الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تبعية الاقتصاد الفلسطيني تمنع الاستقلال السياسي

اساف اديب

2004 / 4 / 6
القضية الفلسطينية


الدعم الخارجي للسلطة (80 مليون دولار شهريا) يمنع الانهيار الكامل للمناطق الفلسطينية، وهو وضع يتحمل مسؤوليته الاولى الاحتلال. ولكن اختيار السلطة الفلسطينية الاعتماد الاقتصادي الكلي على اسرائيل ساهم في التدهور؛ في هذا الوضع يصبح ضروريا اخراج قضية العمل من دائرة الصراع.

اساف اديب

يعيش معظم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، تحت خط الفقر، من دولارين باليوم. الوضع في قطاع غزة مأساوي اكثر حيث تصل نسبة الفقر الى 75%. حسب نفس المعطيات التي نشرها البنك العالمي في تقريره السنوي (تموز 2003)، وصلت البطالة الى مستوى عال جدا يتراوح بين 53% في الضفة الغربية و60% في قطاع غزة.

الامر الوحيد الذي يحول دون الانهيار الكامل والمجاعة هو الدعم الخارجي، الذي يصل الى 80 مليون دولار شهريا، او مليار دولار سنويا. وينفق 50 مليون شهريا على شكل رواتب من السلطة الفلسطينية، تصل على شكل اجور ل140 الف موظف وشرطي في جهازها. وتصل ال30 مليون دولار الباقية للمنظمات الاهلية والاسلامية.

المساهمة الكبرى في الوضع الكارثي تعود دون شك للاحتلال الاسرائيلي، الذي يمارس كل اشكال القمع الوحشي، بما فيها قتل المواطنين وتدمير البيوت ومصادرة الاراضي وقلع الاشجار. كما يغلق كل المعابر في وجه العمال، ويجعل الحياة العادية جحيما لا يصلح لاي نشاط اقتصادي.



تكاثر سكاني كبير

في هذا المجال يجدر الانتباه الى حقيقة هامة هي التكاثر السكاني الكبير الذي شهدته المناطق الفلسطينية خلال السنوات العشر الاخيرة. البحث الذي اجراه اون فينكلر، بعنوان "ميول في الاقتصاد الفلسطيني قبل اتفاق اوسلو وبعده"، يشير انه خلال التسعينات، وخاصة بعد حرب الخليج الذي قاد الى تهجير مئات آلاف العمال الفلسطينيين من دول الخليج، ارتفع عدد السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة. (مجلة الشرق الجديد 2002، مجلد م"ج)

قوة العمل الفلسطينية التي وصلت عام 1992 الى 350 الف عامل، ارتفعت بنسبة 180% عام 99 لتفوق ال630 الفا. النمو الاقتصادي العام الذي تحقق بين الاعوام 1997-2000 (حتى اندلاع الانتفاضة) بطُل على ضوء ازدياد عدد الناس، وذلك بسبب تراجع النمو الاقتصادي للفرد.

هذا الواقع جعل قضية ايجاد اماكن عمل جديدة للكمية الكبيرة من العاطلين عن العمل وللاجيال الجديدة التي تدخل سوق العمل سنويا، القضية الرئيسية، ودونها سيبقى الكيان الفلسطيني رهينة للقرارات والمصالح الاسرائيلية. ويبقى السؤال الاساسي: هل استغلت السلطة الفلسطينية السنوات التي سبقت الانتفاضة لبناء دعائم الاقتصاد المستقل؟ والى اي مدى كانت هناك سياسة مبرمجة من قبل السلطة نحو خلق اماكن عمل جديدة وتخفيض نسبة الارتباط باسرائيل؟



عقبة الاحتكارات

الحقائق في الميدان تشير الى ان السلطة الفلسطينية لم تقم باية خطوة ملموسة لبناء البنية التحتية الفلسطينية، ووصلت للانتفاضة في حالة من الاعتماد الكلي على اسرائيل، الامر الذي ادى بها اليوم الى حالة من التفكك والانهيار.

الباحثة الاسرائيلية، تسيونيت فتائل كوبرواسر، تستخلص في بحث اجرته حول الموضوع، "ان السلطة الفلسطينية لم تهتم اطلاقا بخلق اماكن عمل منذ نشوئها عام 1994." (نشرت مقتطفات منه في صحيفة هآرتس، 8 شباط). الانتقاد الذي توجهه الباحثة للسلطة الفلسطينية يتعلق بغياب استراتيجية واضحة لخلق اماكن عمل: "لم يتم بناء مناطق صناعية او تجهيز البنية التحتية لتنظيم قوة العمل، كما لم تتخذ الخطوات اللازمة لجذب الاستثمارات".

"بدل كل ذلك"، يضيف البحث، "بذل المسؤولون في السلطة الفلسطينية مجهودا كبيرا في سبيل ضمان الاحتكارات الاقتصادية، التي سيطرت على استيراد الوقود والطحين والسكر والسجائر والاسمنت والفولاذ. وادخلت هذه الاحتكارات لجيوب المسؤولين والمقربين منهم اموالا طائلة... كما انصب اهتمام السلطة في بناء مشاريع ذات طابع مظهري، مثل المطار ومحطة توليد الكهرباء وميناء غزة، الامر الذي رسخ ارتباط سوق العمل الفلسطينية باسرائيل".

احد مندوبي المنظمات الاوروبية التي تقدم الارشاد الزراعي في المناطق الفلسطينية، قال للصبّار قبل الانتفاضة الاخيرة انه واجه رفضا مطلقا من الجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية، عندما اقترح في منتصف التسعينات اقامة مصنع لانتاج الحليب ومشتقاته. الرد الرسمي نص على ان هناك منتجات "تنوفا" الاسرائيلية ولا مجال في السوق الفلسطينية لمصنع جديد.

وافادنا المندوب الاوروبي بان الانطباع الذي اثاره هذا الرد لديه، كان ان المسؤولين في السلطة الفلسطينية الذين يحتكرون استيراد المنتجات الاسرائيلية، فضلوا ابقاء الوضع على حاله وضمان ارباحهم الشخصية، لذا لم يسمحوا باقامة مركز اقتصادي مستقل في مناطق السلطة، والذي من شأنه خلق اشكال مع الطرف الاسرائيلي، وضرب مصدر ربحهم المضمون.



المطلب: العمل في اسرائيل

نتيجة هذا الوضع بقي اقتصاد الضفة الغربية وغزة مربوطا تماما باسرائيل، وذلك رغم الدعم الخارجي الكبير الذي قدمته للسلطة الدول المانحة منذ التوقيع على اتفاق اوسلو. السلطة الفلسطينية مربوطة بالمعابر والموانئ الاسرائيلية، خاصة في مجال استيراد المواد الخام وتصدير المنتجات للخارج. مصادر الماء والكهرباء لا تزال بيد اسرائيل. الامر الوحيد الذي ساهم خلال عدة سنوات في خلق شبه انتعاش في المناطق الفلسطينية كان الزيادة في عدد العمال الذين يعملون داخل اسرائيل، تحديدا بين الاعوام 1997-2000.

عند اندلاع الانتفاضة قطع هذا الشريان الحيوي، وبقيت الاغلبية الساحقة من السكان دون مصدر رزق. تقرير البنك العالمي المذكور يشير الى انه باستثناء ثلث السكان الذين يتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية، ليس هناك اي مصدر حقيقي لتشغيل العمال في القطاع الانتاجي. وحده العمل في اسرائيل يعتبر مصدر رزق اضافي، ولكن ذلك موجود فقط عندما توافق اسرائيل على فتح المعابر ومنح العمال تأشيرات الدخول.

يبدو اذن ان المتضرر الرئيسي من الانتفاضة هو الشعب الفلسطيني، وخاصة الطبقة العاملة، التي خسرت جراء المغامرة الكبيرة كل شيء. هذا الوضع يطرح السؤال حول افق الانتفاضة الحالية وحول الحكمة في اختيار الاساليب، وحول شعارات كالتي تتحدث عن امكانية القضاء على اسرائيل خلال خمس سنوات. ماذا تبقى من وعود السلطة بخلق سنغافورة في غزة؟ لا شيء. واضح ان الجانب الاقتصادي والاجتماعي لم يؤخذ بعين الاعتبار اطلاقا لدى من يديرون الانتفاضة الراهنة.

اذا كانت هناك قوة عظمى تقدمية، مثل الاتحاد السوفييتي التي قدمت في الماضي للدول المتحررة الدعم المادي والارشاد لبناء دعائم الاستقلال، فكان للسلطة الفلسطينية الجديدة بديل تعتمد عليه. ولكن في غياب هذا الخيار واي افق للحل السياسي، يصبح من الضروري اخراج قضية العمل من دائرة الصراع، والسماح للعمال الفلسطينيين بالعمل داخل اسرائيل كبديل واقعي وحيد لضمان شروط الحياة الاساسية، وتمكين الشعب من الصمود الى حين تتغير الموازين السياسية في صالح تحرره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو