مجاله اقل قد يصل عند بعضهم الى حدود طقوس الكنيسية المبهمة.

ويمكن القول ان التجربة العراقية الجديدة مثال جيد للموقف المتدين من العلمانية فرئيس الوزراء الذي ينحدر من اصول ثيوقراطية تقدم خطوات لا بأس بها من التوجه العلماني، ولنا ان نسأل كم هي الخطوات التي يمكن ان يقدمها العلمانيون للمؤسسة الدينية؟

يذهب احسان التميمي في تشخيصه للمعوقات والتحديات التي واجهت الحركات التنويرية التي قصدت الحداثة في اعادة قراءة النص الديني والنص التاريخي، والايمان بمعرفة الذات والاخر وعدم مصادرة فكرة لاقت الكثير من التعنت والتزمت قد تصل الى حد النفي والتكفير وغير ذلك.


التكفير في زمن التفكير

واضاف التميمي، لقد تمت مصادرة الافكار التنويرية كما هو الحال مع الفكر العلماني الذي تمت مصادرته قبل ان تصل مفاهيمه الجوهرية الى المتلقي العربي انه خوف السلطة النصية النسقية من الاتي المجهول.
ولعل شواهد قولية وردت من بعض الشخصيات الاسلامية من مثل قول الامام علي (ع): (الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) لم تأخذ بعدا تحليلا وموضوعيا اذ لم يتم استنطاقها في البعد الوقعي.
وظلت حبيسة المتون النصية وبهذا تحتاج الى اعادة قراءة مبنية على اسس موضوعية تفهم الذات وتستشرف الاخر، يعتقد محمد قاسم، ان كلمة الخوف من القيم العلمانية قد تعطي ابعادا للموضوع هي في الحقيقة غير موجودة، انما هناك بعض التردد من قبول هذه المفاهيم والتعامل معها بروح ايجابية وتسمح بالافادة منها وطرح السلبيات بعيدا، لذا نحن بحاجة الى تقديم القيم العلمانية وفقا لمعايير مناسبة لطبيعة المرحلة الراهنة مع الحفاظ على ثوابت المجتمع المعروفة.
الاصلاح بين التنظير والتطبيق

وبشأن اسئلة الاصلاح الديني التي بقيت قائمة على صعيد التنظير ولم تنزل الى ارض الواقع، يجيب عن ذلك، حسين هادي: تعيش الثقافة العربية قضية التكرار والتباعية والثبات على الرغم من حصول تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة وواسعة ولكن بقيت الثقافة حركتها بطيئة وما يدلل ان التعبير الاقتصادي والاجتماعي ليس بالضبط يناظر الثقافي لان هذا الاخير مرتبط بمعوقات تجعله من الصعب تجاوزها الا اذا ما عولجت بصورة علمية ولذلك نرى الكثير من المفاهيم التي طرحت قبل قرن يعاد طرحها من جديد وتبقى الاعتراضات مع الاسف نفسها.
فيما يؤيد عدي حسن ما ذهب اليه الباحثون والمفكرون العرب المعاصرون، من امثال محمد عابد الجابري، محمد اركون، هاشم صالح، نصر حامد ابو زيد) الذين يرون بعدم تجسد مفاهيم الاصلاح على الارض من خلال عدة عوامل هي: 1- سياسة التحديث التي اتبعت منذ ايام محمد علي قبل مائتي عام، والتي ركـزت على نقـل التقنية مـن دون الفكر الذي يقـف خلـف تلك التقنية وذلك نتيجة الاعتقاد بامكانية نقـل التقنية مع المحافظة على عقائدنا.
فشل الحداثة
2- خوف المثقفين العرب من الفكر الذي يدعو الى القطيعة مع الماضي اي الانفصال عن التراث، والسبب في ذلك هو ان المثقفين العرب رؤوا في هذه القطيعة مع الماضي، خيانة للذات او للهوية الجماعية ولذلك رفضوا الانخراط في هكذا مغامرة غير محسوبة او مضمونة العواقب، على عكس فلاسفة اوروبا اي فلاسفة عصر التنوير فهؤلاء هم الوحيدون الذين تجاسروا على احداث قطيعة مع التراث المسيحي.
3- رد الفعل العنيف الذي صدر من حركة الاخوان المسلمين في مصر على الحضارة الغربية منذ اواخر العشرينيات من القرن العشرين. فقد شكل هؤلاء جبهة متزمتة متراصة وقوية ضد الانفتاح الفكري لـ (محمد عبده وعلي عبدالرازق وطه حسين وسائر مثقفي النهضة العربية.
يرى الدكتور حسام، ان الحكم على محاولات الاصلاح الديني بالتنظير فقط فيـه ظلـم كبير لها، لوجـود كثير مـن المحاولات الجادة لتطبيقها وتسعفنا التجربة الايرانية التي فيهـا الكثير من الشواهـد على ذلك وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة الموجهة الى الثيوقراطيـين الا ان التجارب العلمانية بـاءت بالفشل الذريع على مستوى الاصلاح العام.

الإسلام الحقيقي

يشدد محمد قاسـم علـى اهميـة قضية التنظير في القضايا الاساسية التي يجب ان تأخذ ابعادها المعروفـة وفقا لمرجعيات ذات صلة بالتجربة المباشرة للموضوع لذلك يبدو ان هناك ما يشبه الهوة بين التنظير والتطبيق على ارض الواقع فيما يخص (الاصلاح الديني).
وذلك يعـود الى جملة عوامل تسبب هذه الهوة ومنها طبيعة واساليب التفكيـر فـي المجتمع العربـي وما ينتج عنها من سلوكيات قد تبدو رافضة لهذه المفاهيم فضلا عـن توفيـر المنـاخ المناسب لاستقبالها والمقصود هنا المناخ الفكري والثقافي الذي يسمح بالتعامل مع هذه المفاهيم بعقل مفتوح وروحية محايدة تسعى الى التقدم والتطور ولايمكن اغفال التغيرات الدولية والاقليمية التي تترك بصماتها على مجتمعنا مع مرور الزمن.
يعرب احسان التميمي عن قناعته بوجود اكثر من اسلام، فهناك اسلام روج لـه هـو غير حقيقي، وليس له صلة بالرسالة المحمدية وهـذا اقـترن بمـؤسسات السلطة وايديولوجياتها وابتدأت اول خيانـة للعقل كما وصفها الكاتب نصر حامد ابو زيد في قضية رفع المصاحف في معركة صفين التي هي اول خيانة للعقل وهي تعبير عن تقديس النص والكشف










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيك سوليفان: -قرار تجميد شحنة الأسلحة، لا يعني أننا سنتخلى ع


.. اتساع رقعة العمليات العسكرية في غزة رغم الدعوات الدولية لوقف




.. معارك ضارية في الفاشر والجيش يشن قصفا جويا على مواقع في الخر


.. -منذ شهور وأنا أبحث عن أخي-.. وسيم سالم من غزة يروي قصة بحثه




.. بلينكن: إذا قررت إسرائيل الذهاب لعملية واسعة في رفح فلن نكون