الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتبقى القدس بلا مقدسيين

هيفاء اسعد

2009 / 4 / 1
القضية الفلسطينية


أقلام حرة

ها نحن مرة اخرى على حاجز قلنديا العتيد، والذي نعبره بما نملك من حظوة بسبب ما نحمله من بطاقات زرقاء. مرة أخرى نجد انفسنا نغادر الحاجز الذي أخشى بأن يصبح واقعا يفصل ما بيننا وبين ما يختفي وراء الجدار من افق نخشى ان نعتاد حرماننا منه كرضانا بذلك الحاجز. بمجرد ان يصبح الحاجز من وراءنا، والمساحات والشوارع المفتوحة من امامنا، ينتابك احساس انك تدخل لمناطق استغرب ملامحها في كل مرة. على أن صدمتي التي كانت في أول مرة غادرت فيها رام الله بعد الإجتياح عام 2002 عبر حاجز قلنديا، صدمة لا تفوقها صدمة. فما بعد ان نجحنا بتجاوز حصار رام الله الأول ومن ثم منع التجول وأخيرا حاجز قلنديا بإتجاه تل ابيب قاصدين الجليل، تساءلت عن عدم إضطرارنا لعدم إستخدام طريقنا المعهودة عبر بلدة بيتونيا الواقعة غرب رام الله، ذلك الشارع الذي إعتدنا أن يأخذنا من رام اللة عبر بيتونيا إلى تل ابيب. وكم كانت صدمتي كبيرة عندما نظرت وكان شارعنا المعتاد بلا مخرج. بطريقة ما تم إغلاق الشارع بحيث لا تاريخ يحدثك عن وجود شارع كان يوما يمر من هناك. كان الإحساس كمن يعود لبيته عند المساء، فيجد ان مدخل بيته قد أغلق بحائط. وان الشارع المؤدي له، لم يكن اصلا، حتى ليخال لك انك لربما اخطأت بيتك.
على مشارف القدس أنت مدعو لإختبار إبداعات الإحتلال في إستماتتهم، التي قد تبدو للوهلة الأولى تستهدف الزمان والمكان. على ان المدقق فيما يتسللون إليه ويحاولون صياغته من ذاكرة جديدة لسكان القدس وروادها بعيدا عن ثقافة وهوية ومرجعيات إختبرناها على مدار سنوات طويلة، ليس في زوايا المدينة العتيقة فحسب، بل في مؤسساتنا الوطنية السياسية منها والثقافية والفنية والتي لطالما إمتلئت بالرواد من الأجيال الشابة نساء ورجالا في إطار هوية واضحة بمرجعيات لا تشوبها الضبابية والتشكك.
على المقعد الأمامي وجدتني القي بنفسي وبغضبي الذي إستجمعته وإحتبسته في صدري مذ إجتزت الباب الحديد "الدوار" لما يسمى بمكتب الداخلية في القدس الشرقية. بعد سنوات غياب طويلة عن ذلك المكتب الذي قررت العودة له على سوء ما يقدمه لرواده من وجبات إذلال وترويض لا تدري إذا كان هناك من يرصدها. على سوء المقر الجديد للداخلية فالحق يقال ان هذا المبنى الفخم بما وضع من "بركس" مسقوف بالمعدن "الزينكو" على مدخله لا يمكن ان يقارن بذلك المبنى القديم الذي كان يقضي رواده الساعات الطويلة في ممر مفتوح على الشارع والسماء، ليلا نهارا، شتاءاً وصيفا. فهاهنا في المقر الجديد للداخلية أنت مدعو لقضاء ساعات الإنتظار الطويلة في ممر مسقوف ينتهي بحاجز تفتيش لا تخال نفسك إلا وكأنك على الحدود. فماكنات التفتيش، إبداعات إسرئيل في التدقيق والتفتيش الأمني، إن اطلقت الرنة فعليك خلع الجاكيت والحذاء والساعة والحلي ولربما يأخذونك للداخل للتفتيش الشخصي، عندها من الممكن ان ’تنزع عنك غالبية ملابسك وكله باسم أمن الدولة.
هاهنا، حيث لا الشمس ولا المطر يرافق نفس ساعات الإنتظار القديمة، لا مبرر لك لا للتذمر ولا للإحتجاج، وإشكر الدولة التي ترعاك وتحافظ على امنك وتحميك من نفسك "كما يدعون". في هذا المبنى الذي على مواطني القدس، جميعاً كرعايا لدولة الإحتلال العتيدة، إرتياده لإستصدار كل ما أفلحت الحضارة من إنتاجه من وثائق لن يكون بمقدورك المضي، بدونها، لا قدما في حياتك ولا حتى مغادرتها. في هذا المكان عبر الممر ولأول مرة عند حاجز إحتلالي، إستشعرت الوحدة في مواجهة إستهجان جنود لردة فعلي الفظة لكل ما طلب مني القيام به تجاوبا للرنة التي ما فتأت آلتهم الأمنية إصدارها كلما عبثا حاولت إجتيازها.
بإتجاه المكاتب بالداخل حملت غضبي مستلبسة أو مقعد وجدته فارغا. في داخل المبنى وعلى المقعد الذي شكل جزءا من مقاعد عديدة ’صفت كما في دور السينما لتقابل صفا من المكاتب التي فصلت بقواطع خشبية عن بعضها البعض ووضع بقربها مقعديين للمراجعين الذين عليهم ان يراقبوا لوحة الأرقام الإليكترونية التي وضعت في اعلى السقف. في نظرة سريعة لرقمي الذي ابلغني بوجود 60 شخصا يفصلونني عن الدور الذي قد يأتي ولكن ما بعد اربع او خمس ساعات، ربما!!!! في ساعات الإنتظار الطويلة ما كان لي إلا ان ادقق بالعرض الذي احضره مطرة وبدون تذكرة. كانت جميع المقاعد مليئة امام المكاتب، أما في الطرف الآخر منها فقد كان الموظفين يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، لكون معظمهم من فلسطينيي ال48، والقليل منهم تدل ال"كيباه" الطاقية التي يرتدون على يهوديتهم، على ان هؤلاء ايضا كانوا يتحدثون العربية. ساعات من الإنتظار الطويل التي تمنيت ان يبقى الملل طابعها، وأنا أرقب المقدسيين يتنقلون من مكتب إلى آخر يحاورن بالعبرية وبطلاقة مع موظفين يتحدثون العربية إن اردت. ساعات والماكنة الإليكترونية هي ايضا عنوانها البطيء والملل، إلى ان إسترعى إنتباهي حوار يدور امامي ما بين أم مقدسية ترافق إبنها الذي قد لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره. كانوا يجلسون على المقاعد يقابلهم خلف المكتب موظفين لبسوا "الكيباه" وهي لبست المنديل والتقاليد الفلسطينية. لحظات طالت وهي تتكلم خارج نطاق الوثيقة التي تريدها لأبنها، الذي إنتقده الموظف لكسله وعدم متابعته لوثيقته. لم أدري كيف سمحت لتلك السيدة ولنفسي بأن يتنهي الحوار وأنا أراقب بدون ان أتدخل. سمحت لنفسي ان أشاهد تلك المرأة وهي تتوجه لذلك الموظف الإسرائيلي شاكية له إبنها وحاملة عليه تتهمه بالكسل والإهمال أمام ذلك الممثل لمؤسسة تمثل الإحتلال والتي أصبحت بالنسبة لتلك المرأة ،ولربما لمقدسيين كثيريين يعيشون الحاجة لمؤسسات ليس لإنجاز وثائقهم وحسب ولكن لتلبية إحتياجاتهم اليومية ورزقهم وعيالهم، ظنتها مؤسسات ومرجعيات تملء فراغا لمؤسسات وطنية لا نستطيع إى ان نتحمل وزر غيابها.
في الطريق إلى البيت، ما بعد الساعات الطويلة من الإنتظار دون ان احصل على الوثيقة التي اريد، كنت أغادر القدس وطيف البلدة القديمة بالحرم الشريف يغيب من ورائي، تاركا داخلي تساءول هل لا زلنا نستطيع شراء زمنا في القدس.!!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إيران لإسرائيل: كيف غيرت قواعد اللعبة؟| بتوقيت برلين


.. أسو تخسر التحدي وجلال عمارة يعاقبها ????




.. إسرائيل تستهدف أرجاء قطاع غزة بعشرات الغارات الجوية والقصف ا


.. إيران قد تراجع -عقيدتها النووية- في ظل التهديدات الإسرائيلية




.. هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام