الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فـي نقـد النقـد

صبحي حديدي

2004 / 4 / 6
الادب والفن


عقد قسم الدراسات العربية في جامعة السوربون (باريس الثالثة) طاولة مستديرة حول "تيبولوجيا وإشكالية الإنتاج الأدبي العربي بين 1970 و2000"، دُعي إليها عدد من الأكاديميين والباحثين والنقّاد، نساء ورجالاً بالطبع، من بلدان عربية وأوروبية. الغرض الأساسي لهذا الملتقى هو التداول حول، ثم تجميع أبحاث بخصوص، إصدار مجلّد متكامل باللغة الفرنسية، يؤرّخ للأدب العربي في الفترة المشار إليها أعلاه.
ولتبيان الأهمية التي انطوى عليها عقد تلك الطاولة المستديرة، أشير إلى عناوين الأبحاث: الحقل الأدبي المصري منذ 1960، قراءة جديدة لأعمال نجيب محفوظ، القطيعة المعرفية لـ 1967 ومضاعفاتها على المشهد الأدبي المصري، المسرح في المغرب، المسرح المصري، النقد العربي الحديث: اتجاهاته وإشكالياته، تحوّلات الشعر الحديث، قراءة في المشهد الشعري المعاصر، الشعر العراقي الحديث منذ ولادة الشعر الحرّ، المشهد الشعري المعاصر: ثنائية الشكل وتعدّد المراكز، الرواية المصرية بين 1960 ـ 1980، متغيّرات الأقصوصة بعد السبعينات، الرواية اللبنانية منذ 1970، الرواية السورية بعد 1970، الأدب المغاربي 1950 ـ 2000، الخطاب الأدبي في شبه الجزيرة، نصف قرن من الرواية...
طموح كبير، إذاً، ليس في وسع المرء إلا أن يتمنى له الحظ السعيد!
ولكن... في وسع المرء ذاته أن يلاحظ غياباً مدهشاً، ولا يمكن تبريره بأيّ حال، لأبحاث مخصصة للأدب الفلسطيني شعراً وقَصّاً، وللرواية العراقية الحديثة. والمشرفون على أعمال التحضير يقولون إنهم سوف يستدركون هذا النقص بالطبع، ولكني تساءلت: ما الذي حال دون أن يقدّم الناقد الفلسطيني المشارك في الملتقى ورقة عن الأدب الفلسطيني، بدل الورقة التي قدّمها بالفعل... عن نجيب محفوظ؟
كذلك فإنّ عثرات، لكي لا نتحدّث عن عيوب، المقاربة الأكاديمية للأدب والنقد تبدّت بكلّ أبعادها في عدد كبير من الأوراق، خصوصاً تلك التي تقدّم بها أكاديميون غربيون مختصون بالأدب العربي (أو لنقلْ، بتحديد أكثر ذي مغزى: مختصّون بالرواية العربية حصراً، لأنّ الشعر كان في صفّ الأقلية، فخُصّصت له أربعة أبحاث مقابل ثمانٍ عن الرواية). وأضرب مثلاً في أكاديمي قدّم ورقة عن الرواية المصرية، معتمداً على رسم بياني حول "بنية المعنى" و"الموضوعات المتكررة" في الرواية المصرية: رموز الخراب والشرّ من جهة (الصحراء، المتاهة، الجحيم، الهوية الضائعة أو المتشظية، الأفعى، الشيطان، الموت...)، ورموز النماء والخير من جهة ثانية (العثور على الكنز، الجنس، اللغة، الحكي، الرحلة...)!
وشخصياً شعرت باستفزاز كبير حين تابعت عناصر الخطاطة هذه، خصوصاً وأنّ واضعها الأوّل، والتر فالك، أراد تطبيقها على الأدب التركي! ولقد سألت الباحث: ألا ترى أنّ الخطاطة ميكانيكية أكثر ممّا ينبغي؟ ألا توافق أنها يمكن أن تنطبق على الآداب (وليس الرواية وحدها، بل الفنون جمعاء) في نيجيريا ونيوزيلندا ونيكاراغوا؟ جوابه كان بسيطاً وبليغاً: نعم هي ميكانيكية! ونعم، هي تصلح للبلدان التي ذكرتها!
كذلك كانت الأوراق التي تتناول مشهداً وطنياً بعينه (الرواية اللبنانية مثلاً) مدعاة تعريض بمشاهد أخرى (الرواية السورية). أحد النقّاد، العرب هذه المرّة، امتدح نهضة الرواية اللبنانية المعاصرة، وتساءل في المقابل لماذا تبدو الرواية السورية فقيرة إلى حدّ أنها لم تقدّم بين 1970 و2000 سوى "الوباء" لهاني الراهب و"قصر المطر" لممدوح عزام! وهنا أيضاً كان الغبن كبيراً ويستفزّ بالفعل، وكان لا بدّ من التذكير بأنّ الروائي السوري يكتب (وينشر!) منذ عام 1963 في ظلّ الأحكام العرفية وتحت سيف نظام استبدادي دكتاتوري يمارس أبشع أنواع الرقابة، الأمر الذي لا يشبه في شيء حال الروائي اللبناني مع موضوعته الأثيرة شبه الوحيدة (الحرب الأهلية). ومع ذلك... تمكنت الرواية السورية من تقديم عشرات النماذج المضيئة والكبيرة، وذكرت للتمثيل فقط: "مفترق المطر" ليوسف المحمود، و"ثلاثية" خيري الذهبي، وأخيراً "أعدائي" لممدوح عدوان.
ويبقى أنّ المساهمة الوحيدة في النقد والنظرية الأدبية، وكانت بعنوان "النقد العربي الحديث، اتجاهاته وإشكالياته"، تكشفت عن نتائج كارثية بالفعل! لقد احتوت على أسوأ ما يمكن أن تنطوي عليه مقاربة ترى أنّ النقد العربي الحديث ليس أكثر من ترجيع أصداء لمنجزات الغرب (فرنسا تحديداً، لا لشيء إلا لأنّ الباحث فرانكوفونيّ الثقافة!)، كما ترى من جانب آخر أنّ التأثّر بأمثال رولان بارت أو ميخائيل باختين أو جوليا كريستيفا ليس إثماً، وأنّ الإفكّ كلّ الإفك في أن يتأثر الناقد العربي بأمثال لوسيان غولدمان لأنه ــ هنا فقط ــ سوف يقع في مصيدة السوسيولوجيا والإيديولوجيا!
وهذه السطور بدأت بامتداح الملتقى، ولم تشدّد بعدئذ على عثراته وعيوبه إلا من منطلق قناعة راسخة بضرورة مثل هذه الأنشطة وأهمية ما يمكن أن يسفر عنها في الحصيلة الختامية. خصوصاً، طبعاً، إذا حالف الحظّ جامعة باريس الثالثة، ورأى المجلد ـ الهدف النورَ ذات يوم قريب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل