الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا نينوى، مع حبي الى الابد

سليم مطر

2009 / 3 / 31
الادب والفن



جنيف/ آذار 2009
www.salim-matar.com
حدثت هذه القصة ربيع 2008،حينما قرر صديقنا (يونس) زيارة بغداد بعد غياب اعوام طويلة في اوربا. صحيح انه كان تواقا لزيارة بلاده واهله ومرابع طفولته، الا ان رغبته الكبرى كانت ان يشاهد معبودته(ذكرى). رغم مرور حوالي الثلاثين عام، وتعرفه على نساء عديدات ثم حياته مع زوجة طيبة، الا ان صورة (ذكرى) بقيت دائما حية في مشاعره. لم يحاول ولا مرة ان يتخيل متغيرات العمر عليها. كانت دائما هي ذاتها في روحه. وجهها الطفولي ووجنتاها الورديتان وعيناها العسليتان وشعرها البني، لا تكف عن التوهج في خياله ساعات الحنين الى بلاده واهله . كانت (ذكرى) هي المصباح المتألق لماض حزين مظلم. كم تحسر في اعماقه لأنه لا يستطيع ان يشاهدها مرة اخرى. كان في كثير من الاحيان ينتبه لنفسه هامسا:
((ـ آه لو التقيها مرة وحدة.. مرة وحدة بعمري.. مرة وحدة..))!
عندما وصل يونس الى بغداد، منذ اليوم الثاني بعد لقاء عائلته، راح يستفسر عن مصير ذكرى. اتاه الخبر اليقين بعد ان زار اخيها الاكبر الذي لا زال يقطن في قصر العائلة الذي اصبح خرابا:
ـ هي تعيش في نينوى، في مدينة الموصل، مع زوجها التاجر وابنائها الكثار.
لم يتجرأ ان يطلب من الاخ عنوانها ولا اية معلومة عنها تدله عليها. فكر ربما يحاول في زيارته القادمة. لكن الزيارة صارت صعبة بعد ان وقع الاخ مريضا.
يا الهي من المستحيل ان يقاوم رغبة لقائه بـذكرى. ان يكلمها ويبوح لها بتعلقه الابدي بها، وكيف امضى عمره وهو ينتظر لقائها. ابدا لم يحلم ان يستلبها من زوجها، ولا حتى ان يغازلها، بل اقصى ما يتمناه ان يراها، نعم يراها ويكلمها لا اكثر. بل يقبل ان يراها ولو من بعيد، من بعيد البعيد، حتى من دون كلمة. فقط ان يراها لا أكثر، ثم يتركها لحالها ويعود محملا بكنز رؤاها، مثل مهاجر يحمل صورة بلاده الى موطن غربته. هنالك في هجرته الأبدية، سوف يزرع ذكرى رؤاها، نخلة في روحه.
بعد معانات وانتظارات وترددات اتخذ يونس أخيرا قراره:
ان يسافر الى نينوى، من دون أي اسم او عنوان. قال: اذا كان قلبي صادقا في حبه لـذكرى، فأنه يقينا سوف يدلني عليها. واذا لم ينجح بذلك، فحينها سوف أقتنع بأن حبي لها كان محظ اوهام مرضية لا تستحق كل هذا العناء..
* * *
قبل سفره الى الموصل نصحوه بأن يخفي هويته الاجنبية، فالمغترب اكثر عرضة للمخاطر والانتقام والخطف. تدبروا له هوية عراقية مزورة، واخفى في بطانة سترته جوازه الاجنبي.
هذه المرة الاولى التي يزور فيها هذه المحافظة. تخيلها كثيرا من صورها وما قرأه عنها. سكن في فندق، مدعيا بأنه استاذ قادم من بغداد كي يلتحق بعمله الجديد في الجامعة. قرر أن يمضي هناك اسبوعا واحدا فقط ، واذا انتهى من دون نتيجة، سوف يرجع الى بغداد كي يعود الى مأواه في اوربا وهو مرتاح قانع بأن قلبه كان طيلة اعوام واعوام يعيش الوهم.
ابتهج عندما وجد فندقه قريبا من (مرقد النبي يونس)، يشاهده من نافذة غرفته، معتبرا ذلك علامة خير. فكان كثيرا من الاحيان يمرق على الجامع ليتأمل البناء وقبته ومأذنته، ويراقب الناس الذين لا يكفون عن الازدحام للصلاة حتى في اوقات حظر التجول والتفجيرات والاغتيالات التي لا تنقطع.
عادت له ذكريات الوقائع العجيبة في حكاية(النبي يونس) التي تعلق بها في طفولته لأن بطلها يحمل اسمه. ذلك النبي الطيب الذي لم يؤمن به اهل نينوى وما صدقوا نذيره لهم. يأس منهم فهجرهم، ثم اضطر ان يغرق نفسه في البحر ليكفر عن خطيأة تخليه عنهم. لكن الله اوحى للحوت بابتلاعه وحفظه في باطنه حتى انزله حيا على الارض. بعدها رجع الى اهل نينوى الذين عادت الرحمة اليهم بعد عقاب الرب والخراب الذي حل فيهم.
كان في كل صباح قبل ان يغادر غرفته، يغمض عينيه، ويخاطب نفسه:
ـ يا قلبي اذا كنت صادقا فعلا في حبك الذي شغلتني به كل هذا العمر، قدني الى محبوبتك.
ثم يترك قلبه واقدامه تقوده في دروب نينوى.
لم يدع بقعة من المحافظة الا و زارها. احياء مدينة الموصل، والبلدات البعيدة المنتشرة بين جبال الشمال وبوادي الغرب. كان وحيدا يتجول محميا من قلبه رغم كل الحواجز والمخاطر وعمليات الخطف والتفجير التي تبث الرعب في نينوى كلها.
في كل مرة كان يعود الى فندقه، يشكر قلبه لانه قاده في دروب السلام. لكنه ما توقف عن تذكريه بأن أيام الاسبوع تمضي وما زال لم يدله على محبوبته.
طيلة الليالي الستة ما توقفت عن عودتها تلك الاحلام القديمة المنسية التي امتلكته السنوات الطوال في غربته ثم تلاشت مع الزمن. يجد نفسه خائفا تائها في شوارع الوطن التي يملأها رجال غرباء مدنيون وعسكريون مدججون باسلحة ونظرات ترعد بموت يسألون الناس عن هوياتهم. وفي كل مرة كان يونس يلجأ الى الهرب واللهاث في ازقة الوطن وعيون الحراس تطارده، وهو يجهد لاطلاق صرخاته المكبوتة بحثا عن هويته الاصلية التي لم يدر اين فقدها. وكالعادة مهما اختلفت تفاصيل المشاهد ووجوه الناسة والحراس، فأن الحلم كان ينتهي باختناق يونس وهو يغرق ويغرق في بحر هائج يسطع بزرقة لا زوردية تمتزج بسماء بنفسجية نحاسية وغيوم بيضاء سوداء..
* * *
ها هو اليوم الاخير يحل. انه يوم جمعة وقد قرر يونس ان يغادر نينوى الى الابد. هاهو يكتشف خداع قلبه الساذج. ترك حقيبته في الفندق على أمل العودة ظهرا بعد ترتيب امر تأجير السيارة التي ستقله الى بغداد.
كان صباحا متوهجا بخضرة ربيعية شقراء تنتشر في الانحاء. عادت اليه صور ذلك الحلم المتكرر الذي ظل يزوره طيلة الليالي السابقة. لكنه انتبه ان هنالك خاتمة جديدة مختلفة ظهرت له في الليلة الفائتة. حاول كل مستطاعه ان يستعيدها، لكنه فشل..
ظل يسير متمهلا محاولا تذكر الطريق الذي يقوده الى الكراج. ها قد تكشف له بأن كل آماله بلقاء معبودته كانت محض اوهام بأوهام:
(( آه لو تعرف يا قلبي كم انا خجل منك لأنك قد خدعتني طيلة هذه الاعوام. ها هو يومنا السابع والاخير وقد حل دون ان تدلني على التي ما كفت نبضاتك تهمس باسمها منذ ازمان)).
كان يحس بمشاعر مترددة بين خيبته لعدم بلوغ مراده وتحقيق حلم حياته، وارتياحه لتحرره من وهم اثقل عليه طيلة عمره. تارة يعاتب قلبه لانه ظل يخدعه طيلة تلك الاعوام، وتارة يشكره لانه اخيرا كشف له عن وهمه.
بقي يمشي عن غير قصد غارق في تأملات عابرة وخيالات وافكار تزدحم في روحه. اذا به ينتبه الى انه قد اضاع طريقه. وجد نفسه في حي انيق تنتشر فيه بيوت غنية قديمة الطراز تشبه (منطقة السعدون) في بغداد حيث كان بيت (ذكرى).
كان الوقت يقترب من الظهيرة وشمس الربيع تزداد سطوعا وحرارة، فبدت الدروب خالية الا من بعض المارة. فجأة لم يدر كيف انبجست ذكريات صباه، ايام كان يلوب مثل ذئب جريح بحثا عن اية فرصة للقاء محبوبته. يا الهي انها ذات الاحاسيس وكأنه لا زال كما هو في عز فتوته. آه من جدار الفقر العملاق الذي كان يقف شامخا مثل جبل امامه يفصله عن اميرته القاطنة في قصرها الاسطوري.
هنالك في البعيد بدى في نهاية الشارع الفرعي قصر ضخم يشبه الى حد بعيد ذلك القصر الذي كانت تعيش فيه(ذكرى) ايام زمان. راح يقترب دون ان يتجرأ على اظهار تحديقه المبالغ خشية ان يثير الشكوك والمشاكل.
فجأة رأى فتاة شابة تخرج من هناك بصحبة صبي. كانا يتجهان نحو(يونس). بدت الشابة مثل كل النساء في هذه الفترة ترتدي ربطة على رأسها وثياب طويلة وقورة. كلما اقتربت، بدت ملامحها تتكشف عن حقيقة مذهلة لم يكن حتى يتجرأ على الحلم بها:
انها ذكرى.. نعم ذكرى نفسها كما تركها منذ ثلاثين عام! حتى صوتها الذي سمعه وهي تنادي الصبي:
ـ تعال عيني.. امشي..
جفل لأول وهلة معتقدا بأنها تخاطبه. استعاد توازنه عندما ادرك انها كانت تعني الطفل. يالله هو نفسه ذلك الصوت الرنان بأنغامه الطفولية وصداه المعدني مثل ناقوس صغير. كم بدت غريبة في تلك الربطة السوداء التي كانت بالكاد تخفي خصلاته. يا له من انعكاس خلاب بين السواد والشقرة:
((كيف حصل هذا؟ انها هي ولا يمكن ان أخطأها اطلاقا. من الممكن ان أشتبه بكل الناس حتى بأمي وابي، بل وحتى بنفسي، لكني ابدا لن أشتبه بذكرى. رسمها محفور في كل خلية من كياني. أدرك وجودها حتى من بين مليون امرأة. لا زالت هي نفسها برشاقتها ومحياها الطفولي الباسم رغم حزن عجيب طاغ))!
كاد يصرخ بها:
((ـ ذكرى.. ذكرى.. أما تتذكريني.. انا صديق صباك، أنا الفتى المعتوه الباحث عن رضاك.. انا الطيب، انا الحالم، انا المعذب بجفاك))..
لكنه تمالك نفسه متذكرا حاله والوضع الذي فيه. شعر بنار شعواء تلتهب في احشائه. السنتها ذكريات وذكريات عاشها طيلة سنوات صباه. كيف كان في عز شغفه مثل غريق يتحين أية فرصة كي يلتقط حتى لو لحظة واحدة يتمكن بها مشاهدة ذكرى، ان يقترب منها، يكلمها. لكن مانع الفقر كان لعينا جبارا مثل وحش جهنمي يحرس بوابة النعيم:
((يالله كيف الآن بعد كل تلك الاعوام وأنا رجل ناضج، اعيش ذات المعانات، متردد ضعيف امام ذات الموانع التي ظلت تحرمني من الاقتراب من معبودتي. يا الله رحماك، انا ابدا لا أبتغي أي حرام، فقط أكلمها لا اكثر، أبوح لها بشجون حبي المخبوء في اعماق روحي مثل جمرات تحت رماد. ذكرى انت ملاكي، انت اختي وابنتي ونبع حناني. يا رب اغفر لي كفري بك وتمردي عليك في اول شبابي لأنك لم تساعدني في حبي لها. انا الآن عابدك الوفي، اناجيك مثلما اناجي صديق حنون. رحماك يا الهي ساعدني هذه المرة ولبي دعوات حبي. وانت يا قلبي الملتاع المرتجف، ارجوك اهدأ قليلا، ما لي اراك تعود لخفقان صباك، كما كنت ايام حبك المعذب. اطمئن يا صغيري، ثق بي، فأنا لم اعد ذلك الفتى المعتوه، الا تراني امامك قد اصبحت رجلا مجربا بعد تلك الاعوام الطوال من الشوق والانتظار. ارجوك اهدأ اهدأ، ودعني ارى دربي))...
انتبه يونس الى ذكرى قد مرقت وصارت خلفه، وعليه ان يعود اليها.
توقف حائرا، ولم يتجرأ ان يلتفت. بقي، تارة مستمرا بسيره، وتارة يتوقف، ثم يسير، حتى اتخذ أخيرا قراره ان يعود وهو يصطنع حركة توحي وكأنه قد تذكر شيئا. اخرج اوراقه كما لو كان يبحث فيها، وهو يتقدم خلف معبدوته والصبي الذي معها.
دون شعور، وجد نفسه يعود لدور قديم قد نساه تماما في اوربا:
((آه، ها انا اتبع فتاة.. أية لذة واثارة في متابعة المحبوب. تجتمع فيها كل ملذات التوق والتحدي والترقب مثل طفل قلق يخشى على سلامة امه)).
سنوات المراهقة امضاها وهو يتبع ذكرى اثناء ذهابها وعودتها من المدرسة، واثناء خروجها مع اخواتها. لم ينس محاولاته الفاشلة ان يلتقط لها سرا صورة يحتفظ بها قرب قلبه. اتفق مع صديقي الحميم (عماد التلكيفي) واستأجر (كامرة) واختبأ وراء احدى اشجار (بارك السعدون) والتقط لها خفية صورة اثناء عودتها من المدرسة. لكن الصورة ظهرت خالية، وكان من الصعب تكرار المحاولة.
ابتسم ساخرا من نفسه:
(( أأتجرأ الآن أن التقط صورة لها؟ أيسمح لي عمري بمثل هذه الخطوة الصبيانية. شكرا لك يا قلبي لأنك قد قدتني اليها. اعرف الآن انك ابقيتني طيلة الايام الماضية، كي تهيأني لتقبل هذه الحظوة التي لم احلم بها. اعذرني لأني لمتك، يا قلبي ومنبع حبي..هاهي معبودتي لا زالت كما هي شامخة زاهية مثل بستان. آن الأوان يارب ان تنفخ في صورك العظيم لتبعث الروح في جثمان حبي. وانت ياطائر العنقاء انطلق من اعماق قلبي وحلق في اعالي الاكوان وخذني هناك بعيدا بعيدا نحو جلال الرحمن))..
* * *
لم يدر كم امضى من ازمان وكم اخترق من دروب وهو يتبعها مثل بدوي مسحور بسراب جنان.
اذا به اخيرا ينتبه فجأة الى انه في مقبرة؟!
رأى ذكرى جاثية والصبي جنبها يلوب حائرا. لم يفهم اول الامر ما يحصل، واحتاج الى بعض الوقت كي يدرك انها امام قبر. يراها تخرج من حقيبتها قطعة قماش وتنظف ظاهر القبر، ثم تضع بضعة شموع وتشعلها. وشرعت تردد صلوات وأدعية وهي تبكي. جزع يونس وكاد ان يتجه اليها ليشاركها حزنها:
(( اوه يا عيني يا روحي ليش تبكين.. ارجوك كفي عن النحيب .. ترى دموعك حمم لهيب تجري في صدري.. ارجو يا ذكرى ارجوك..))
لمح من بعيد صورة معلقة على لوحة القبر. حاول ان يقترب كي يرى، لكنه خشى ان يجلب انتباهها. ما الذي يمنعه ان يكلمها؟ يا الله كم هو خائف. لم يحسب ابدا بأنه هكذا يعود من جديد الى ذات المشاعر الجياشة القلقة القديمة، التي ظن انه قد تخلص منها الى الابد اثناء حياته في اوربا.
هبت ريح وشرعت السماء برش رذاذ مطر، فأنطفأت الشموع وشرع الصبي بالعويل، وذكرى لا زالت تصلي وتبكي، بينما كان يونس جاثما متكورا كحيوان بري بين القبور. مشاعر جياشة كانت تتلاعب في روحه مثل ريح تعصف في قصر مهجور. وفي اللحظة التي قرر فيها ان يتجه اليها، رأاها تنهض وتمسك يد الطفل وتركض متعثرة بين الصخور.
بقي حائرا متردد ان يلحق بها او يتجه الى القبر لمعرفة هويته. حينما حسم امره ونهض راكضا ليشاهد الصورة بسرعة ثم يلحق بفتاته، تعثرت رجله وسقط على الارض وارتطم رأسه بحافة القبر. شعر بوجع في جبهته وقد سالت دمائه على التربة. لم يستطع ان يمنع عيناه من النظر الى تلك الصورة، فكانت صدمة ما بعدها من صدمة!
شاهد وجها مألوفا لأمرأة! انه مألوف الى حد بعيد بعيد مس شغاف قلبه واشعل نيرانا في اعماقه. من هي هذه السيدة؟ انه يعرفها بكل يقين.. لم يصدق، راح يزحف كي يتيقن، لكنه كان يحدس بمصيبة:
((رحماك يا ملائكة الرحمة والمحبة، رفرفي علي واجعلي نسمات الصبر تهب على قلبي الحائر. احس قواي تنهار وكياني يرتعد))..
نعم انه بكل يقين يعرف هذه السيدة!
زحف اكثر واكثر وهو يدعو كل قوى الكون الطيبة ان تعينه ليدرك خطأ ظنونه.. لا .. لا انها هي.. لم يدرك كم مرة ومرة ومرة قرأ العبارة المكتوبة تحت الصورة:
ذكرى القادر(1954 ـ 2007) استشهدت في حادث تفجير......
((مستحيل.. يقينا اني واهم. كيف يكون هذا قبر ذكرى، وانا كنت اراها بعيني هاتين منذ لحظات. هنالك خطأ ما. مازالت ذكرى حية شابة خالدة هنا في قلبي .. هنا في نينوى.. هنا في هذه الدنيا. ذكرى حية، نعم انها حية)).
امتزجت دموعه ودماء جبهته بقطرات المطر واطيان المقبرة.
دفع القبر عنه كأنه يريد ان يتخلص من تلك الحقيقة المرعبة التي تواجهه. قام مثل ميت ينهض من تابوته، وراح يركض ويركض، هاربا من ذكرى القديمة الميتة، عسى ان يلحق بـذكرى الحية الشابة والصبي الذي معها. لاح امامه نهر دجلة فياضا نحاسيا متوهجا بحمرة شفق وغيوم حبلى برعود وبروق. حينها فقط تذكر ذلك المشهد الجديد الذي اختتم فيه حلم الليلة الماضية:
بينما كان يغرق كالعادة في تلك الامواج العاتية، ظهر له من الاعماق كائن جبار عجيب.. انه يشبه.. نعم .. بل كان هو ذاته.. الحووووت!
* * *
وداعا نينوى.. وداعا.. بعيون دامعة اودعك قلبي ومأوى حبي..
يا زهور الربيع انبتي على تربة ذكراي وانتثري في بساتين شبابها الابدي..
يا عصافير الحب غردي في ليالي وحشتها واسمعي قلبها اغاني عشق مؤجل..
وانت ياشمس، بددي بأنوارك ظلمات عزلتها، ولتتوهج بك دروبها اينما سارت.
وانت يا يونس، يا اخي، يا نبي تقي، انهض، اخرج من حوتك، وانثر دعواتك ..
اسند منارتها الحدباء، واجعل دجلتها غزيرا بحب ومياه..
وداعا وداعا يا موطن قلبي..
وداعا ذكرى..
وداعا نينوى.. مع حبي الى الابد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي