الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح.... إشكالية داخلية قبل أن تكون خارجية

أشواق عباس

2009 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إنَّ إحدى القضايا الأكثر أهمية بالنسبة للواقع العربي المعاصر، وبالأخص ما يتعلق منه بإشكالية التكامل العقلاني للمصالح القومية والدولية، هي قضية الإصلاح. إذ يقف العالم العربي بعد مرور قرن من الزمن على نشوء دوله الحديثة، أمام إشكالية الإصلاح، ولكن بوصفها قضية جيوسياسية وجزءاً من صراع المصالح الدولية والعلاقات الدولية الجديدة، أو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد. فإذا كانت إشكالية الإصلاح في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين جزءاً من واقع السلطنة العثمانية، ومكوناً داخلياً لصيرورة الدولة العربية الحديثة، رغم ارتباطها بصراع القوى الاستعمارية آنذاك. فإنَّ ما يميزها في الظروف الحالية، كونها جزءاً من إشكاليات العالم العربي ودوله المستقلة. وهو تغير جوهري جعل ولا يزال من إشكالية الإصلاح قضية وطنية وقومية خاصة من جهة، ولكنها أيضاً وثيقة الارتباط بصراع المصالح الدولية من جهة أخرى.
إذ يكشف الصراع الشديد الحالي، والذي بلغ ذروته في الاحتلال الأمريكي للعراق، عما في قضية الإصلاح من أهمية بالغة، ليست بالنسبة للنظام السياسي العربي وإنّما للدولة نفسها. إذ يكشف هذا الواقع عن طبيعة الدراما التاريخية للعالم العربي المعاصر، وأزمة النظام السياسي والنظام العربي العام. فهو يشير من حيث الجوهر إلى نفس مقدمات الاحتلال الكولونيالي الأول بعد سقوط السلطنة العثمانية. بمعنى فقدان الدولة، بسبب أزمتها البنيوية الشاملة، القدرة على مواجهة التحديات الخارجية. إننا نستطيع أن نرى في احتلال القوات الأمريكية للعراق صورة مصغرة لظاهرتين تحتويان على مكونين أساسيين ملازمين لأزمة الدولة العربية المعاصرة، ألا وهما الضعف الذاتي المترتب على عدم تكامل الدولة، وعدم تكامل العالم العربي على أسس الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني.
إذا ليس العراق في الحالة المعنية، سوى النموذج الجزئي للصورة المصغرة لواقع الدولة العربية القطرية، ولطبيعة السياسة الدولية للقوى المهيمنة. كل ذلك يجعل من قضية الإصلاح، والتكامل العقلاني للعالم العربي قضية وطنية وقومية وسياسية رفيعة المستوى. إذ من خلالها فقط يمكن للعالم العربي الظهور بوصفه قوة إقليمية أو دولية لها معالمها الخاصة والمستقلة، والمشاركة في صنع العلاقات الدولية الجديدة.
من هنا تبرز ضرورة دراسة قضايا الإصلاح في العالم العربي من الناحية التاريخية، بما في ذلك مشاريع الإصلاح (الخارجية والداخلية)، لرؤية حدودها الفعلية وقابليتها للتحقيق. ودراسة الظروف الخاصة بكل دولة عربية بهذا الصدد. فالبديل الإصلاحي الفعلي هو المبني على أسس عقلانية وموضوعية تراعي الأوضاع الداخلية والخارجية لنموذج الدولة العربية المعاصرة.
إنَّ استقراء التجارب التاريخية للدول في مسار نموها وتطورها وتقدمها، يؤكد على ضرورة أن تتلازم سياساتها بالضرورة مع وضع وصياغة رؤية عملية مناسبة لأبعادها الإستراتيجية، ومن ثم تشخيص أبعادها الجغرافية وأولوياتها السياسية. فالمشاريع الإصلاحية تتضمن في أعماقها أبعاداً جيوسياسية. ومن ثم فهي وثيقة الارتباط بطبيعة العلاقات الدولية ومستوى التوازن أو الخلل فيها. وهو ما يؤكد بأنَّ الإصلاح الفعلي ممكن فقط من حيث المقدمات والنتائج، على أساس إدراك الأولويات الذاتية (الوطنية والقومية والدولية) وتنفيذها، استناداً إلى القوى الذاتية. وإلا فإنَّ أيّة مشاريع مهما بدت سليمة المظهر والأسلوب والغاية، تفتقد لأسسها الشرعية، هي غير قادرة على القيام الصحيح والعقلاني، ومن ثم قدرتها على الاستمرار. وهو الأمر الذي يفترض بدوره ضرورة الانطلاق من تأسيس إستراتيجية بهذا الصدد (قطرية وقومية عامة)، كمدخل يسهم في إعادة بناء النظام العربي، على أسس جديدة. وهي أسس تفترض كحد أدنى التوافق مع حق الاختلاف، والتكامل مع الأخذ بالاعتبار المصالح الخاصة. لاسيما وأنَّ المشاريع العربية المطروحة بهذا الصدد والتصورات المستقبلية، وكذلك آلية التعامل مع التحديات الخارجية، تشير إلى واقع غياب تصور واضح ومشترك وذي أبعاد إستراتيجية. بينما نعثر في المقابل على تصورات واضحة ومحددة وبرامج شبه ناجزة من جانب القوى الأخرى، وبالأخص من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، بل وحتى "إسرائيل" بهذا الصدد. فالدول العربية لم تستطع خلال المرحلة الماضية (وتحديداً منذ بدء المتغيرات الدولية)، إيجاد حد أدنى من القواسم المشتركة لمواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية. ومن ثم رسم سياسة واضحة فيما يتعلق بتلبية مصالحها الآنية والبعيدة المدى.
إنَّ تأزم بنية المجتمع والسلطة في الدولة العربية تجعل من الصعب تحقيق التغيير والإصلاح، تماماً بالقدر الذي يجعل منهما مطلباً ضرورياً من أجل إصلاح أوضاعها الداخلية تجاه مواكبة التطور العالمي ومواجهة تحدياتها الخارجية. لاسيما وأنَّ ظروفها هذه باتت تشكل المدخل والمبرر لطرح أزماتها وقضاياها على طاولة التشريح الدولي. وهي نتيجة سوف تجد استمرارها الفعلي في انعكاس ضعف الدولة في مواجهة التحديات الخارجية، إلى ضعف داخلي يهدد مقومات وجودها. فالخطر الحقيقي والكبير الذي تواجهه الأنظمة العربية، لا يكمن في وجود مشاريع إصلاحية خارجية (وبغض النظر عن كثرتها أو تعدد دوافعها) إزاء المنطقة، بقدر ما يقوم في غياب مشروع عربي للتعامل مع التحديات الداخلية الخارجية، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية. وفي هذا يكمن سبب ضعف وتخبط وتشرذم وانتقائية ردود الفعل العربية (الرسمية والشعبية) تجاه مشاريع التغيير الخارجية.
إنَّ قدرة الدولة العربية المعاصرة على معالجة إشكالاتها، والتحول من عضو منفعل ومتأثر إلى فاعل ومؤثر في محيطها الإقليمي والدولي، يتوقف على قدرتها على إعادة بناء منظومتها الداخلية وفق الأسس الصحيحة لفكرة ومفهوم الدولة. وهو ما يعني البدء بعملية إصلاح شاملة وجذرية أولاً. وعلى مدى استعدادها على الاندماج في محيطها العربي كمقدمة لاندماجها الدولي ثانياً، انطلاقاً من استحالة بلورة رؤية إستراتيجية عربية موحدة تجاه العالم الخارجي دون تكاملها الداخلي. فالإصلاح الحقيقي والشامل هو المقدمة الضرورية لتحقيق فكرة التكامل والاندماج القومي والدولي. وهي مهمة ممكنة التحقيق فقط من خلال بناء الدولة الشرعية ونظامها الديمقراطي ومؤسساتها العقلانية. أما المقدمة الضروري والشرط الأساس لتحقيق تكامل عربي أولاً، وإسلامي ثانياً، وعالمي ثالثاً، بوصفها درجات ضرورية للتكامل الواقعي والعقلاني، فهو تكامل كل نموذج عربي مع ذاته أولاً، حتى يتمكن ويكون قادرا على تحقيق تكامله ضمن محيطه العربي والإسلامي ومن ثم الدولي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يغير الله قوما ألا يغيروا ما بانفسهم
علي الشمري ( 2009 / 3 / 31 - 22:54 )
تحية طيبة لجهودك وأفكارك المستقبلية, ولكن كيف يكون التغيير في ظل حكام مفسدين ومتسلطين؟ كيف يمكن بناء الشخصية العربية في ظل الفرقة والتخلف والذي تغذيه الحكام لاستمرارهم في الحكم, فمن المفترض أن يبدأ التغيير من الذات وبالتالي المطالبة بتغير الحكام وفي ألية أنتخابية دستورية لكي يكونوا ممثليين حقيقيين لشعوبهم في اتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية. وهذا يتطلب بناء اجيال جديدة تؤمن وتربى على التغيير والتجديد , في عالمنا اليوم أصبح الفرد الذي يطالب بالتغيير من الشواذ ومهمش ,


2 - تحية للاخت اشواق عباس
عبد العالي الحراك ( 2009 / 4 / 1 - 07:25 )
تحليل واقعي وراقي ولكن اسأل..من يقوم بعملية الاصلاح الجذرية والشاملة للانظمة العربية وحالة التردي الرسمي والشعبي تسود المنطقة وتعزلها تماما عن العالم..؟ فقد تراجعت حتى تلك القوى والاحزاب التي كان يؤمل عليها ان تقوم بعملية النهوض والتطور.. الحاجة ماسة الى تثبيت الشعور بالمسؤؤلية لكل منا عندما يعي دوره ومسؤؤلياته الفردية وتأطيرها الجماعي حتى تؤدي دورها في عملية الاصلاح الجذرية والشاملة وعلى كل المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية ومنها نقد الفكر الديني وانتشار الظاهرة الدينية كالوباء,عبرالتنظيم والتكاتف والعمل المشترك وعدم الانشغال بالخلافات الجانبية وغيرها


3 - عنوان جميل وصورة أجمل
أبو هاجر: الجزائر ( 2009 / 4 / 1 - 13:13 )
العنوان يعبر عن فهم عميق لطبيعة الأزمة العربية الراهنة وبخاصة الفقرة الأولى استطاعت الكاتبة الجميلة أن تضع يدها على السياق التاريخي لكن للأسف متن المقال سقط في عموميات لا أعلم إذا كانت أشواق تمارس نوع من الرقابة الذاتية أم هو القصور النظري .لقد أشارت الكاتبة إلى ذلك التحول الذي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر، أي مع ما اصطلح على تسميته بالنهضة العربية،اي محاولة الانتقال من دولة الخلافة إلى الدولة القومية العصرية وما رافق ذلك من ملابسات تاريخية داخلية وخارجية أثرت على المسار التاريخي الطبيعي لذك التحول حيث تم تقسيم تركة رجل أوروبا المريض إلى كيانات مصطنعة يستحيل بقاؤها واستمرارها إلا في ظل التبعية وبعد الاستقلال استمرت نفس الفئات تسيطر على السلطة السياسية وليس على الدولة كما قالت الكاتبة لأننا نحن العرب نملك سلط و ليس دولا هذه الفئات القابضة على السلط السياسية أصبحت الآن جزءا مكملا للهيمنة الخارجية من هنا أهمية عنوان الكاتبة، يصبح بذلك الصراع داخليا و ليس خارجيا ولهذا يعد ضربا من العبث الحديث عن حكم صالح أو تنمية مستقلة أو ديمقراطية أوحقوق إنسان في ظل هذه الفئات ،بل يجب أن نكشف عن العلاقة السرية التي تربط هذه الفئات مع الكيان الصهيوني و الهيمنة الأمريكية هذا هو الثالوث الذي يهيمن

اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24