الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//نشوء البورجوازية التجارية المغربية

بلكميمي محمد

2009 / 3 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لقد ارتبطت النشاة التاريخية التجارية المغربية في القرن التاسع عشر ، ارتباطا عضويا بالاقطاع المخزني الجديد ، من جهة . وبالمؤسسات التجارية الراسمالية الاوربية من جهة اخرى . فالاقطاع المركزي الذي كان يحتكر التجارة الخارجية مع اوربا قبل المعاهدة الانجليزية لسنة 1856 ، كان محتاجا لوكلاء تجاريين . يقومون بدور الوساطة مع الشركات التجارية الاجنبية ، وبعض هؤلاء هم الذين ستتشكل منهم لاحقا النواة الاولى للبورجوازية التجارية .
كذلك فان نقل حبوب واصواف وجنود الفلاحين الى اوربا ، وتسويق الشاي والسكر والالبسة المصنعة والشموع والصابون ... المستوردة من الخارج ، داخل البادية المغربية ، مسالة لايمكن تصورها بدون وسطاء محليين ، وهؤلاء الوسطاء هم الذين سيشكلون النواة الثانية للبورجوازية التجارية المغربية .
ان هذه البورجوازية التجارية الناشئة ، قد لعبت دورا اساسيا في نشر البضائع الراسمالية الاوربية داخل البادية المغربية ، وهي من اجل هذا الغرض ، قد استغلت جميع الوسائل الممكنة ، بما فيها التقليدية منها ، مثل ، القوافل والاسواق القروية الصغرى والمواسم .. ولان وجودها التاريخي قد ارتبط اصلا بانفتاح المغرب على التجارة الاوربية الحديثة ، فبالتالي ، كان كلما تعمق ذلك الانفتاح ، الا وصاحبه نمو ورسوخ لراسمالها التجاري ... فمنذ مطلع السبعينات من القرن الماضي ، كانت قد تمكنت من مراكمة راسمال تجاري هام ، سمح لها بتاسيس مؤسساتها التجارية الخاصة بعين المكان الذي كان يعتبر حينئذ الموطن الاصلي لصناعة النسيج في العالم ، الا وهو بريطانيا . هكذا مثلا ، في سنة 1871 كان عدد مؤسساتها التجارية العاملة في لندن ومانشيستر 12 مؤسسة ، كما ان المؤسسات كان لها وكلاء تجاريون في اهم المناطق الايجابية المشهورة بصناعة النسيج .
وفي نهاية القرن اصبحت البورجوازية التجارية المغربية تتوفر على راسمال بالغ الاهمية ، ان المصادر الاساسية التي سمحت لها بمراكمة ذلك الراسمال ، هي ، عدا مصدر الربح التجاري نفسه ، العائد الى النشاط التجاري في حد ذاته .. اربع مصادر اخرى :
1- الربا : ان تراجع الاقتصاد الطبيعي امام تطور الاقتصاد التبادلي في البادية المغربية ، وخاصة في المناطق المجاورة لمدن الموانئ .. ادى الى تقوية دور النقود . والفلاح الذي اصبح مندمجا في الاقتصاد النقدي ، يجد نفسه معرضا باستمرار لضغط الحاجة الى النقود . . . وهذه النقود التي يسيطر عليها التاجر لن يقرضها للفلاح الا مقابل معدل للفائدة جد مرتفع ، يصل الى 360 في المائة سنويا ، وهذا الاستغلال الفظيع للفلاح المغربي من طرف التاجر ، يتم بتزكية المؤسسات الشرعية للدولة ، ذلك ان العامل هو الذي يشرف على العقد بين الدائن والمستدين ، والقاضي يتولى دور المصادقة عليه .
2- الريع العقاري : عن طريق الربا يحصل الفلاح على قروض من التاجر . وحينما تاتي فترة الاستحقاق ، ويجد الفلاح نفسه عاجزا عن تسديد ديونه بسبب سوء المحاصيل الزراعية ، فانه يضطر الى التنازل عن جزء من اراضيه للتاجر ، الذي يصبح بالتالي شريكا في الملكية العقارية .. وعندما تتكرر المسالة ، يتم ازاحة الفلاح وتحويل الملكية بكاملها الى التاجر .. لكن في غالب الاحيان ، يحتفظ التاجر بالفلاح كمجرد مزارع ، مقابل دفع كراء الارض في شكل ريع يقدم للتاجر .. بهذه الطريقة ، تم تمركز الملكية العقارية في ايدي البورجوازية التجارية المغربية في معظم المناطق القروية القريبة من المدن ، الموانئ في نهاية القرن .
3- المضاربة على العقارات الحضارية : ان انفتاح المغرب على التجارة الاوربية ، قد فرض على الشركات التجارية الاوربية ارسال وكلائها التجاريين الى المغرب للاقامة في عين المكان . ان هذه الاقامة تقتضيها وظيفة الوكلاء ، التي تتحدد في : المتاجرة مع المغاربة ، استقبال البضائع وشحنها ، تحديد قيمة الرسوم الجمركية .
ان مجيء هؤلاء الوكلاء التجاريين الى المغرب ، قد خلق بدوره حاجيات جديدة ، تتمثل في : بيوت للسكنى ، محلات للتجارة ، فنادق لاستقبال البضائع وتخزينها ... ان هذه الحاجيات الجديدة قد عملت على تنشيط حركة البناء ، مما سمح للبورجوازية التجارية المغربية بالقيام بالمضاربة على الاراضي العقارية ، التي كانت تجنى منها ارباحا كبيرة ( ان النشاط العقاري بلغ مستوى من التطور الى الحد الذي اصبحت فيه صحافة طنجة تخصص اركانا قارة بالاعلانات عن عمليات البيع والشراء والكراء للمتلكات العقارية ) .
4-اخضاع الصناعة التقليدية : لايمكن تصور تجارة كبرى مع اوربا غير المدن الساحلية ، بدون ازدهار المهن الخدماتية ، مثل : الحمالين ، الباعة المتجولين – الوسطاء – اصحاب فنادق السلع – اصحاب المقاهي والمواد الغذائية ، الخدم . . . وكذلك بدون ازدهار الحرف الصناعية : التجارة والحدادة المرتبطتين بحاجيات السفن – صناعة الحصائر - تلفيف الاصواف المعدة للتصدير – صناعة المواد الاستهلاكية للاستجابة لحاجيات السكان الذين يتزايد عددهم باستمرار بفعل تاثير التجارة .
ان البورجوازية التجارية ، ستجد في مراقبتها وسيطرتها على الصناعة التقليدية النامية ، فرصة اضافية للربح من اجل تطوير راسمالها .. لذلك فهي تعمل على اخضاع الصناع التقليديين للراسمال التجاري . عبر وسيلتين رئيسيتين : التحكم في المواد الاولية التي يحتاج اليها الصانع ، والتحكم في تسويق منتوجاته .
واذن ، فكما ان احتكارها للمال ادى الى افلاس الفلاح بواسطة الربا ونزع منه ارضه وتفويتها للتاجر الذي اصبح يستغله عبر استخلاص الريع العقاري في شكل كراء لتلك الارض . فكذلك ، ان تحكم البورجوازية التجارية في المواد الاولية وفي التسويق ، قد جعل الصانع خاضعا للاستغلال بسبب تعرضه لسيطرة التاجر على فائض انتاجه في شكل ربح تجاري .
ان البورجوازية التجارية المغربية التي ارتبط وجودها العضوي بانفتاح المغرب على التجارة الاوربية والتي لايمكن بالتالي تصور امكانية تطور مصالحها في تلك المرحلة التاريخية ، بمعزل عن التجارة الخارجية الاوربية . ستجد اذن في الحماية الفرنسية على المغرب ، الاطار التاريخي الامثل لتنمية راسمالها ، نظرا للافق الجديد الذي ستفتحه امام انشطتها التجارية . من هنا بالاضافة الى الاقطاع الجديد الذي لم يجد حلا اخر لازمته الطبقية سوى القبول بالحماية الفرنسية . فان البورجوازية التجارية المغربية بدورها مثلت القوة الاساسية الثانية في الداخل ، التي دافعت عن الاختيار الاستعماري الكولونيالي .
وهنا يطرح التساؤل الاساسي : هل الاختيار الاستعماري الكولونيالي ، حامل مشروع النظام الراسمالي الطرفي ، كان الاختيار الوحيد الممكن في تلك الظروف ، وان أي اختيار وطني تقدمي بديل ، كان مستحيلا؟ .
اذا نظرنا للمسالة من زاوية التاريخ المادي الفعلي ، زاوية القوى الاجتماعية الواقعية .. لا من الزاوية السياسية المثالية المجردة .. فيمكن القول ان ذلك الاختيار كان الاختيار الوحيد الممكن تاريخيا ، لماذا ؟
في نفس الفترة التاريخية التي تعرض فيها للضغط الامبريالي تعرض اليابان هو ايضا لنفس الضغط ، ومع ذلك فقد استطاع اليابان ان يشق طريقة بعد ثورة 1867 بقيادة الامبراطور ميجيه ، نحو بناء نظام وطني راسمالي مستقل ، بينما عجز السلاطين المغاربة : عبد الرحمان ومحمد الحسن الاول عن نهج نفس الطريق .
ماهو سر ذلك ؟ هل السلاطين المغاربة كانوا اقل غيرة على بلدهم من زملائهم اليابانيين ؟ ان الصراعات الديبلوماسية التي خاضوها ضد مختلف القوى الامبريالية في تلك الفترة ، تبين العكس ، وهل عقليتهم الثقافية كانت عقلية متزمتة ؟ ان السلطان محمد مثلا ، كان معروفا باهتمامه بالعلوم الحديثة واتقانه للغة الانجليزية ، والى حد ما ، الفرنسية ، كما انه هو والحسن الاول قد قاما بمجموعة من المحاولات الاصلاحية ( البعثات الثقافية للطلبة المغاربة الى جميع انحاء العالم ، بما فيها الولايات المتحدة الامريكية – الجيش الادارة وخاصة الجانب المتعلق بمالية الموانئ التجارية – انشاء بعض الصناعات الحديثة.. )
واذن فان سر ذلك لايمكن البحث عنه في الاشخاص ، او في سياستهم المجردة ، بل الواقع المادي للمجتمع المغربي لتلك الفترة . ان مستوى التطور المادي لذلك الواقع في لحظة التصادم مع اوربا الراسمالية ، لم يكن يسمح بنهج اختيار راسمالي وطني مستقل ، كما حصل في اليابان .
بالنسبة للحالة اليابانية : ان النظام الاقطاعي الياباني ، الذي كان نظاما عتيقا ، قد دخل في مرحلة التفكك منذ نهاية القرن السادس عشر ، ان هذا التفكك قد عبر عنه قانون الاصلاح للنظام العقاري، وهو الاجراء المعروف باسم « الكنشي » ، والذي شرع في انجازه منذ سنة 1582 ، حيث اصبح شاملا لمجموع الاراضي الاقطاعية في القرن السابع عشر في عهد الامبراطور تايكو هيديسسكو .
ومه بداية تفكك النظام الاقطاعي ، حصل نوع من التحرر بالنسبة للفلاحين ، مما مكنهم من السيطرة على جزء من فائضهم الاقتصادي استعملوه كاستثمار لتحسين شروط الانتاج ، ان تطور قوى الانتاج هذا ، قد سمح للفلاحين ، بالتالي ، بتحويل انتاجهم الفائض الى سلعة يتم تسويقها في الاسواق المحلية . هكذا ، اخذ يتحول الاقتصاد الطبيعي الى اقتصاد نقدي . وهكذا ، بدات تتطور الصناعة التقليدية ، وكذلك ، بدات تتطور البورجوازية التجارية اليابانية بارتباط عضوي بالانتاج المحلي المتنامي .
وفي نهاية القرن السابع عشر ( عهد كنروكو) . وصل تطور الانتاجية في الزراعة درجة مكنت الفلاحين من انتاج كميات هائلة من الارز الذي كان يحول الى سلعة ونقود في اسواق المدن المتنامية.
وعلى اساس ذلك التسويق . وما صاحبه من تحريك للنشاط الاقتصادي العام ، ظهرت مدن ضخمة من حيث السكان : اذ منذ القرن السابع عشر بلغ عدد سكان مدينة طوكيو ( التي كانت تسمى في ذلك الوقت بيدو ) مليون نسمة ، ومدينة كييطو اربعمائة الف نسمة ، ومدينة اوزاكا 350000 نسمة .
وفي نفس السياق ، حصل تطور كبير للصناعات الحرفية من طبيعة المانيفاكتورة الراسمالية ، ففي المناطق المشهورة بصناعة النسيج وحدها ، مثل : كبريو – اشيكاكا – بلغ عدد تلك الوحدات الصناعية- الاف وحدة .
لقد كان المجتمع الياباني اذن قبل وقت طويل من بداية الضغط الامبريالي ، يتطور في اتجاه الراسمالية ، وكانت القوى الاجتماعية الاساسية ، حاملة المشروع الجدي ، تتكون من الفلاحين الذين احرزوا على بعض التحرر من الاقطاع ، من جهة ، ومن جهة اخرى ، من الصناع الصغار والمتوسطين . فتطور الفلاحين الاحرار ادى الى بداية الانقسام الاجتماعي في صفوفهم ، وظهور الفلاح الغني الراسمالي والفلاح الفقير المتحول الى عامل زراعي .
كما ان نفس العملية بدات تتم على صعيد الصناعة الحرفية ، بظهور المانيفاكتورا ، التي تربط الصانع الراسمالي بالعامل الماجور .
لذلك فان التناقض الاساسي الذي بدا يمزق المجتمع الياباني في ذلك الوقت ، هو بين تلك القوى الاجتماعية ، حاملة المشروع الراسمالي ، وبين الاقطاع والبورجوازية التجارية الكبرى الذين كانا يتحكمان في جزء هام من الفائض الاقتصادي ، على شكل ريع تجاري بالنسبة للبورجوازية التجارية ، وبالتالي ، حرمان القوى الراسمالية من الاستفادة منه في مجال الاستثمار لتنمية الراسمال الصناعي والزراعي .
ان تطور ذلك التناقض ، كان سيؤدي بالضرورة ، الى قيام ثورة راسمالية راديكالية من طراز ثورة القرن السابع عشر في انجلترا ، وثورة القرن الثامن عشر في فرنسا ... تطيح بالاقطاع والبورجوازية التجارية الكبيرة . لكن هذا لم يحدث بسبب تدخل عنصر المسالة الوطنية : فالضغط الاوربي سمح بقيام مساومة سياسية بين الطبقات المتناحرة . ادت الى خلق وحدة وطنية . من خلال التضحية بالجوانب الاكثر تخلفا في النظام القديم . مثل الغاء الريع العقاري ( لكن مقابل التعويض للاقطاعيين ) والراسمال التجاري والاحتكاري ، ثم مركزة الفائض الاقتصادي في يد جهاز الدولة الذي سيتولى مهمة توجيه الاقتصاد .
هكذا ستتمكن الوحدة الوطنية من مص طاقات الصراع الطبقي للقوى الراسمالية الراديكالية ، وتحويلها الى طاقات للصراع الوطني ضد القوى الاجنبية ، ان جوهر ثورة ميجي سنة 1867 ، لم تكن شيئا اخر غير هذا ، واذا كانت الدولة المركزية اليابانية قد لعبت دورا كبيرا في تطور النظام الراسمالي ، فبالضبط ، لانها استندت على قوى اجتماعية راسمالية ، كانت موجودة سلفا في المجتمع ، فالدولة لايمكن لها ان تصنع شيئا من فراغ ، اما بالنسبة للتجربة المغربية ، فانها تختلف جذريا عن اليابان .
فالنظام الاقطاعي المغربي لم يصل الى مستوى النضج الذي وصله زميله الياباني ، كما ان المجتمع المغربي لم يعرف بزوغ قوة اجتماعية ذات مشروع راسمالي في صفوف الفلاحين والصناع والبورجوازية التجارية المغربية ، لم تربط ظهورها وتطورها بالسوق الداخلية ، كما وقع في اليابان بل بالانفتاح على التجارة الاوربية . لذلك فهي لم تساهم في خلق وحدة وطنية لمواجهة القوى الخارجية ، بل بالعكس ، كانت متلهفة على الارتماء في احضانها .
لكن خارج الاقطاع الجديد والبورجوازية التجارية اللذين قبلا الحماية الفرنسية ، كانت هناك قوى اجتماعية مغربية رافضة ، وضمنها تلك التي سار على راسها السلطان عبد الحفيظ في مطلع القرن العشرين .

في الحلقة المقبلة : جوهر الثورة الحافظية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة