الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خلفية برنامج التنمية الاقتصادية في العراق

عبد الزهرة العيفاري

2009 / 3 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


دراسة في نظريات " الصراع "
مقالة من ثلاثة اقسام
(القسم الاول )

" ان الاسباب الموجبة لوضع هذا الملحق ضمن البرنامج الاقتصادي الذي بين ايدينا تكمن في كون بعض المثقفين ممن اطلعوا على النظريات والاحداث التاريخية من الكتب الكلاسيكية ، خاصة حول الثورات و الحركات السياسية في التاريخ لا ينفكون ينقلون التنظيرات والاراء السياسية الى مجتمعنا دون تمحيص او ادراك لما ينقلون . وخير مثال على ذلك نقلهم لنظرية الصراع الطبقي " كمحرك للتاريخ " الى ظروف العراق الذي خرج للتو من حمامات الدم التي اقترفتها عصابات الارهاب والتكفير . غير مدركين ان العراق اليوم يحتاج الى الوحدة الوطنية والوفاق الاهلى بل وحتى الوفاق الطبقي . نعم ، ان العراق يعيش ظروف القرن الواحد والعشرين وامامه مهمة البناء والاعمار والتآخي السكاني وليس الى صراعات شعاراتية وكأن الشعارات اللاهبة هي وحدها التي تعني الثورية والوطنية !!! وبناء على هذا نقدم وجهة نظرنا بخصوص الصراع الطبقي ونبرهن على صحة الكفاح من اجل الوفاق الوطني على اعتباره هو المنقذ لعراقنا ومحركً للتاريخ بالنسبة للعراق الديمقراطي الحديث . "
يهتم علماء الاقتصاد والاجتماع وكذلك السياسيون دائمــا ًباللوحة الطبقية السائدة في بلادهــم . و السبب الذي يشد كل هؤلأء بدراسة الطبقات ليس واحدا ً. فهناك من يريد دراسة التوقعات بالنسبة لحالة الانتاج ومساهمة الطبقات والفئات العاملة في تكوين الدخل الوطني عموما ًاو قياس انتاجية العمل في الصناعة والزراعة ( مثلا ) . كما تعتبر المعطيات بهذا الشأن مهمة ايضا ً لتخطيط التعليم والتأهيل ووضع الخطط المتعلقة بتحديد الحاجات لكثير من مشاريع البنى التحتية . ناهيك عن دورالطبقات في تكوين الخارطــة السياسية و بالتالي وضع التقديرات لمطاليب السكان وهمومهم . ومن ميزات المسألة الطبقية انها ليست واحدة في كل البلدان شرقيها وغربيها ، صغيرها وكبيرها . ولذا يعتبر البحث في موضوع الطبقات والفئات الاجتماعية من حيث نشوئها ومستقبلهاوالتعامل معها بالنسبة للدول النامية على وجه الخصوص من البحوث السياسية المعقدة . وغالبا ما تعترض الباحث عند دراستها صعوبات جمة وخاصة لدى وضع البرامج الاقتصاديـة الشعبية المبنية على ارض الواقع وبعيدا عن الشعارات .
حدود الطبقات
وإذا تميزت اللوحة الطبقية في البلدان الرأسمالية المتطورة بانها واضحة بكافة تجلياتها ومؤشراتها سواء في المدينة او الريف. فانها في البلدان النامية تتميز بعدم وضوح الحدود الفاصلة بين الطبقات الاجتماعية. وهذا الواقع يؤلف أحد الأسباب المهمة التي تجعل البناء الاقتصادي والتوازنات السياسية الداخلية كلها تدور في ساحة واسعة من التناقضات ، و تشتبك فيها المطالب الآنية وغير الآنية وكذلك الشعارات الطبقية من جهة والوطنية من جهة اخرى . ومن المعروف ان هذه الميزات ذات أثر مباشر على طبيعة المواجهات السياسية واحتمال الاضطرابات واقتراف الأخطاء في رسم التغييرات التكتيكية لدى الأحزاب اوالأشخاص القياديين على حد سواء.
وبالنسبة للعالم الرأسمالي الصناعي المتطور حيث تستحوذ الطبقة الرأسمالية فيه على كافة وسائل الإنتاج الأساسية نجد ان مستوى معيشة الفئات الدنيا في السلم الطبقي مرهون بالرأسمال الكبير الصناعي والمصرفي واصحاب المصالح المهيمنين على حركة الاسواق الداخلية . الامر الذي يفضي في نهاية المطاف الى نزاعات حادة واضحة المعالم . مما يذكرنا بالصراع الطبقي في فرنسا وألمانيا وأميركا وإنجلترا في تاريخها القديم والحديث أو بالحوادث التي رافقت كومونة باريس . بعكس الثورات والانتفاضات التي حدثت في البلدان ذات الاغلبية السكانية الفلاحية كالثورة الروسية الاشتراكية مثلا ً(بغض النظر عما ينسب إليها من ملابسات).
ومن هذه المواصفات نجد أن العلاقات الطبقية في البلدان المتطورة صناعيا ًمتبلورة بشكل واضح ولا يجمعها جامع بالصورة الطبقية في بلدان العالم النامي. اللهم إلا بشكلها العام المجرد. ففي معظم البلدان النامية ومنها بلادنا لا توجد رأسمالية عملاقة أو شركات ذات أهمية احتكارية أو شبه احتكارية. بل إن رأس المال عندنا، هو ذاته واقع تحت ضغط راس المال الاجنبي بل ويخدمه في عملياته التجارية والتجهيزية وتوفير اغلب المواد الاولية للصناعات الكبرى في الغرب ...الخ .
ومما يجدر بالملاحظه ايضاً هو الازدواج منحيث الانتماء الطبقي والفئوي لجزء كبير من السكان عندنا ، الا مر الذي يجب ان يدفعنا الى التحفظ بشـأن المقولات النظرية الكلاسيكية التي حكمت تصوراتنا عقودا من السنين وهي لا تخصنا اساسا ً. وبالتالي حكمت تصرفاتنا و حددت نظرتنا للمستقبل بنحو خاطئ لفترة طويلة من الزمن . بينما الرؤيا السليمة للوضع الطبقي والفئوي عموما في بلداننا النامية تجعلنا على بينة من الطريق الذي يجب ان نسلكه عند معالجة اوضاعنا السياسية الداخلية وبلورة مطاليبنا البرنامجية الوطنية في ضوء اللوحة السياسية الواقعية بعيدا ً عن التطرف و يجعلنا قريبًين من مصالح الوطن .
وأحسب أننا أبناء العراق (القوى الوطنية) مدعوون أن نميز أنفسنا في نظرتنا للطبقات والفئات الاجتماعية في وطننا عما يفكر به الاخرون في البلدان النامية وذلك انطلاقا ًمن ظروف العراق الاقتصادية والاجتماعية وبعد هذه الموجة من الارهاب والهوس السياسي قبل كل شئ .
ثـــم إن التغييرات العميقة والسريعة في المجتمع العراقي وشدة وطأة النظام الدكتاتوري الإرهابي الذي شمل كافة أفراد السكان على يد سلطة البعث الغاشمة منذ انقلابهم على حكومة تموز عام1963 وما لحقها من انقلابات واخيرا هيمنة صدام وجلاوزته على السلطة وثروات البلاد . كل هذا يتطلب منا ـ برأيي ـ في المستقبل التوجه القائم على تسخير ثقل الدولة ومؤسساتها لايقاف أي صراع بين الفئات الاجتماعية واعتبار المهمة الأولى والأخيرة تثبيت سياسة الوفاق الوطني والوئام بين الطبقات والقوميات و الطوائف الدينية وليس الصراع والمواجهات التي تثار عادة بحجة "النضال" ضد الاستغلال أو غير ذلك من الحجج الكثيرة .فمثل هذا الطرح كان صفة مميزة للفترة الزمنية التي كان يهيمن بها حكم رجعي دكتاتوري غريب عن مصلحة الوطن بينما المبدأ الذي يجب ان يكون الاساس الذي يقوم عليه البرنامج الاقتصادي موضوع البحث هوالـسير مع الحومة العراقية الديمقراطية لبناء الوطن .
إن ما ينفع العراق اذن هو التشاورالجماعيي والتلاحم الوطني والالتزام بالبناء والتطوير والعيش المشترك بسلام وطمأنينة في ظل قوانين ديقراطية عادلة تحفظ حقوق كافة الفئات الاجتماعية العاملة وترفع مستوى معيشتها . قوانين ترفع من شأن المرأة العراقية والدفاع عن انسانيتها ثــم زجها في مجالات الانتاج والخدمات والادارة ومراعاة الاوضاع المعيشية لاصحاب الدخل المحدود خاصة الخ ... الخ . .
ومما يدعم وجهة النظر هذه ، أن وطننا تكبد الخسائر الفادحة على مدى عقود وعقود من الزمان. فالاستمرار على ذلك (المزاج المتطرف ) الذي مارسته الكيانات السياسية سنين وسنين طوال من العنف والصدامات دون الظفر باية مكاسب ترضي مصالح الجماهير ، ان ذلك يشكل ولا شك تعسف بحق البلاد قبل ان يكون بحق الاشخاص . إضافة إلى أن الزمن قد تبدل وأصبح يخيم على كوكبنا نظام عالمي جديد بقيادة قوة "قديمة" . قوة الاحتكارات متعددة الجنسية ، تلك التي من مزاياها المضاربات المصرفية والتعا مل التجاري الجائر مع البلدان النامية . هذا عدا التهديد والبطش وخرق كافة التشريعات باسم "الشرعية" الدولية وهتك حرمة القوانين الإنسانية بواسطة "قوانين" الغاب .
أما حلفاء الأمس فقد انتقلوا إلى الجهة الأخرى بطواعية وسرعة لم يسبق لها مثيل . وأخذ "حماة" السلام بالامس يصوتون اليوم بجانب الدخول في الاحلاف وتوسيعها نحو الشرق . ثم القبول بتفكيك القوات العسكرية لبلدهم . بل ولم يملكوا قدرة مــا تمكنهم من اطفاء نار الحروب الناشبة بينهم وبين القوميات الصغيرة في بلادهم ذاتها .
وعلى ذكر هذه التغييرات فإن البلدان الضعيفة عموما حصدت الكثير من نتائجها السلبية . وعليها اذن النظر الى الواقع واعتماد برامج اقتصادية واجتماعية من شأنها ان تحفظ شخصيتها وتضمن تطوير اقتصادها وتنقذها من واقعها المرير .

(القسم الثاني )
أما بالنسبة للعراق فقد شهد تحولات عميقة وفريدة من نوعها على يد حكامه وخاصة منذ عام 1963 وحتى سقوط طاغية الزمان . وقد شملت التغيرات كافة نواحي الحياة بما فيها التركيبة الطبقية داخل المجتمع العراقي و ليس فقط تغيرات في التقاليد بل وانكسارات في الشخصية وانحسار في الاخلاق العامة وحتى الجفاء في مجال العلاقات بين ذوي القربى !!!! مما يدعو الى تضميد الجراح العميقة التي اصابت جسم البلاد .
ان بلادنا اليوم تنوء تحت ثقل من المشاكل والازمات والتحديات التي لم تشهدها من قبل . بل ولم تمر مثلها على اي بلد من البلدان القريبة او البعيدة . فالارهاب يقطف كل يوم عشرات الضحايا من ابنائنا ، والتشكيلات المسلحة تجوب المناطق السكنية وتعمل ماتريد من جرائم . ودخل الساحة سياسيون جدد لهم اجندتهم الخاصة واساليبهم وتناقضاتهم وحتى انهم يثيرون الاخطار للحالة السياسية والاحراج للحكومة المنتخبة . ثم لاسباب " دينية " يحاصرون المرأة حصارا جنونيا لكي لا تنال التحرر من ربقة العبودية .
على أن ما يميز العراق الحديث ايضا ًعن غيره أن تلك التغييرات الاجتماعية ( الطبقية والفئوية ) تمت بصورة غير مألوفة وبوتائر سريعة ولأغراض مستعجلة. فإذا كان التطور الطبيعي للحالة الطبقية يقتضي تبلور الطبقات والفئات الداخلية لها بصورة تلقائية وتدريجية حسب سنة النشوء والارتقاء لعشرات السنين وبالتالي هي نفسها تجد الطريق لتنظيم نفسها في الإطار الاجتماعي ، فإن النظام البعثي الغاشم منذ استيلائه على دفة الحكم شرع بإغداق المطامع (والمغانم) والهدايا المالية والعينية على أنصاره ثم منحهم المكاسب التجارية والتعيينات في مرافق الدولة وجعل الدوائر القائدة في المحافظات والمدن بأيدي عناصر لم تبلغ بعد أي مستوى وظيفي يؤهلها تبوؤه وكان الهدف من ذلك ربط تلك العناصر به كقوة متهالكة على خدمته.
ومما ساعد على تغيير البيئة الاجتماعية والطبقية: ذلك التوسع الشديد في قطاع الدولة وإعادة تنظيم التجارة والأسعار وتدخل الدولة في تجارة الجملة والمفرد وتحديد الأرباح ونشر الخدمات الفندقية والسياحية وفتح بارات المشروبات الروحية في كل أرجاء البلاد. ثم اطلق ايدي الموالين له في سلطات الدولة ومنحهم الصلاحيات واقر لهم المكاسب التي لم يحلم بها اولئك الاتباع في حياتهم . وتمشيا ً مع هذا السياق اتخذت طائفة واسعة من التبدلات الإدارية من قبيل استحداث محافظات جديدة وتحويل قرى إلى نواحي ابتغاء رفع المستوى الأمني والبوليسي والحزبي فيها الى مستويات عليا . وبهذه الطريقة جرى استيعاب آلاف جديدة من الموظفين والوكلاء والعيون من الرجال والنساء. ناهيك عن إدخال أبناء الملاكين وبعض العائلات الفلاحية والعمالية في الهيكل الحكومي .
كما يجب التذكير هنا بحقيقة قلما يتنبه لها بعض الاقتصاديين والسياسيين وهي أن مما له تأثيرا جديا و مباشرا على البنية الطبقية والفئوية للعمال والفلاحين وبالتالي على مزاجهم السياسي وارتباطاتهم الاجتماعية (وأخيرا الموقف تجاههم) هو أن جمهورا غفيرا منهم باتوا ينظرون إلى مصالحهم ليس من خلال أجورهم الشخصية وموقعهم المهني الفقير في المجتمع بل من خلال مواقع أبنائهم وإخوانهم وأفراد عائلاتهم الذين أخذوا أماكنهم في دوائر الدولة والشرطة والأمن والجيش والتعليم...إلخ.
ويبدو أن جزءا من هذه الفئات الشعبية أصبحت تندمج مصالحها بقدر أو بآخر مع مصالح الفئات التي هي أرقى منها اقتصاديا . لا سيما وأن أكثر أبناء هؤلاء الناس لم يسلكوا طريق آبائهم في العمل والسكن والتفكير. إنما أكملوا المدارس والكليات وأصبحوا بالنتيجة من فئات اجتماعية أخرى. وحتى أن بعضهم ارتقى إلى المراتب تلك بالرغم من أن الآباء (مثلا) قد لا يزالون يزاولون أعمالهم السابقة. وربما انقسمت هذه العوائل جغرافيا ولكنها انسجمت طبقيا او بالعكس . ولا ضير في هذا الارتفاع في السلم الاجتماعي ، الا ان الملفت للنظر ليس فقط الاسراع في احداث هذه التحولات بل وكذلك لأن النظام البائد اعتبره بمثابة القاعدة الاجتماعية التي يقف عليها ويحكم قبضته على سدة الحكم وغلى رقاب الناس .
ومن هنا تنشأ المحصلة النهائية التي توصل اليها النظام المذكور وهي عدم اصطباغه بصبغة طبقية محددة . انه سعى ان يلف الشعب كله تحت ارادته وسياسته ويطبعه بمثله وسجاياه ويشوه اخلاقه ومزاياه ، تماما كما فعل هتلر بالشعب الالماني قبل وخلال الحرب العالمية الثانية . وما هذه العصابات الارهابية التي فتكت بشعبنا على مدى حكم الطاغية الغاشم والى يومنا هذا الا نتيجة للخطط البعثية ــ الصدامية كاسلوب للحكم و التي كما يظهر انها كانت مدروسة دراسة حاذ قة .
ومما لاحظناه بعد السقوط ان الكثير من مساوئ النظام البائد قد تكررت وتضاعفت . واصبحت كيانات سياسية تتصرف بالدوائر الحكومية بصورة كيفية وتبعا للمحسوبية مما نتج عن ذلك الفساد الاداري والمالي وغيره . وبما ان الامر كذلك فاننا اذن مدعوون الى أن نأخذ بنظر الاعتبار "ترتيب" المجتمع عن طريق تنفيذ برنامج اقتصادي للبناء بما في ذلك بناء الانسان .
ولابد لنا ان نعيد الى الذاكرة التخرصات للاعلام المغرض الموجه ضد بلادنا خلال هذه الهجمة الارهابية التي لانزال نعيش مآسيها ، ان اعداء العراق الذين يتزعمون الحملة الارهابية والاعلامية الشرسة يخفون جرائم النظام الدكتاتوري الغاشم وينكرون ان ما هو موجود من تقتيل وارهاب دموي هو من نتائج ذلك النظام الساقط .
ففي زمن البعث اعيد هيكل دوائر الـدولة بأساليب قسرية مفتعلة وأن النظام استخدم أثناء ذلك سلاح العداء الديني والقومي والعشائري مع الاغراء الوظيفي والمالي والسلطوي خلال جيل كامل تقريبا فليس غريبا اننا نواجه اليوم هذا الانفجار السياسي الكارثي . ولا غرابة اذا ما ساءت الحالة الامنية اكثر فأكثر في فترات قادمة ايضا ً. مما يوجب الاستعداد الحكومي والشعبي لتلافي الاحتمالات الشريرة التي وضع بذورها النظام الفاشي المقبور وذلك باتخاذ كافة الطرق والوسائل وبأي ثمن كان وفي مقدمتها اتخاذ برنامج طموح للبناء واصلاح ما خربته الايادي الشريرة في الماضي .
وهذه الحقائق مجتمعة لا تستطيع إلا أن تقدم نفسها كظواهر من شأنها أن تدعو الى اتخاذ مفاهيم واقعية حول وحدة الصف الوطني وابعاد المواجهات الداخلية بين فئات الشعب مهما كانت الذرائع والحجج . ثم جعل الهدف الاكبر امام القوى الشعبية هو الوئام الوطني وبناء دولة القانون وتأسيس الاقتصاد المتين وليس الصراع الاجتماعي او ما يسمى بالصراع الطبقي .
ان حالة بلادنا تدعو إلى التأمل بكثير من المقولات النظرية التي عرفتها الحركة السياسية بهذا الشأن ومن بينها مقولات: الصراع الطبقي، ديكتاتورية الطبقة العاملة ، تصفية الطبقات، إلغاء الملكية، مكافحة البورجوازية...إلخ. علما ان هذه المصطلحات ما تزال تخامر افكار بعض الناس الطيبين من انصار الحلول ذات الحد الاقصى دون ان يفكروا بما تـفـرضه التبدلات العالمية والوطنية التي جرت وتوطدت في المجتمعات .
و يلاحظ بالرغم من دوي الانهيارات في ارجاء كثـيرة من العالم وتعاقب الكوارث وتتابع التغيرات في القوى المؤثرة في عالمنـا والتوازنات الإقليمية والأحوال المحلية ، وبالرغم من انكشاف الكثير من الخفايا السياسية والإيديولوجية لا يزال البعض يتحدث عن أشياء بعيدة عن الحياة والواقع الذي يعيشه الناس وكأن كل ما حدث ويحدث لا يقوى على ايقاضنا من سباتنا . فليس نادرا أن نسمع الحنين إلى الصراع الطبقي وما يتصل به من مقولات مجردة ... وذلك اتساقا مع مفهوم "أن الصراع الطبقي محرك التاريخ" وكأن حالة بلداننا ونحن قد تخطينا عتبة القرن الواحد والعشرين منذ زمان لا تختلف عن فجر التاريخ عندما كان الصراع بين السادة والعبيد أو الإقطاعيين والأقنان أو الإقطاع والرأسمالـيـة. ويبدو أن أصحاب هذه المفاهيم لا يزالون يدينون بالفكر الذي بني أساسا على تصورات عكستها ظروف غير ظروفنا وحقائق ليست كلها متوفرة في مجتمعنا الفلاحي والمدني .
وعموما ان دراستنا للوضع الطبقي للبلدان النامية ـ ومنها العراق ـ مأخوذة بواقعها المتدني اقتصاديا ًوتبعية اسواقها ومصير مواردها لارادة اسياد الاقتصاد الصناعي العالمي وكذلك في ضوء التنوير الفكري الذي بلغ ارجاء واسعة في العالم ولدت لدينا قناعة أن نضال الشعوب ( النامية والعراق خاصة ) لا ينبثق دائما وأبدا من العامل الاقتصادي المادي بل ان الطموحات والافكار الوطنيــة للمجتمعات المضطهدة غالبا ما تؤلف عاملا من العوامل التي تذيب الصراع الطبقي لصالح الوفاق الوطني بغية المحافظة على شخصية وكيان المجتمع خاصة وان مجتمعنا قد انهكه الارهاب وهدمته الحروب .
على أن بعض اصحاب الاختصاص بالفلسفة قد يصرون اتباع معادلة ( الفكر او المادة ) وبالتالي على اعتماد العامل المادي اولا واخيرا ًفي تغيير الاحداث التاريخية . وما الـفـكـر الا عامل يأ تي بالمرحلة الـتـالـية ( او الثا نية ) بعد العامل المادي الذي يقوم على الاقتصاد او على شيء من هذا القبيل !!!!! . بينما الاطلاق في هذا المنحى لـه محاذيره ومتاهاته وخطورته بالنسبة لنا وللبلدان ضعيفة التطور جميعها. اذ ينبغي على المفكرين في الكيانات السياسية والمنظمات الاجتماعية ممن ينتمون الى الافكار العلمية الكلاسيكية التخلص من الدغمائية والالتفات إلى أن هناك محركا آخر للكفاح في سبيل عالم أفضل. وهذا المحرك غالبا ما يكون أشد تأثيرا على المواطنين وأكثر حسما وأبعد وقعا على ممثلي كافة الطبقات من أي شيء آخر. وهو الفكر الوطني، والشعور بالرابطة الأخوية والمصيرية بين أبناء الوطن الواحد. فهذه الرابطة ذات قدرة هائلة على أن تجعل السكان بمن فيهم أبناء الطبقات الميسورةاقتصاديا ً والبيوتات المثقفة – الغنية ينصهرون في معترك واحد ويتخذون بدافع من الفكر الذي لديهم طريقا واحدا في النضال السياسي عندما تعتصر بلادهم المحن والكوارث المريرة ويجعلهم النظام الغاشم في وطنهم غرباء وعندما يلاحقهم الحرمان والعذاب أينما ولوا وجوههم. كما هي الحال بالنسبة لأبناء العراق اليوم.
ولذا ــ برأينا ــ إن مثل هذه المقولات ينبغي أن تناقش مجددا في ظروف بلادنا والحالة السياسية والاجتماعية القائمة فيه . ناهيك عن التغيرات العالمية والاحوال الاقتصادية والتاريخية المستجدة وكذلك في ضوء التقاليد والأعراف الشعبية . وأخيرا وفقا لنتائجها على حياة الناس وهمومهم ومآسيهم وأخلاقهم وبالنهاية شخصيتهم . وبخلاف ذلك سوف تتحول السياسة إلى ترف مؤقت وإلى كوارث مستديمة .
وبخصوص المفاهيم المتطرفة نجد أن الواجب يتطلب إزالة تلك "المعاقل" التي بنيت أسوارها في حينها من النظريات و"القوالب" الكلاسيكية ذات التسميا ت "الثورية" والمسلمات " الشعاراتية والتي اعتبرت في نهاية المسيرة أنها التزامات "مبدئية" بينما هي لا تمت إلى المبادئ الوطنية بشيء. فالمنطق السياسي اليوم في بلادنا يستدعي الحذر عند التعامل مع اطروحات دقيقة كاطروحة الصراع الطبقي خصوصا ً. اذ تتجلى صحة ومصداقية النظريات والمقولات ليس بالتمسك اللفظي بها او لعائديتها الى الشعارات الثورية ، بل في ملاءمتها للافكار و الأهداف الوطنية. كما من الخطأ الجسيم والخطيئة الكبرى أن تجبر القضايا الوطنية على الركض واللهاث وراء التنظير فقط تكريما لقائله اولواضعه ايام حياته . النظريات السياسية برأينا ، يجب ان تمتحن من خلال استجابتها للقضايا الوطنية في الظرف الزمني المعين. أي أنها (النظريات) تعتبر مادة حية بالنسبة للمواطن فقط إذا كانت تتنفس من رئة الوطن وكموضوعة تفضي الى الوفاق الوطني واتحاد ابناء الشعب . لقد كنا الى عهد قريب نستهجن دعوة المزارعين ورؤساء العشائر الى الاشتراك بالمسيرة الوطنية على اعتبارهم ينتمون الى " النظام الاقطاعي " بينما اثبتت الحياة ان العشائرالعراقية ومعهم شيوخهم هم كيانات وطنية ( و بامكانهم ان يلعبوا دورا وطنيا فائق الاهمية . وهذا ما رأيناه وعايشناه خلال الايام الاخيرة من ايام الكفاح الوطني ضد الارهاب والعصابات التكفيرية والميليشيات الطائفية . علما ان السياسيين واحزابهم مدعوون بتسجيل الاعتراف بصحة سياسة دولة رئيس الوزراء السيد المالكي بهذا الانعطاف الناجح نحو العشائر العراقية وقيادتها ضد الارهاب . انها لسياسة صائبة وقد اثبتت ان التلاحم الوطني هو الذي يقوم مقام محرك التاريخ في مثل الحالة العراقية وليس الصراع . واذا اراد البعض الـتـسمر بالمكان ولا يقبل التزحزح ولا يريد ان يقتنع الا باصطلاح " الصراع الطبقي " فعليه اذن ( التبحر بدراسة المادية التاريخية ) التي ينطلق منها بصورة عشوائية لكي يرى ان هذه الـمـادة الفلسفية الرئيسية بالمنهجية الجدلية تـعـتبر الوفاق الوطني في حالات كثيرة هو نوع من انواع الصراع " الطبقي ، اي الصراع الرامي الى خلق الوفاق الوطني لصالح القضية الكبرى ـــ قضية الوطن .!!! اما الصراع ذاته في العراق فهو موجود الان دون ادنى شك . ولكنه لا يجوز ان يفهم انه صراع بين الطبقات . طبقات مجتمعنا اليوم كلها مقهورة . لذا فان الصراع القائم هو بين الشعب العراقي بكافة طبقاته ضد العدو المتمثل بالعصابات السا ئبة وضد التخلف الاقتصادي الذي نحن فيه .



(القسم الثالث )
رأس المال الوطني
امــا موضوع الموقف من الطبقات الاجتماعية الموجودة في البلاد فلابد ان يستدعي النظر الى مجموعة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ومنها الموقف من رأس المال الوطني . وبهذا الصدد لزاما أن نقول: إن أصحاب رؤوس الأموال العراقيين بفئـاتـهم العديدة من التجار والصناعيين والكسبة وأصحاب المصالح هم ايضا ً أخذوا نصيبهم من التغيير الكمي والنوعي خلال السنوات الخمسين الأخيرة خاصة. والاكثر من هذا انهم أنفسهم وقعوا كغيرهم من أبناء الشعب تحت الإرهاب والعسف. وقد دفعوا حصتهم باهظة من الخسائر في الأرواح والممتلكات في ظل النظام الديكتاتوري المقبور .
وهكذا ، كلنا يتذكر الامس القريب عندما كان الحكام المستبدون يسعون الى الاستحواذ على مصادر عيش المواطنين بل وجعل ارزاقهم مرهونة بارادة الحزب الحاكم . وتحقيقا ً لهذه السياسة اخذ النظام ينشر ايديولوجيته الســياسية التي بموجبها اعتبر هذا الجزء من المواطنين وكأنهم ادوات "للارباك" السياسي وان رؤوس اموالهم موضوع "للاستغلال الطبقي !!!! "واخيرا ً فهم يعيقون الدولة عن تنظيم الانتاج والحياة الاقتصادية .
إن هذا الواقع بالذات لا بد أن يوقظ أذهان "المنظرين" الذين ما انفكوا يناصبون رأس المال الوطني العداء لكي يعيدوا النظر في موازينهم. فأصحاب رؤوس الأموال هؤلاء هم جزء لا يتجزأ من الشعب المعذب وهم معنيون في ظروف بلادنا بالاشتراك النشيط في الكفاح السياسي الوطني الجاري ثم في عملية تطوير وتعمير الاقتصاد والبلاد كلها مستقبلا.
لقد انقضى ذلك الزمن الذي كان فيه "موظفو ومنظرو" الاحزاب الكبرى او الاحزاب المشبوهة والسياسيون القوميون والجلادون ينقلون بجفاف مفرط وجهل مقرف التقسيمات الطبقية المتعلقة ببورجوازية أوروبا في السنوات البعيدة الماضية لنلصقها على مواطنينا أصحاب رؤوس الأموال العراقية الوطنية . وكأنهم يمثلون الطبقات الرجعية وحكموا الكثير منهم بالاعدام .
وبخصوص " الرجعية " فعلينا ، ونحن نستعد لاعادة بناء العراق ، التفكير بها ايضا ً . فقد تعيق فعلا ً جهود البلاد عند السعي للتحول الى الاقتصاد المزدهر واستقرار الاسواق الداخلية . ولكن لا ينبغي "التفتيش" عن هذه الآفة وكأنها في رأس المال الوطني . فمما لا ينكــر وجود عناصر رجعية في اوساط الرأسماليين والمثقفين وحتي من العمال والفلاحين او من الاشخاص ذوي اللباس الديني بينما هم ذيول للانظمة السابقة ومن منظمي الارهاب و التخريب . ولابد لنا ان نقتنع بأن الحكم الصائب على هذا او ذاك من الناس او هذه او تلك من الفئــات الاجتماعية ليس من زاوية نمط معيشتها ومصادر دخلها او من موقعها الاجتماعي وانما من زاوية عائديتها أو عدم عائديتها إلى الانظمة الغاشمة وبالتالي من تصرفا تها وممارساتها السياسية . والتعامل معها حسب القوانين المرعية . بالضبط كما يجري التعامل مع العناصر التي قد تكون مارست الارهاب والقتل واصبحت مطاردة من قبل القضاء والقضاء وحده . اما راس المال الوطني فعلى الدولة ليس فقط الامتـناع عن اتخاذ سياسة تحجيمـه بل وعليها اتباع سياســة دعمــه ودفعه للمساهمة النشيطة في عملـية تطوير اقتصاد البلاد وتوسيع فروعه
إلا أن هذا التوجه لا يعفينا البته من مقاومة الاستغلال الطبقي الذي قد يجد اسبابا لبروزه في الاسواق المحلية .. الا ان المقاومة ربما تـتم بواسطة القوانين الاقتصادية وتنظيم آلية العرض والطلب في الاسواق والوقوف بوجه التلاعب بقوت الشعب وحضر ممارسة احتكار السلع والمضاربات السوقية لجني الأرباح الاحتكارية وتعتبر السياسات الضريبية والضمان الاجتماعي للمنتجيـن من بين الاجراءات الفعالة لرفع الحيف عن الشعب وتطوير رأ س المال الوطني . فالدولة تحت ظل الوفاق الوطني هي الجهة المعنية بحل المعضلات الاقتصادية وذلك بواسطة سلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية. وبعبارة اوضح أن دولة القانون، دولة البرلمان ، هي التي ستتكلف بمعالجة مشكلة الاستغلال و تتولى نشر العدالة الاجتماعية تحت رقابة من قبل الشعب ببرلمانه وهيئاته الوطنية ومنظمات المجتمع المدني . علما ان تاريخ علم الاجتماع يشير أن ليس هناك حلول من شأنها ان تحقق العدالة المطلقة والمجتمعات الصافية تمام الصفاء من الانتفاع الشخصي. وأكثر من هذا إن ما يمكن تحقيقه من قبل الدولة الشعبية هو ان يصبح الشعب حرا في وطنه وسعيدا ً في حياته ويسير تحت ظلال السيادة الوطنية اذن هو القادر على بناء بلاده. ولا نعتقد ان البنا ء والاعمـار او عموما التنمية والرفاه سوف تأتي يأتي عن طريق الصراع الطبقي والاحتراب الطائفي كما يتصور خطأ بعض السياسيين الذين ما يزالون يؤمنون بالتطرف .
ويـمـكننا ان نضيف شيئا من المنطق الفلسفي – الجدلي إلذي يشير الى أن النضال البرلماني في سبيل إصدار التشريعات الحكومية لتنظيم العلاقات الإنتاجية التقدمية ومنع الاستغلال هو ذاته يؤلف شكلا من أشكال الصراع الطبقي التقدمي لأنه يجري في ظروف سيادة القانون وارادة الشعب وبعيدا عن التخريب والاحتقانات الاجتماعية .وهذا بالذات ما يجب ان يحضى با هتمام الدولة والهيئات السياسية في البلاد في الظروف العالمية الجديدة . فاذا ما اصبح كل هذا ضمن تعهدات الدولة ووفق القوانين الديمقراطية وبارادة الشعب فإنها ستتم على الأكثر في إطار الاستقرار السياسي والوفاق والبناء. وهو المطلوب.
ويتهيأ لنا أن صوت الحياة أخذ يتعالى جهوريا وهو يدعونا جميعا إلى الائتلاف والتلاحم ويندد بكافة الـديـكـتاتوريـات على اخـتلاف تسميا تها.والحذر من ادعياء العدالة المزيفة الذين يخلطون اوراقهم دائما مع أوراق المناضلين الحقيقيين. ولعل الرغبة في التسلط هي التي تدفع البعض إلى التهليل لسلطة ولاية " الفقيه " او "الرمز " اواطلاق العنان لسلطة التيارات السياسية المدعية بالوحدة والاشتراكية بعد إضفاء أسماء "ثورية" عليها وربما دينية براقة ويتركون الاقتصاد جانبا في حقيقة الامر .
ونحسب أن الحياة الديموقراطية الحقة من شأنها وحدها أن تسد الطريق أمام العناصرالشريرة المشبوهة . لأن الجمهور في ظل الديموقراطية هو الفيصل وصاحب التقييم الاصح والقول الفصل بالنسبة للأحزاب والكيانات السياسية القومية او غيرها وكذا بالنسبة للأشخاص ايضا ً.
وهكذا ... نزعم إنه ليس الصراع الطبقي (بشكله الكلاسيكي ) بل الوفاق الوطني هو الذي يعتبر بالنسبة لظروف عراقنا اليوم وغدا هو (محرك تاريخنا إلى الأمام). وليس ما ينقذ العراق مستقبلا سوى سياسة الوفاق الشعبي البعيد عن الصراعات الداخلية. وليكن لدى الدولة الديمقراطية العراقية برنامج وطني اقتصادي ـــ اجتماعي يضمن حرية المواطن وحياته المستقبلية ويستجيب لتطلعاته ويؤمن له حرية التجارة والصناعة والتملك والضمان.الاجتماعي من خلال الاعتماد على سلطة القانون والأحتكام لبرلمان الشعب.وعلى دستور خال من الطائفية والقومية المتعصبة ومانعا للانعزالية والغطرسة العشائرية المغلفة بجلباب قومي مزيف . اي على دستور لكل الشعب العراقي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو