الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة المصالحات بين نوايا التجسيد وواقع التبديد!

ماجد الشيخ

2009 / 4 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


انعقدت القمة العربية الدورية هذا العام، ليس تحت إلحاح أي قضية بالتحديد، أو هكذا تبدو الأمور، رغم أهمية مجموع القضايا التي يمكن، بل وينبغي للقمة أن تبحثها؛ من قضية السودان المستجدة في أعقاب صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير، إلى القضية الفلسطينية، وهي البند الدائم على جدول أعمال القمم العربية، إلى مجموع القضايا الداخلية والبينية العربية وحتى الإقليمية. وليس مصادفة أن تحفل الأجواء العربية بعبق المصالحات، في عام أعلنته الأمم المتحدة "عاما عالميا للمصالحة"، إلا أن النوايا وإذ تقبع في مكان آخر، فإن تجسيدها التصالحي يبقى رهين الإنهاء الفعلي لمسببات الخلاف والاختلافات الكبرى، وإلاّ فإن استمرار نقاط الخلاف السابقة، قبل المباشرة بما أسموه "عملية المصالحة" لن يستطيع أن يزحزح المواقف إياها، كي تغمرها عباءة التصالح بين أنظمة لا تختلف كثيرا أو قليلا على ضرورة جر القضايا جرا لربطها بها كامتياز؛ تهدف من ورائه المتاجرة أو التوظيف السياسي السلبي، بما يضيف إلى أرصدتها المتخمة بزرع بذور الشقاق والنفاق، فيما القضايا تلك هي الخاسرة على الدوام، في ظل التوظيفات الاستثمارية لنوايا التصالح التي لا توضع على مشرحة التجسيد، وحين ينفضّ سامر اللقاءات، ينحسر الغطاء كاشفا المزيد من أوجه التبديد.. تبديد المصالحات كواحدة من أعمق أعماق ممارسة سلوك البقاء عند حافة الخلافات.

إن إدخال المصالحات، كما الخلافات من قبل، إلى خط الشخصنة، وتبيئتها فئويا، هو ما يبقي المسائل عالقة على الدوام، ويبقي القضايا عائمة على سطح بلا سقف وبلا قاعدة. هكذا هي قصة ما أسمي "المصالحة الفلسطينية" كما هي قصة "المصالحة العربية"، خاصة حين يجري الاحتكام إلى منطق تفاوضي لا تحاوري، الأمر الذي لا يمكن أن يفضي إلى أيّ نتيجة إيجابية، اللهم إلا التعلّق بحبال الوهم والأمنيات والتمنيات الزائفة، في ظل غياب أو تغييب السياسة وبناء السياسات، ما منع ويمنع بناء استراتيجيات حقيقية لقضايا جدية وحقيقية لا تحتمل الأوهام، أو بناء تكتيكات هي إلى المصالح الأنانية أو الشخصية أقرب.

لهذا وفي وسط حلبة المصالحات المتعجلة، تبدو القمة الحالية كجبل جليد يبدو أكثر شفافية، خاصة بعد أن جرى قذف "الحوار التفاوضي" الفلسطيني إلى ما بعد انعقاد القمة، وهو قبلا لم يكن ليحقق نتائج كانت مرجوة ومن قبيل الأماني، ولكنه بعد انعقادها سيكون أكثر جرأة وحرية في عدم تحقيق مثل تلك النتائج، نظرا لغياب السياسة والإستراتيجيا الموحدة فلسطينيا، في ظل تصادم مشروعين وسلطتين. ومن جهة أخرى كذلك لا يمكن للتفاوضات العربية التصالحية أن تحقق حلم التوافق على إستراتيجية واحدة أو موحدة، لا إزاء فلسطين ولا إزاء غيرها، في ظل هذا التباعد، ليس الأيديولوجي فحسب، بل وتنافر المصالح وتضاربها، حتى في ظل استبعاد التأثير الإقليمي الإيراني على سوريا أولا، وعلى القوى المتحالفة الأخرى معها في لبنان وفلسطين ثانيا والعراق أخيرا.

وفي ظل الحاجة الأميركية لضرورة تفعيل دور إقليمي إيراني، في منطقة لا بد من تقاسم المصالح والنفوذ فيها، إذا ما أرادت القوى الدولية أن تستقيم لها قواعد الهيمنة التقليدية؛ وذلك على قاعدة الإلحاح الأميركي لتحقيق إنجازات عسكرية وسياسية يعتدّ بها، كتعويض عن تلك الإخفاقات التي تعرضت لها القوات الأميركية في الساحة العراقية، وإذا ما أرادت القوى الإقليمية أن تستعيد بعض نفوذها المتوافق مع نفوذ وهيمنة القوى الكبرى بدل الصدام معها. لهذه الأسباب/الأهداف كان لا بد من بدء تلك المساعي الأميركية لفتح صفحة جديدة مع النظام الإيراني، للمساعدة في قلب التوازنات لمصلحة القوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان للسيطرة على حركة طالبان وتحالفاتها القبائلية والقاعدية حتى داخل الأراضي الباكستانية. كما أن هناك حاجة أميركية لتحقيق إستراتيجية خروج ناجحة من العراق، وهذا لا يمكن أن يتم دون الاعتراف بدور إقليمي إيراني، تحقق طهران من خلاله طموحاتها بالإقرار بحدود نفوذها وهيمنتها، وتحقق على الأقل تسامحا إزاء برنامجها النووي السلمي من جهة أخرى.

على هذه الخلفية جاءت رسالة أوباما في عيد النيروز، لتقدم لطهران يدا أميركية تحاول انتشال أكثر من دور لإيران في المنطقة، في ذات الوقت الذي تستهدف واشنطن الحفاظ على هيبتها المتداعية بالبقاء في المنطقة حارسة لأحلام إمبراطورية تشاركها فيها إسرائيل بالطبع، ومن ثم إيران من جهة وتركيا من جهة أخرى، رغم أن لكل مشروعه الخاص بمعزل عن مشروعات الآخرين، في ظل وضع عربي مريض، لم تجد معه ولن تجدي تلك الحبوب المسكنة التي كانتها أو شكلتها المصالحات الفوقية، بما هي إلى التكتيك أقرب منها إلى تحقيق أو ابتناء أية إستراتيجية، باتت من أكثر الضرورات إلحاحا إذا ما أراد النظام الإقليمي العربي أن يستعيد توازنه بالحفاظ على تماسك قواه، ولو في الحدود الدنيا على الأقل، في مواجهة إسرائيل أولا، والقوى الإقليمية الأخرى الصاعدة في الجوار؛ الإيرانية من جهة والتركية من جهة أخرى. ولهذا ينبغي على دمشق إدراك أن الانفتاح عليها، ليس من نوع المكافأة أو المكافآت السياسية التي مهما بدت أزمة القائمين بها، خاصة على الصعيد الدولي (أميركا) فهي أداة من أدوات السياسة التي تحاول التماثل مع مصالح إستراتيجية؛ أعلى من تلك المصالح التكتيكية "الفتاتية" التي يسعى البعض في المنطقة لإحلالها كسياسة غوغائية "إنتصارية" بديلا للسياسة العقلانية.

من هنا.. فإن التراخي الدولي الذي أمسى أكثر تبلورا، بفعل الأزمة المالية العالمية، خاصة لجهة ترافقه مع تهاوي نجم جورج بوش وصعود نجم باراك أوباما وقفزه واحتلاله للبيت الأبيض؛ هذا التراخي الدولي هو ما أتاح ويتيح للقوى الإقليمية القفز إلى المنصّة، ومخاطبة مجموع القوى الإقليمية الأخرى والدولية، وفق نسق معين من تشارك المصالح والتعاون النسبي على إيجاد معالجات ومخارج سياسية لها، نقيضة لتلك المعالجات والمخارج القديمة التي فرضها منطق الأحادية القطبية والهيمنة الإمبراطورية خلال السنوات الثماني الأخيرة، بل ومنذ أوائل تسعينات القرن الماضي بانتهاء حقبة الحرب الباردة وانفراط عقد الاتحاد السوفيتي.

ومن خلال شقوق التراخي الدولي، استطاعت تركيا أن تستعيد أو تفرض عبر دورها الإقليمي حيزا ليس بسيطا إزاء قضايا الصراع في المنطقة. ثم حان وقت الدور الإيراني ليتقدم طاولة الحوار مع واشنطن، في ظل تغليب خيارات الحوار والدبلوماسية على خيارات قعقعة السلاح، ذلك أن حدود الأزمة المالية العالمية باتت تتخطى بل وتكتسح كل حدود العالم، بما فيها ذاك "الشرق الأوسط الجديد" الذي ينتهي اليوم عند تخوم التشارك الإقليمي والدولي على اقتسامه واقتسام النفوذ، والاتفاق على حدود المصالح المشتركة فيه، بما يبلور وضعا هيمنيا جديدا؛ النظام الإقليمي العربي في ظلاله ما فتئ يعيش أسوأ حالاته؛ موزع الولاءات والانحيازات، لا سيما وأن المصالحات العربية الأخيرة على أعتاب القمة العربية لم تستطع أن تحسم خياراتها أو انحيازاتها، والأهم لم تستطع أن تبلور وضعا عربيا إقليميا موحدا في مواجهة الآخر؛ أو الأواخر الإقليمية والدولية، بل أن الارتباطات المصلحية والمنفعية بقيت سمة طاغية، وهي المحدد الأول لطبيعة التحالفات القائمة، فهل تستطيع القمة العربية أن تحسم خيارات انحيازاتها بشكل واضح، وبما يستجيب وحقيقة التطلعات والمصالح العربية العليا، ولو في حدودها الدنيا الأكثر إلحاحا؟؟.

بالتأكيد ليس بالتمنيات وحدها تتحقق المصالحات، وليس بها وحدها تبنى السياسات. السياسة العقلانية الوحيدة الممكنة في ظل أوضاعنا العربية الراهنة، هي السياسة الحوارية لا سياسات المحاور، السياسة التي تستجيب لتطلعات ومصالح الشعوب وفق قضاياها الأكثر أهمية واستجابة لتطلعاتها التحررية والاجتماعية. والقمم العربية للأسف ستبقى قاصرة عن بلوغ ذاك الحوار العقلاني المنتج، طالما استبعد النظام العربي طاقات ثقافية خلاقة، يستبقيها على الهامش، ولا يسند لها تلك الأدوار المفترض أنها من صلب مهامها كشرائح مجتمعية، ومواطنية على مستوى الداخل الوطني أو على المستوى الأوسع القومي أو الإقليمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل