الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة -العوالم- العربية

جهاد الرنتيسي

2009 / 3 / 31
كتابات ساخرة


القمم مرايا القواعد ، تعكس ما يجري فيها من تفاعلات وخمود ، واندفاعات وانكسارات ، واتفاقات وانقسامات ، وتقدم وتراجعات .

وهي رسائل مفتوحة ، تتيح للباحثين عن التفاصيل ما يروي فضولهم ، ويرشد توقعاتهم .

في عوالمنا العربية تكتسب القمم ملامح خاصة ، قد يكون هناك شبيها لها في مناطق اخرى من الكون الفسيح ، الا انها اصبحت مع تكرارها ، منذ نشوء الجامعة العربية ، حتى قمة الدوحة الدورية ، ماركة عربية مسجلة .

فهي شكلية الى حد كبير ، وتائهة بين موازين القوى الكونية والاقليمية ، تتقاذف التجاذبات قراراتها التي لا تنفذ في معظم الاحيان ، وتقابل افرازاتها برفض شارع اعتاد على تجرع مرارات الهزائم .

الا انها تبقى مرغوبة رسميا وشعبيا ، لامتلاكها بعض قدرات التعويض ، لنظام رسمي مشكوك في شرعيته ، وشارع مفتون بفكرة التضامن العربي ، بعد تخلصه من اوهام الوحدة العربية التي تلبسته عدة عقود .

واذا صح تحويل الملامح الى اوصاف يمكن القول بان القمة العربية التي تنعقد في العاصمة القطرية تائهة بامتياز .

فالمقدمات التي سبقت القمة لا توحي بابتعادها عن اجواء الاجتماع الطارئ، غير مكتمل الملامح ، الذي عقد في الدوحة بين قمتي الرياض الخليجية والكويت الاقتصادية .

والعودة لتلك الاجواء تعني من بين ما تعنيه الانقلاب على دعوة المصالحة العربية التي اطلقها العاهل السعودي في قمة الكويت ، وتمخض عنها الغداء الشهير في مقر اقامة خادم الحرمين الشريفين .


حركة الالتفاف على جهود المصالحة ، التي تتمثل في هذه النقلة ، لا تخلو من مخاطر تحول في دور القمم العربية ، المفترض ان يكون الهدف من انعقادها لم الشمل العربي ، وتوحيد الجهد ، وتحريك دواليب العمل المشترك .

فالنتيجة الطبيعية التي يمكن ان يؤدي اليها الارتداد عن جهود المصالحة تآكل آليات العمل العربي المشترك ، وتكريس حالة الانقسام ، والدخول في حروب اعلامية جديدة تزيد من حالة الجفاء .

خطورة منعطف الدوحة ، والزوابع المصاحبة له ، والتداعيات التي يمكن ان تتبعه اخرجت اللغة الدبلوماسية التي اعتادت عليها الاقطاب الرئيسية والفاعلة في النظام الرسمي العربي عن مسارات اشاعة الامل لتطفو على سطح الخطاب السياسي عبارات تظهر قدرا كبيرا من التشاؤم .

فالمصطلحات التي جاءت على لسان صاحب مبادرة المصالحة في قمة الكويت ـ وتحركات تنقية الاجواء التي اعقبتهاـ قبل انعقاد قمة الدوحة الدورية بدت حادة للوهلة الاولى ، وموغلة في الوضوح والمكاشفة .

فقد وصف " الامة " بانها " مبعثرة " و مستقبلها "مظلم " مشيرا الى ان حالة التبعثر هذه تترافق مع طموحات عالمية واقليمية لها اهداف مشبوهة .

في المقابل حاول الرئيس بشار الاسد ان يكون حذرا في تفاؤله ، لا سيما وان الاسهاب في توصيف الهوة الشاسعة ، التي تصل الى حد التناقض بين معسكري النظام الرسمي العربي ، يمس جوهر الشعارات التي يتكئ عليها الخطاب السياسي السوري.

فالعبارة التي اطلقها عشية قمة الدوحة ، وتركزت حول حاجة المصالحة العربية لمزيد من الوقت ، بقيت تراوح في دائرة البحث عن لغة دبلوماسية ، تخفف من حرج الموقف الذي وصلت اليه الاوضاع .

الا ان الحرص على عدم التطرق لجوهر الازمة لم يخل من اشارات الى الخلافات التي تطفو على السطح .

في جميع الاحوال انتهى الخطاب السياسي السوري ممثلا بتصريحات راس النظام الى خلاصة مفادها ان الاجواء غير مهيأة لتجاوز حالة الانقسام التي تعصف بالنظام السياسي العربي ،وان قمة الدوحة لن تكون قادرة على لم الشمل العربي على طريقة القمم السابقة .

وقبل ان يدق العاهل السعودي ناقوس الخطر ، ويتحدث الرئيس السوري بلغته السياسية الحذرة ، ابدى الرئيس المصري حسني مبارك تحفظاته على دعوة قطر لقمة الرياض الرباعية التي جاءت في اطار تلطيف الاجواء ، لتتسع دائرة الفتور من السياسات التي تتبعها الدولة المضيفة للقمة .

اتساع الدائرة لتشمل قطاعات واسعة من الشارع يحرم قمة الدوحة الدورية مما وفره الغضب الشعبي العربي لاجتماع الدوحة الطارئ .

فالتوتر الذي رافق العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ، ومنح ذلك الاجتماع غطاء لاطلاق تصريحات صاخبة ، ذات سقف عال ، تراجع الى الحد الذي يتيح التفكير بشئ من الهدوء .

والتفكير الهادئ يقوي لدى الشارع نزعة البحث عن قواسم مشتركة ، الامر الذي يعزز خطاب عواصم الاعتدال ، و حجة البحث عن خطاب عربي مشترك ، وموقف موحد يمتلك مقومات اقناع القطب الكوني الوحيد بالضغط على اسرائيل ، للتعامل بجدية مع عملية السلام ، فالخيارات السياسية تخضع لمعادلة الامكانيات والظروف ، ولا تبنى على الاوهام ، والشعارات الخالية من المضامين.

لكن ازمة عواصم الممانعة لا تعني بالضرورة انفتاح الافاق السياسية المغلقة امام قوى الاعتدال في المنطقة .

فهناك ما يكفي من دوافع الشك في امكانية تحقيقها انجازات حقيقية في المرحلة المقبلة .

معظم هذه الدوافع ينتمي الى تأزم الظروف الموضوعية المحيطة ، التي تمنح غطاء دخانيا لمنطق تيار الممانعة ، ولا يعبر عن اختلالات في سياسات ورؤى قوى الاعتدال .

فالاطراف الاساسية المفترض مشاركتها في عملية سلام تنتهي بتنفيذ ما جاء في مبادرة السلام العربية ـ التي تتجاوز حل القضية الفلسطينية لترسم خارطة اقليمية جديدة ـ غير مؤهلة للقيام باي دور على المدى المنظور .

من ناحيته يواجه الجانب الفلسطيني ازمة حقيقية في تحديد خياراته ،مما يحول حركته الى مجرد خطوات في الفراغ ، فالطرف الذي يملك الشرعية السياسية والمجتمعية والتاريخية مشكوك في شرعيته مع استمرار حالة الانقسام ، والطرف الذي ينازع على شرعية التمثيل الفلسطيني مشكوك في نواياه واستعداده للتجاوب مع عملية السلام .

وهذه الحالة مرشحة للبقاء بشكل او بآخر مع استمرار الاطراف الاقليمية في التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها ورقة ضغط او ساحة لتصفية الحسابات .

على الجانب الاسرائيلي يبدو المشهد اكثر قتامة ، فالحكومة الائتلافية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو ليست معنية بعملية سلام تفضي الى دولة فلسطينية بني التفكير الاستراتيجي العربي خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود على ضرورة قيامها .

والواجهة السياسية التي توفرت لحكومة نتنياهو ـ بمشاركة حزب العمل ـ تمنحها القدرة على المناورة وكسب نقاط جديدة تحت شعار سلام اقتصادي ينتهي بخرائط جديدة للمنطقة لا تزال المخيلة السياسية العربية غير مهيأة لقبولها .

ايران من ناحيتها تسعى الى رسم خرائط اخرى من خلال تحولها الى شريك في القرار العربي .

ومن الطبيعي ان تثير مثل هذه الخرائط قلق عواصم الاعتدال العربي الحريصة على ان يكون للعرب دورهم الاقليمي المبني على وحدة الموقف .

الا ان بعض الاطراف العربية لا ترى ضيرا في التضحية بما تبقى من حضور اقليمي عربي .

ولكل طرف من هذه الاطراف حساباته ، فمن ناحيتها تسعى الدوحة الى دور اقليمي لها من غير الممكن ان يتحقق ـ مهما اقامت من المؤتمرات والندوات ـ مع استمرار مؤسسة العمل العربي المشترك ، حيث الزعامة التي توفرت للرياض والقاهرة بحكم التاريخ والجغرافيا ، والقدرة والوزن الاقليمي والدولي ، كما ترى دمشق ان استمرار تحالفها مع طهران يتيح لها قدرة اكبر على المناورة السياسية ، حتى لو كانت هذه المناورات على حساب الحضور السياسي العربي .

مثل هذه الحسابات ، تبرر لدمشق والدوحة ،التعامل مع عملية التضامن العربي باعتباره خيارا ، يمكن الخروج عليه اذا كان الانفتاح على طهران اكثر جدوى ، او تأجيله الى ان يصبح اللجوء اليه حاجة ملحة .

حالة الانكشاف العربي التي تظهر في قمة الدوحة ، و تكاد ان تكون غير مسبوقة ، اذا اخذت بعين الاعتبار طبيعة الاصطفافات الاقليمية ، وحالة التحول التي تمر بها المنطقة لا تترك مجالا لتفاعل دولي ايجابي مع القضايا العربية .

فالعالم يتفاعل مع امم وشعوب تعي قضاياها ، وتستطيع شرح مواقفها ، واحداث اصطفافات دولية حولها .

وبذلك يمكن القول بان خطورة افرازات القمة لم تظهر بوضوح خلال الاجتماعات ، لكنها لن تكون غائبة ، مع توافد القادة العرب للقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما ، ودعوته الى ممارسة ضغوط على اسرائيل لاظهار جدية في التعامل مع عملية السلام .

ففي الظروف التي يعيشها النظام الرسمي العربي يصعب ايصال رسالة واحدة الى سيد البيت الابيض الامر الذي يعني التقاطه عدة رسائل تعبر عن عوالم عربية مختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي