الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحد بوابات سدة الكوت

تقي الوزان

2009 / 3 / 27
سيرة ذاتية


الهيئة القيادية لوحدات البيشمركَة تتشكل من مسؤول عسكري وآخر سياسي وثالث اداري , وهذا ينسحب على كل التشكيلات , مفرزة , فصيل , سرية , فوج , قيادة قاطع . في الوحدات المقاتلة يتم التركيز الاهم على المسؤول العسكري , وفي الوحدات الثابتة مثل المقرات الخلفية في المناطق المحررة او التي لا تستطيع السلطة من الوصول اليها يكون الاهتمام الاكبر على المسؤول السياسي , اي حسب اولويات حاجة كل موضع .
كنا في مقر هزارستون وتعني في الكردية ( الف عمود ) , احد مواقع الانصارالشيوعيين في قاطع السليمانية . كان الموقع يشرف على نقطة عبور مهمة مع ايران , وينظم ضريبة الكَمرك التي كانت احد مصادر تمويلنا وكلها عيني ( حمص , عدس , طرشانة ... ) , وفي المنطقة بعض مقرات بيشمركَة الاحزاب الكردية .

هزارستون كان مقر خلفي ايضاً للرفاق الذين يرسلون للعمل في الداخل , عرب واكراد وتركمان , وكان بيننا الشاعر والرسام والكاتب والمسرحي , والموقع دائماً يحي حفلات قاطع سليمانية في عيد ميلاد الحزب الذي يصادف 31 آذار وذكرى ثورة 14 تموز . في هذا المقر المتنوع المهام , وعلى تماس مع مقرات احزاب اخرى , وكذلك وجود مفارز باسدار ايراني تمشط مناطق حدودها يومياً عدة مرات , حيث لاتبعد دعامات الحدود كثيرا . اختير الرفيق يوسف عرب من قبل قاطع السليمانية ليكون المسؤول السياسي عن هذا الموقع بدون ان يتم اخذ رأي اي رفيق في الموقع , والكل يدرك حساسية الاختيار لادارة هكذا مقر .

لااحد يحسد يوسف عرب على هذا الموقع , والبعض تساءل : كيف يمكن ليوسف الهادئ و( المستور ) ان ينهض بهذه المسؤولية ؟! والمقر على احتكاك دائم ويومي مع مشاكل ( القجغجية ) الذين لايتورعون عن تهريب كل شئ , حتى في بعض الاحيان عملاء البعث الى ايران . كيف ستنظم العلاقة مع باقي الاحزاب في المنطقة ؟ او الاجواء المشحونة للباسدار الايراني والتي ترافق المعارك بين الجيشين العراقي والايراني ....
الا ان الجميع ادركوا بعد ثلاثة اشهر ان لا احد يلائم ادارة هذا المقر اكثر من يوسف , كان بطبعه لايرفع صوته عند الحديث او المناقشة مهما اشتدت حرارة الموضوع المناقش , هادئ لايميل الى الشوشرة في معالجة اعقد المشاكل , تمكن من التفاهم والنقاش بالكردية , وحاول تعلم الفارسية ايضاً , لم الاحظ انه اصبح عصبي وفقد تماسكه الا في مرات نادرة .

احدى هذه المرات كانت معي , والمشكلة : كانت لدى الحزب جبهتان في العمل المعارض . الاولى تدعى (جوقد ) وفيها الكثير من الاحزاب المعارضة والاتحاد الوطني الكردستاني الذي رفض انضمام الحزب الديمقراطي الكردستاني اليها , مما اضطر الحزب الشيوعي لخلق جبهة اخرى بأسم ( جود) مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض الاحزاب الاخرى . وغداً سيكون اجتماع ممثلي ( جود ) عندنا في هزارستون .

مقرنا هذا يشرف على وادي عميق , وقبل يومين ذهبت مفرزة الى قرية باني شار في اسفل السلسلة الجبلية وبداية سهل شهرزور لجلب بعض الارزاق للمقر , الطريق النيسمي يتلوى مع خاصرة الجبل , ويمر بمقر الحزب الاشتراكي الكردستاني . كانت لدينا في المفرزة حمارة كنا نسميها صبحة تيمناً باسم والدة صدام , وصبحة فتية نشطة يتطاير الشبق من عينيها , وحالما رأت حماراً مربوطاً في مقر الحزب الاشتراكي تناهقا , وركضت اليه حتى ان النصير درويش المسؤول عنها لم يستطع اللحاق بها . وسط انتباه بيشمركَة الحزب الاشتراكي وصياحهم , وتصفيقهم , وهلاهل بعضهم , استشاط درويش وحاول ان يفصل صبحة بضربها بالعصا التي كان يحملها معه , الا ان الامور سارت بما لايشتهي درويش , واكملت حفلة العرس على صبحة وسط تعليقات وتصنيف بيشمركَة الاشتراكي , وخجل درويش .

اقنعت درويش ان يتحدث مع يوسف كي يفاتح الحزب الاشتراكي ليمنعوا حمارهم من تكرار ماحدث , خاصة وان طريقنا يمر وسط مقرهم وليس لدينا حيوان غير صبحة . عاد درويش من يوسف وقد اقتنع بان المسألة بسيطة . اخبرته : ان يوسف ليس من ابناء المنطقة مثلكم , ولايعرف التقاليد والاعراف هنا , وسألته : قليلة عليك يومية بيشمركَة الاشتراكي يضحكون ويصفكَون ؟! غيره هم بعد ماكو ؟! استشاط غضباً وذهب الى يوسف وبعصبية اخبره , بأنه سيكلم مسؤول الاشتراكي غداً عندما يأتي للاجتماع ان لم يكلمه يوسف . انفعل يوسف وسحبه من يده وجاء به بعد ان عرف منه انا الذي حرضته , كان الشرر يتطاير من عينيه , وبصوت عالي ولا تعرف هل ان رنين غضبه حقيقي ام تمثيلاً سألني يوسف : انت ليش متجوز من هذا ؟؟؟ حاولت تهدئته , وان امتص غضبه , وجدت عليه ظل ابتسامة في جزء من الثانية , فأقسمت له وكنت صادقاً : بأن جماعة الاشتراكي سيفرحون لهذه الزيجة , خاصة وان صبحة من طرفنا , وهذه النسبة ( المصاهرة ) ستعزز متانة الجبهة . انفجر ضاحكاً , واتكأعلى صخرة كبيرة , وفي اليوم الثاني اوجد مفرزة لدرويش وارسله بها خوفا من ان يفاتح مسؤول الاشتراكي .

الكثيرون في الفصيل لايعرفون علاقتي بيوسف , ويعتقدون ان هذه ( الميانة ) نشأت في محيط البيشمركَة . كنا سوية في الكوت , يوسف عرب اسمه الحقيقي ( محسن لفتة ) , كان معلما في الريف , يذهب صباحا ويعود الى بيت اهله عصراً , وباقي وقته يقضيه في القراءة او في حضور ندوة , ولاوقت لديه يمضيه في المقهى او النادي مثل الآخرين . كان قصيراً ووسيماً وشعره اقرب الى اللون الاصفر, صوته متهدج , ونلتقي بمواعيد دائماً لانني اذهب الخميس والجمعة الى بغداد وهي الايام التي يكون فيها يوسف مع الآخرين في المقهى او النادي .

عندما اشتدت الهجمة على الشيوعيين من قبل السلطة عام 1978 , ترك محسن الكوت واختفى في بغداد حاله حال الكثير من الشيوعيين , واخذ يعمل في البناء , وسرعان ما انسجم في عمله ولم يتذمر من شئ . بين الهارب العادي والسياسي المختفي كثير من المشتركات مثل القلق والحذر الدائم , واهم ما يحتاجه الهارب السفر والمبيت والنقود , واهم ما يحتاجه السياسي المختفي هو ما يتمتع به محسن من رغبة في عدم الفات النظر اليه في اي شئ , كنت اشك ان لديه طموحات ذاتية في الايام الاعتيادية , وهذه الصفة اعانته كثيراً لتحمل مشاق الاختفاء بصبر وجلد . كان يتنقل في المبيت بين الخانات وعند غرف بعض المعارف , كان غذاءه بسيطاً ويساعد الرفاق العاطلين عن العمل بالاجور التي يحصل عليها .

في عام 1980 التحق الى كردستان , وكان من الرفاق الذين اسسوا بناء قواعد الانصار الشيوعيين , وانتقل الى قرداغ بعد ان اسس الحزب قاطع السليمانية وكركوك للانصارهناك . ساهم في الكثير من المعارك , وتنقل بين السرايا ومجموعة عمل الداخل , انتقل من هزارستون الى " كرجال " بعد ان اتفقت قيادة القاطع على ان يكون المستشار السياسي للفوج السابع , والذي يقوده الشخصية الكردستانية المعروفة الشهيد علي كلاشنكوف . وجاءه لقب الكلاشنكوف كونه كان عسكرياً عام 1963 وهرب ببندقية الكلاشنكوف يوم كان اغلب البيشمركَة لايملكون غير البرنو .

الفوج السابع كان يغطي منطقة عمل كبيرة بين حلبجة وبيارة وطويلة واحمد آوه وعمق سهل شهرزور . كانت العمليات النوعية التي تستهدف قيادات القطعات العسكرية ومراكز الجحوش تقض مضاجع السلطة , وكانت حلبجة تحت سيطرة البيشمركَة منذ الرابعة عصراً وحتى صباح اليوم التالي . كان يوسف يشارك بأغلب هذه العمليات , ويبقى يتنقل بين مواقع الاختباء نهاراً في الاماكن القريبة من المدن لاكثر من شهر في بعض الاحيان . وفي المرّة الاخيرة كان آمراً لاحد المفارز داخل مدينة حلبجة , واصابته اطلاقة في بطنه . تمالك نفسه وشد على الجرح والألم ولم يخبر احد الى ان خرجت المفرزة من المدينة , وفي طريق الانسحاب نزف كثيراً , وفقد امكانية السير , اراد الانصار ان يحملوه , لكنه رفض , وامرهم بشكل قاطع بمواصلة المسير وتركه , فالفجر بدء ينشر ضوئه , ولايزال طريق الانسحاب طويلاً , وهناك خطورة على المفرزة ان تأخرت ...
استشهد في نفس المكان الذي ترك فيه , حيث عثر عليه من قبل بعض الفلاحين الذين قاموا بدفنه . وليبقى ابن الكوت محسن لفتة نسمة تداعب ضمائر رفاقه ومحبيه , وتستنهض فيهم كل النبل والوفاء لمستقبل حزبهم وشعبهم وخير العراق , وفي احدى الامسيات شبه محسن حياة الرفيق بأحدى بوابات سدة الكوت , البوابة تنظم تدفق الماء , ووجود الشيوعي ينظم تدفق الحياة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا هو أضعف الايمان
هاشم نادر ( 2009 / 3 / 27 - 19:15 )
بوركت ايها العزيز الملتصق بقضية شعبه ورفاقه لقد عبرت واوفيت في الاخلاص لرفيق دربك وهذا هو أضعف الايمان ،سيأتي اليوم الذي سنوافيهم ،طوبى لكل شهيد من الشيوعيين والشهداء من العراقيين ، لابد ان تتحقق العدالة على هذه الارض مادام هناك مناضلون يسعون لتحقيقه وينظمون تدفق الحياة.
ايها العزيز هل هذا هو اسمك الحقيقي ، ام هو تيمناًبأسم أحد من أبناء مدينة الكوت .

اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث