الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفل بين ردع العقوبة وبناء الشخصية

فاطمه قاسم

2009 / 3 / 29
حقوق الاطفال والشبيبة



أطفالكم ليسوا لكم ,
أطفالكم أبناء الحياة ,
هذا ما قاله المفكر والأديب والشاعر جبران خليل جبران , قبل عشرات السنين في كتابه الأشهر " النبي " the prophet , وبطبيعة الحال,فإن جبران استوحى ما قالته الكتب السماوية, وحكمة الحضارات القديمة,وحتى ميراث القبائل العريقة في مجاهل القارات الست,عن الأطفال,والتربية,عن المفاهيم والمهارات والخبرات فقد بدأ السؤال مبكرا عند فلاسفة الإغريق,وفي اسبرطة,وفي تحديات الحياة البدائية في غابات أفريقيا,وفي التاريخ الشخصي للأنبياء والقديسين,وصولا إلى مناهج التربية الحديثة في المدارس الخاصة والأهلية والحكومية التي تستوعب مئات الملايين من الأطفال سنويا,هؤلاء الأطفال هم المستقبل,فكيف يمكن صياغة المستقبل بأفضل الطرق ؟ وما هي المواريث الأخلاقية والقيمية والسلوكية التي يجب أن نعطيها لهؤلاء الأطفال ؟ وهل الطفل متروك على فطرته أم هذه الفطرة يلزمها قدر من التوجيه والإعداد ؟ وما هو حجم هذا التوجيه, وهل يصل إلى مستوى الردع ؟ وما هو نوع هذا الردع,وهل يصل إلى حد العقاب الجسدي ,مثل استخدام العصا التي كان يلجأ إليها المؤدبون,والمدرسون,وشيوخ الكتاتيب,أم أن ذلك مجرم بفعل القوانين وعلى ضوء التجارب ؟

فإن كثيرا من أنماط التربية الحديثة,التي تعتمد على المدرسة كبيئة كاملة تمارس النشاط المنهجي والنشاط غير المنهجي ,تعتمد على نظام اليوم الدراسي المحدد أو المدرسة الداخلية التي تستوعب الطفل ليس فقط في حدود المنهج بل خارج المنهج الدراسي,وبقية الأشكال المتعددة من التربية التي تعتمد الصرامة أو الكثير من الرؤية والانفتاح,ليست سوى صدى متطور للأسئلة ونماذج وجدناها في الحضارات القديمة العريقة أو الحياة القبلية البدائية,والتي كانت تحت عنوان أن هؤلاء الأطفال هم أبناء أمهاتهم وأبائهم ولكنهم في نفس الوقت أبناء المجتمع,وأبناء القبيلة,وأبناء الدولة,وذلك فإن أنماط التربية يجب أن تكون متوازنة بين هذين الاحتياجين ,رؤية العائلة,ورؤية المجتمع , وان أنماط التربية هذه يجب أن يتولاها الأكثر حكمة كما في الحضارة الإغريقية,حيث الحكماء,والفلاسفة,هم الذين يجب أن يتولوا مهمة التربية,أو أن أنماط التربية يجب أن تنسجم مع أهداف الدولة كما في اسبرطة,الدولة العسكرية الصلبة,التي كان أطفالها يخضعون منذ لحظة ميلادهم للاختبار الأقسى,بتركهم في العراء لبضع ساعات,فإن قاومت أجسادهم وعاشوا,فحينئذ فإنهم يستحقون رعاية الدولة لهم,وهذا ما وجدنا له صدى في ألمانيا على لسان فلاسفة مثل نيتشه وشوبنهاور وصولا إلى الحقيقة النازية,بل أن تجربة العديد من الدول ألاشتراكية في القرن الماضي,ورغم تناقضها مع النازية وحروبها الشرسة معها,إلا أنها اعتمدت معايير مشابهة في الشكل.
ولكن مدارس وفلسفات ومناهج وتطبيقات تربية الأطفال متعددة بمساحة تعدد وتنوع الأجناس البشرية, والبيئات والأهداف العليا لتلك المجتمعات في مراحل معينة .

فلقد أصبحت العقوبة ضد الأطفال ممنوعة في الليبراليات الحديثة,وتتدخل الدولة بحزم لمنع تعرض الأطفال للعقوبة حتى من ذويهم,وتسحب منهم رعاية أطفالهم وتوكل إلى مؤسسات أخرى,أما في المدرسة فالقوانين في معظم دول العالم لا تحترم بشكل حازم معاقبة الأطفال عن طريق العقاب الجسدي,تحت عنوان أن العقوبة الجسدية تدمر شخصية الطفل,وتهدم أساساتها,وتحشرها في أضيق حدود الطموح والتفتح,وتؤدي إلى تداعيات وتراكمات سلبية حادة.
وثمة فروق بين هذا المنهج ,وما تنص عليه بعض شرائع الأديان,وخاصة بالنسبة للتكاليف الدينية,مثل الصلاة أو الصوم,حيث بعض النصوص الدينية تجيز العقوبة الجسدية ,بل تحرض عليها,انطلاقا ممن يقول أن الأطفال الأسوياء عند سن معينة تنموا لديهم أهلية الأختيار,ويصبحون مكلفين شرعيا بأداء الشعائر الدينية,ويحق ضربهم إذا لم يقوموا بالواجب.

المسألة كما نرى:
ليست بسيطة ,وليست أحادية الجانب,فهناك الحرية,ومسئولية الفرد عن أفعاله وخياراته,وهناك خلاف حول مسئولية الطفل,بل خلاف في تحديد عمر الطفولة بين حضارة وأخرى,وبين أمة وأخرى,وكثيرا ما تمتزج التعاليم الدينية مع موروثات ثقافية لدرجة يصعب معها تحديد المقدس واللا مقدس .
وموضوع تربية الطفل,وأنماط هذه التربية هو مثار جدل واسع ,وعميق,ومتجدد حسب متطلبات عصرنا الذي يكاد الإنسان يقدر على ملاحقة اكتشافاته المذهلة على صعيد عالم الفضاء ,وعلى صعيد الطب وآفاقه,وعى صعيد ثورة الاتصالات,ومساحة المعرفة,وحجم التحديات,ولكنها تضغط باتجاه مراجعة واسعة في مجالات تربية الطفل الذي هو ذخيرة المستقبل .

عربيا:
فإنني كباحثة ومتخصصة في التربية,ومجالات الصحة النفسية,وعلم النفس الاجتماعي,فإنني أدعوا إلى عدم الوقوع في شرك الانتقائية,الغربية,بأن نأخذ من الحضارات الأخرى هذه المسألة ونترك تلك,في حالة توفيقية مستعصية, هذه الانتقائية المجتزأة في غاية الخطورة,وهو الخطأ والخطر الذي وقع فيه بنيتهم الحسنة الكثير من الإصلاحيين الذين حاولوا التوفيق "المهادنة" بين مقتضيات الحضارة الغربية,وبين ثوابت الشريعة الإسلامية دون قراءة معقمة لخلفيات وأعماق ومقاصد هذين الخليطين,فينتج عن كل ذك هجين مشوه,وجدناه في حركات إسلامية لم تتشبث بشيء من الإسلام سوى وجه حاد الملامح , ولم تأخذ من الحضارة الغربية سوى مظاهرها الخارجية.

أدعوا في مجال التربية,وتربية الأطفال إلى منظومات كاملة قائمة على التجديد المستمر للفهم والسلوك معا,فالشريعة مقاصد ويجب أن نتابع هذه المقاصد بفهم اجتهادي كبير للنصوص,وللحضارة الحديثة اشراقات وأخطار ويجب أن لا تكون نظرتنا قائمة على الانبهار السطحي ,فكل الحضارات القديمة وصلت إلى حد الإبهار ثم تهاوت وسقطت أن المنبهرين بها لم تكن نظرتهم عميقة إلى حد اكتشاف الضعف والخلل .

إننا أمة لنا معطيات كثيرة في هذا الموقع الذي نعيش فيه, وهذه المعطيات هي التي أنتجت عقائدنا, أو هي التي أنتجت حضارتنا, وهي التي أنتجت ضعفنا, علينا أن نأخذ كل ذلك بعين الاعتبار ونحن نصمم أنماط التربية التي نريدها لأطفالنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء


.. إيطاليا: هل أصبح من غير الممكن إنقاذ المهاجرين في عرض المتوس




.. تونس: -محاسبة مشروعة- أم -قمع- للجمعيات المدافعة عن المهاجري


.. العالم الليلة | -هيومن رايتس ووتش- تكشف انتهاكات خطيرة لـ-ال




.. فيديو: لاجئون فروا من بريطانيا إلى إيرلندا خشية إبعادهم.. فو