الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والرئيس .. تلاميذ الترابي وتنحية البشير

نجيب غلاب

2009 / 3 / 27
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


تحالف اليسار مع الإسلام السياسي ليس إلا تعبيراً عن أزمة عميقة يعيشها اليسار اليمني بعد أن حاصرته السلطة الحاكمة وأنهكت قواه، فلم يجد له من ملاذ إلا أن يتحالف مع القوة التي استخدمتها السلطة في إضعافه أو بالأصح القوة التي استخدمت السلطة إضافة إلى ترسانتها العقائدية الثقيلة في محاربته، يعتقد البعض أن الحزب مازال محتفظا بتوهجه الفكري، وأن التزامه المبدئي بمشروعه الحضاري الذي أصبح أكثر نضجا لا يمكن التشكيك فيه، وأنه سيخرج من التحالف أكثر قوة في دفاعه عن مشروعه الفكري والسياسي بعد أن أذاب الترسانة العقائدية الثقيلة التي أستخدمه الإسلام السياسي ضد الحزب.
فالمتفائلون يؤكدون أن الحزب بعد أن تمكن من إعادة الرشد ولو بحده الأدنى للنظام الحاكم وأوصل النخبة الوطنية في الحكم إلى قناعة أن الحزب لابد أن يكون شريكا فعليا للمنظومة الحاكمة حتى تتغلب على أزماتها المتراكمة المهددة لشرعيتها وتتمكن من محاصرة المد الأصولي باعتباره المهدد الفعلي لمصالح جميع الأطراف، نظرا لنزوعه المتهور في الهيمنة على الدولة والمجتمع ولو من خلال الفوضى العارمة.
المهم في الأمر أن تحالف اليسار مع الإسلام السياسي كما ينطق الواقع أثبت أن التيار الديني في صراعه السياسي انتهازي ويمتلك إمكانيات رهيبة وإيديولوجية سياسية قادرة على تبرير السلوك ونقيضه في الوقت ذاته، وهنا لابد أن نشير إلى أن التحالف مع الأطراف التي كانت تشكل في أجندته العقائدية والسياسية أعداء خطرين مواجهتهم يمثل قمة الجهاد الرباني لا يعبر عن تحول حقيقي في الترسانة العقائدية للتيار، فكيف تحول المؤمنون في النظام الحاكم بعد خروج الإصلاح من السلطة إلى أعداء فاسدين لن يقوم للأمة قائمة ماداموا على رأس الأمر؟ وكيف تحول الكفرة الملحدون والقوميون الظالمون والطائفيون الزنادقة الأماميون في أيديولوجيا الإخوان إلى مجاهدين في معركة الحق ضد الباطل، هذه التقلبات قد تبدو للمراقب العادي أنها منطلقة من مراجعة عميقة للفكر ونتيجة تجديدات في الممارسة السياسية، وهذا غير صحيح فطبيعة الصراع في العمق وثبات الأيديولوجية العقدية للحركة يؤكدان أن سلوكه يعبر عن نزوع سلطوي قوي متجذر في الوعي، والتعبيرات الدينية المنفتحة والشعارات العصرية ليست إلا مظاهر سطحية لإخفاء حقيقة الحركة وجوهر اللعبة وهي قيم تعبوية للتأثير على الجماهير في صراعات المصالح.
لنفترض جدلا أن طبيعة التحالفات الحالية اختلفت وخرج الحزب الاشتراكي من المشترك وتحالف مع المؤتمر على أساس الشراكة باعتبار الحزب الاشتراكي هو الوجه الآخر لدولة الوحدة، ما هو موقف الإسلام السياسي من الحزب؟ من يفقه طبيعة هذا التيار سيؤكد أنه سيعيد سيرته الأولى في التخوين والتكفير ونبش التاريخ وفي الوقت ذاته لن يتوانى عن استخدام وسائله وآلياته الميكيافلية في الصراع.
حسن الترابي هو أستاذ الإسلام السياسي المقدس، لاحظوا تعامله في مسائل تمس أمن واستقرار المجتمع والدولة في السودان، كان حسن الترابي الأب الروحي للانقلاب على الديمقراطية والداعي الأقوى لإخضاع الجنوب بالقوة الدينية الجهادية وكان يأخذ الشباب من الحفلات الغنائية في الخرطوم ويرسلهم إلى الجنوب لمقاتلة الكفرة، وأجبر الأمهات على إعلان الأعراس بعد مقتلهم، فأبنائهن في الجنة ينعمون مع بنات الحور بعد استشهادهم في معركة الحق، ثم أنقلب إلى الموقف الضد بعد خروجه من السلطة وأعتبر البشير ديكتاتورا يقاتل أبناء شعبه في الجنوب، ويهدر الطاقات في مواجهة الحق.
وعندما بدأ جزء من أبناء دارفور في مواجهة البشير دعم الترابي الحركات المتحدية للدولة بل وراهن عليها في أخراج البشير من السلطة، وهو حاليا يطالب البشير بأن يتنحى ويقوم بتسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية بل ويستغفر الله أن البشير يتحدى الإرادة الدولية.
ورغم فارق المقارنة إلا أنها آلية واحدة، فالإسلام السياسي اليمني رقص بعنف من أجل المعركة في 1994م ودفعوا بالمجتمع لمواجهة الكفرة الملحدين ولم يتوان كبرائهم من الإفتاء بإباحة دماء الأبرياء من الأطفال والنساء العاجزات والشيوخ أن تمترس بهم الكفار!! واليوم يذرفون دموع التماسيح على المظالم في المحافظات الجنوبية نكاية بالرئيس وتعميقا للمشكلة لا حلها، فلو كانوا في الحكم لأعلنوا الجهاد على الحراك السلمي ووصموا أبنائه الشرفاء الوحدويين بالانفصاليين الملاعين والمفارقين للجماعة المارقين عن الوحدة المقدسة مروق السهم من القوس.
السؤال المهم كيف يفهم الإسلام السياسي تحالفه مع اليسار؟
هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بالاعتماد على التصريحات والسلوك المتبع في مواجهة الحاكم، بل بالشرط الموضوعي الحاكم للصراع لدى الإصلاح، فقد تم أخرجه من السلطة قسرا وتم ملاحقة مكاسبه التاريخية في كل اتجاه، لذا فالنزعة السلطوية هي المحرك، ولو كان الإصلاح في السلطة لكانت وطأته أشد تنكيلا بالمعارضة من المؤتمر فالترسانة الإسلاموية دفعت حماس إلى رمي مخالفيها من فتح عرايا من سطوح المباني، إذن فالتحالف ليس نابعا من حاجة الإصلاح لتكتيل القوى المعارضة لإصلاح السياسة في اليمن، بل الهدف هو إيصال الرئيس وتحالفاته الجديدة إلى مأزق لا مخرج منه إلا بقبول تجمع الإصلاح كشريك فعلي في الحكم أو تدمير البيت على ساكنيه، وهذه هي نفس لعبة الترابي مع البشير.
كان استمرار حرب صعدة وتفجير الجنوب وذهاب المؤتمر إلى الانتخابات بدون المشترك حسب ظنهم كفيلة بإيصال صالح إلى وضع البشير، آلة انتقاميه متقاربة، والنتيجة لإنقاذ السودان لابد أن يتنحى البشير ويتسلم حزب الترابي السلطة لأنه صاحب الحق والبشير ليس إلا عضو حركي خائن لمبدأ التنظيم، كما أن البشير ليس إلا عسكري خائن لقائد الحركة الإسلامية أمير المؤمنين الفعلي الترابي.
يختلف صالح عن البشير إن صالح أكثر مرونة ولديه خبرة بالإسلام السياسي بعكس البشير الذي كان عضو حركي في تنظيم حديدي لا يصنع الإستراتيجية بل ينتظر الأمر لتنفيذه، وهو مجبر بالقسم والتربية الطويلة على الطاعة في تنفيذ إستراتيجية الساسة قادة التنظيم وأرواح الله في الأرض.
بعد أن نفذ البشير الأمر بحذافيره ثم ذاق حلاوة الكرسي وربما تجربته في السلطة ولدت لديه أحساسا وطنيا أنقلب على زعيمه الذي أمره بالانقلاب على الديمقراطية خصوصا بعد أن وجد البشير نفسه جندي في حركة وليس رئيس دولة فانقلب على الحركة من أجل الدولة، ولكنه بحكم تجربته التنظيمية ظل يدير الدولة بعقل الحركة لا بعقل الدولة.
الرئيس صالح لاعب سياسي وعقدة العقد بالنسبة للإخوان فهو يدير الدولة بالدهاء وبعقل رجل دولة ويمارس لعبا ميكيافلية خطيرة في مواجهة أزماته، وأياً كانت أخطائه فإنه مرن وقادر على اتخاذ القرار الصائب إذا حصحص الحق، ولهذا السبب تمكن من الخروج من الحفر المصنوعة باحتراف من الإسلام الميكيافلي.
وهنا أسال هل يتجاوز الرئيس أزمته في التعامل مع الواقع كما هو لا كما تصوره له قوى المصالح الانتهازية، وهل يتمكن من تجاوز أزمته مع الحزب الاشتراكي ويتعامل معه كشريك فعلي حتى يخرج من الحفرة الجهنمية القادمة التي لا يعرف حبائلها سواء تلاميذ الترابي في اليمن.
ربما فقد تمكن المحترفون خبراء السياسة حلفاء الإسلاموية الإخوانية ـ الذين سيظلون كرت على طول الخط ـ من إقناع الرئيس ـ من خلال جدارتهم في اللعب بالأوراق المختلفة ـ إلى مخاطر بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
هل يمتلك الرئيس الإرادة ويحسم أمره لتتغير اللعبة كلها في اليمن؟ أما سيظل خائفا من تغيير موازين القوى الحالية ويستجيب لضغوط التحالفات التي أغرقته في أزمات تأكل بقايا الحياة في عروق اليمن الذي لم يعد سعيدا بل منهكا وتعيسا؟!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Socialism the podcast 131: Prepare a workers- general electi


.. لماذا طالب حزب العمال البريطاني الحكومة بوقف بيع الأسلحة لإس




.. ما خيارات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة عمليات الفصائل الف


.. رقعة | كالينينغراد.. تخضع للسيادة الروسية لكنها لا ترتبط جغر




.. Algerian Liberation - To Your Left: Palestine | تحرر الجزائر