الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوقود الحيوي.. طاقة جديدة أم سبب لارتفاع أسعار الغذاء؟

سمير التنير

2009 / 3 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر



الأربعاء 25/3/2009
بعد عقد قمة الغذاء في روما اطلقت تحذيرات قوية عن الآثار الخطيرة لأزمة الغذاء العالمية والتداعيات الناتجة عنهــا، خاصــة انها مرتبطة بتغير مناخ الأرض، اذ يؤدي الــتوسع في انتاج الوقود الحيوي، إلى زيادة اسعار المنتجات الغذائية ونشوب الصراعات على الأراضي الزراعية والذي يهدد حياة مئات الملايين من المزارعين وصيادي الأسماك وكافة الذين يعملون ويكسبون رزقهم من ارض وأنهار وبحار الطبيعة.
وتغير المناخ يؤدي الى اقتلاع المزارعين من أرضهم، والى إجبار أعداد هائلة من الذين يعملون في البحار والأنهار، على الرحيل بسبب ارتفاع سطح البحار والمحيطات ودلتا الانهار وخاصة في البلدان النامية الفقيرة. كما ان موجات الجفاف لا تترك للفلاحين والرعاة من مجال سوى ترك اراضيهم ومواشيهم، اذ انهم يعتمدون بشكل كلي على هطول الأمطار. وتؤدي الهجرة القسرية لهؤلاء الى نشوب نزاعات بينهم وبين السكان الأصليين.
يرجع السبب الأساسي لأزمة الغذاء الى الزيادة المتصاعدة في زراعة محاصيل الوقود الحيوي، على حساب تلك المخصصة لتوفير الغذاء (أدى ارتفاع اسعار النفط الخام الى التوسع في زراعة منتجات الوقود الحيوي لتخفيض فاتورة الطاقة). وتلجأ بعض دول العالم الثالث الى مصادرة الأراضي وتخصيصها للمستثمرين الأجانب على اعتبار ان الزراعات الصغيرة غير مجزية اقتصاديا. وبالتالي ترتفع اسعار الاراضي ويصبح المزارعون غير قادرين على شراء المساحات المطلوبة او استئجارها بسبب الارتفاع الكبير في اسعارها.
تعتبر الطاقة الحيوية افضل بيئيا من الوقود الاحفوري الملوث للبيئة. الا ان المخاطر الناتجة عنها كبيرة بسبب تسببها في الازمة الغذائية التي حدثت في الــعام الماضـي، والتي عقدت قمة روما الغذائية من اجل ايجاد الحلول لها. وتساعد الطاقة الحيوية في تخفـيف الآثار الناتجة عن تغير المناخ. لكن هذا الأمر يبقى صعب التحقيق اذا استمرت عملـية ازالة الغابات وتجفيف المستنقعات، للحصول على مزيد من الأراضي لتخصيصها للزراعات المعدة لصناعة الوقود الحيوي. ان إنتاج الوقــود الحيوي لا يمكن الحصول عليه باستخدام النفايات الزراعية والحيوانية. وتبقى المشكلة قائمة في حال لم تتم المواءمة السليمة بين صناعة الطاقة الحيوية، جنبا إلى جنب مع المحافظة على قدرة المزارعين لزراعة المنتجات الغذائية وشرائها.
لقد اعتمدت المجتمعات الزراعية على استخدام الخشب والمخلفات العضوية، وذلك منذ آلاف السنين. وهذه المنتجات التقليدية تقدم 95 بالمئة من احتياجات الطاقة في البلدان النامية الفقيرة، وذلك لنحو 4,2 مليارات انسان.
تستخدم غالبية سكان الريف الطــاقة الحيوية لتلبية احتياجاتها للطهو والتدفــئة. ولكن تلك الطاقة تبقى غير كفوءة، كما تتســبب في تلوث الهواء داخل المنزل. وتتسبب ايضا في قطع الأشجار وتعرية التربة. ويكمن التحدي في تنظيم استعمال تلك الطاقة التقليدية دون التسبب في هجرة السكان وتقلص المحاصيل الزراعية.
بدأ انتاج الوقود الحيـوي السائل في السبعينات من القرن العشرين، مع الصدمة النفطية الأولى عام 1973. ولكن انتاجه كان ضئيلا في ما مضى. والآن يجري التوسع في انتاجه، مع الارتفاع الكبير في سعر برميل النفط الخام، وذلك منذ خمس سنوات تقريبا (قبل انخفاضه مؤخرا).
ان للطاقة الحيوية فوائد عدة منها التخفيف من النتائج السلبية لتغير المناخ، لكن تلك النجاحات تعتمد على المحاصيل الزراعية المستخدمة ومواقعها والأساليب المستخدمة في انتاجها. كما تفيد الطاقة الحيوية التنمية الريفية، وذلك بزيادة فرص التشغيل، وخلق الفرص الجديدة للعمل. كما يحظى الوقود الحيوي السائل والمستعمل كوقود لوسائل النقل بنسبة كبيرة من النمو. ولذلك فالبلدان الاستوائية تتوسع في زراعة محاصيل الحبوب والاعلاف اللازمة لانتاج الوقود الحيوي الذي يزداد الطلب عليه من البلدان الصناعية. اما المنتجات الزراعية المستخدمة في صناعة الوقود الحيوي فهي حاليا الذرة، وقصب السكر، وزيت النخيل واللفت. ولكن ذلك يترك آثاره السلبية على امدادات الغذاء المتوافرة في السوق. وينافس الوقود الحيوي المصادر الطبيعية الأخرى مثل المياه والأراضي المستخدمة للزراعة. ويتم تجنب هذه السلبيات بابتكار تكنولوجيات جديدة لتحويل السكر الى طاقة، وانتقاء الأراضي غير الملائمة لانتاج الاغذية. يتم انتاج الوقود الحيوي في الولايات المتحدة التي تنتج 90 بالمئة من الايتانول في العالم إلى جانب البرازيل. اما الديزل الحيوي فيجري انتاجه في فرنسا وألمانيا. ويجري في الدول الأوروبية تقديم حوافز لانتاج الوقود الحيوي. تتصاعد الأخطار التي تهدد الأمن الغذائي في العالم، بسبب الارتفاع الذي يصيب أسعار المواد الغذائية. وذلك بسبب استعمال المنتجات الزراعية في صناعة الوقود الحيوي. او بسبب استخدام الأراضي والمياه التي كانت معدة للزراعة. ويسود الاعتقاد حاليا ان التوسع السريع في انتاج الوقود الحيوي السائل يساهم في ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية. وهذا الأمر مفيد للمزارعين الذين يبيعون فائض انتاجهم الزراعي، ولكنه يضر بالمستهلكين الفقراء في المدينة والريف. الا انه يمكن الحد من تلك الأضرار باستخدام اراض هامشية، لايجاد تكامل بين انتاج الأغذية وصناعة الوقود الحيوي.
ان تطوير الطاقة الحيوية على نحو مستدام، وحماية الأمن الغذائي يقتضي انشاء شبكات من الضمان الاجتماعي، كي يتم تلافي آثار ارتفاع اسعار الأغذية، كتقديم قسائم المعونة الغذائية للمحتاجين. وينبغي ايضا توجيه السياسة الانتاجية للوقود الحيوي لسد حاجة السوق المحلية فقط، كما يجب وضع القواعد الخاصة بالمحافظة على البيئة في عمليات انتاج الوقود الحيوي السائل.
وعند النظر في مساهمة الوقود الحيوي في موازنة الطاقة العـالمية نرى انه يقدم 2 بالمئة فقط من الوقود المستخدم في النقل، غير ان التقديرات تشير الى ارتفاع هذه النسبة الى 5 بالمئة في عام 2030. كما يوفر الوقود الحيوي مليون فرصة عمل في البرازيل. ويحتاج النمو المقدر لانتاج الوقود الحيوي في سنة 2030 الى 35 مليون هكتار من الاراضي، وهي مساحة تعادل مساحتي فرنسا واسبانيا معاً. وفي المحصلة يمكن للوقود الحيوي ان يقدم مساهمة صغيرة في موازنة الطاقة العالمية، ولا يمكن له ان يكون مصدرا رئيسيا لها، حتى في المستقبل البعيد.

([) كاتب لبناني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي