الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتصالح الحكام العرب؟

عادل حبه

2009 / 4 / 2
حقوق الانسان


على هامش مؤتمر الدوحة :
تكاد تكون هي المرة الأولى في كل تاريخ مؤتمرات القمة العربية أن يشير ممثل أحدى الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وهو السيد نوري المالكي، بمفردات سياسية لم يعهدها كل الحكام العرب. ففي معرض حديث السيد رئيس الوزراء العراقي عن الوضع في العراق أشار إلى أن:"العراق تحكمه اليوم مؤسسات دستورية وتحترم فيه حرية الرأي والتعبير والمعتقد ، طوى والى الابد صفحة الماضي الأليمة التي كان يتحكم فيها الشخص الواحد والحزب الواحد....ونجاحنا على طريق الديمقراطية والتعددية واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة ، تعزز وترسخ بإنقاذ البلاد من هاوية الحرب الطائفية بعد تصدينا الحازم للإرهابيين والخارجين عن القانون في جميع محافظات العراق دون النظر إلى انتماءاتهم السياسية والمذهبية وهو ما زاد في تعزيز ثقة جميع مكونات الشعب العراقي بحكومة الوحدة الوطنية التي أثبتت عمليا أنها تضع مصلحة العراق فوق جميع الاعتبارات". ولقد كانت إشارة السيد نوري المالكي إلى موضوعة الديمقراطية هي إشارة تدل على ما وصلت إليه العملية الديمقراطية الفتية في العراق، وهي نغمة "نشاز" في هذا الجمع غير الديمقراطي وغير المنتخب من قبل الشعوب العربية. ويكاد يكون السيد نوري المالكي هو الوحيد من بين الحكام العرب من تولى المسؤولية في بلاده عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة.
إن تطرق السيد رئيس الوزراء العراقي إلى موضوعة الديمقراطية بدت غريبة على أسماع الحكام العرب الذين شاركوا في مؤتمر القمة العربية الأخير، وبعضهم يعتبر هذه المفردة غريبة على "التقاليد" و"كفر بالقيم العربية والأسلامية". ولذا وحفاظاً على كرسي الحكم فهم لا يتفوهون بهذه المفردة ولا يقربوا منها أو حتى لا يفهمونها. ولربما أثارت هذه المفردة غيض هؤلاء الحكام أيضاً لأن غالبيتهم الساحقة لم يتربعوا على كرسي الحكم عبر إرادة شعبية كما حصل في العراق بعد الإطاحة بالطغيان عام 2003. فالرئيس الحالي للقمة العربية أمير قطر تسلط على الحكم بعد أن غدر بأبيه وأزاحه عن منصب الإمارة منتهزاً فرصة مغادرته البلاد بزيارة رسمية. أما الوفد العماني الجالس على يمين الوفد العراقي، فإن سلطان هذه الإمارة تسلم الحكم هو الآخر بعد أن أزاح أبية من منصب سلطان عمان. واستولى جمع غفير من الحكام العرب والأنظمة التي يمثلونها على السلطة عبر انقلابات عسكرية وليس عبر صناديق الانتخابات. ففي موريتانيا وليبيا ومصر والسودان وسوريا واليمن وجزر القمر والصومال قامت الأنظمة فيها بعد انقلابات عسكرية وليس عبر عملية ديمقراطية وعبر صناديق الانتخابات. أما الأنظمة الأخرى فهي أنظمة عائلية ليس للمواطن فيها أي دور في انتخاب رموزها. ففي الكويت والبحرين والعربية السعودية والمغرب والأردن، تحتل الأسرة الحاكمة في غالبيتها كل المناصب الحساسة من رئاسة الوزراء إلى وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، ناهيك عن منصب الملك أو الأمير الحاكم الذي يتمتع بصلاحيات لا تصمد أمامها أية تشكيلات وهمية لممثلي مجلس الأمة أو الشورى أو النخب العشائرية فيها.
وهكذا أصبح الهم الأساسي لغالبية المشاركين في هذه القمم هو ليس النهوض بالعالم العربي حضارياً وقيام أفضل العلاقات بين الشعوب العربية، بل كيفية الحفاظ على المواقع الشخصية لهؤلاء الحكام وبقائهم لأطول فترة على رأس الأنظمة العربية. ولا يمكن تفسير النص الخاص في إعلان الدوحة حول السودان إلا ّ في إطار الدفاع عن شخص عمر البشير وأمنه وهو المتهم بأخطر التهم الجنائية. فلم يشر الإعلان بأي حرف عن الشعب السوداني والكوارث التي جلبها عمر البشير لهذا الشعب المغلوب على أمره ولا عن جرائمه ضد السودانيين في دارفور، وإليكم النص:" نؤكد على تضامننا مع السودان ورفضنا لقرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بشأن فخامة الرئيس عمر حسن احمد البشير ودعمنا للسودان الشقيق في مواجهة كل ما يستهدف النيل من سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه ورفضنا لكل الإجراءات التي تهدد جهود السلام التي تبذلها دولة قطر في إطار اللجنة الوزارية العربية الأفريقية وبالتنسيق مع الوسيط المشترك للامم المتحدة والاتحاد الإفريقي والتي نؤكد دعمنا وتأييدنا لها من اجل احلال السلام في دارفور". وهكذا تحولت القمم العربية والجامعة العربية وخلال كل تاريخها إلى حامية للمستبدين والطغاة بدل أن تتحول إلى مدافع عن الضحايا من شعوبنا العربية، وأن تستجيب لطلب المنظمات الدولية بتسليم البشير إلى القضاء الدولي كي ينظر في التهم الموجهة إليه. وهذا الموقف هو تكرار لما اتخذت القمم العربية من قرارات وتدابير للتستر على حاكمنا السابق صدام حسين. إن مواقف الجامعة والقمم العربية هي مواقف مدانة بقدر ما يتعلق بتسترهم على انتهاكات خطيرة تعرض لها المواطن في البلدان العربية من سجون وتعذيب رهيب وإذابة اجساد المعارضين بالحوامض الكيمياوية وتسميم المواطنين بالثاليوم، وإلى حد استخدام السلاح الكيمياوي ضد المواطنين في بلداننا، والعراق خير مثال، دون أن يرف جفن للمشاركين في القمم العربية ولا أن تهتز مشاعر موظفي الجامعة العربية حيال هذه الجرائم.
ومن الطريف ولأول مرة في تاريخ القمم العربية يشير بيان الدوحة إلى ضرورة الاهتمام بمصير الأطفال والشباب العرب، وهو أمر غريب، كما ورد في بيان الدوحة الأخير حيث جاء فيه:
" * نؤكد على أهمية التنشئة الاجتماعية القويمة للطفل العربي وإبراز هويته الوطنية عبر تطوير منظومة قيمية تنشئ الطفل العربي على الوعي بهويته وتغرس فيه اعتزازه بوطنيته وانتماءه الى عروبته وفخره بها وبتراثها وأمجادها وإسهامها في تطوير الحضارة الإنسانية.

* ندعو إلى إتاحة الفرص أمام الشباب لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في حياة المجتمع وتوفير فرص العمل لهم وإذكاء الشعور الوطني وتعزيز انتمائهم للحضارة والهوية العربية".
ولكن هؤلاء الحكام يخشون من الإشارة إلى المكون الذي يشكل أكثر من نصف المجتمعات العربية، والذي يتعرض إلى أسوء أنواع التمييز في العمل والمناصب والتهميش والانتهاكات وطغيان الأمية بين النساء العربيات والزواج المبكر والزواج العرفي الشبيه بالبغاء والختان المشين والاغتصاب حتى من قبل أوليائها، وهي المرأة العربية. فهذه المرأة التي ليس لها أي حضور في كل القمم العربية ولا يوضع كرسي لها كي تجلس عليه، هي التي تحتاج إلى "منظومة قيمية" شأنها على الأقل شأن الطفل العربي. فهي لا تُمَثل في غالبية مؤسسات الدولة ولا تشارك في تحديد مستقبلها ولا تستطيع حتى أن تسافر لوحدها ولا تستطيع حتى قيادة سيارتها في عدد من البلدان المشاركة في هذه القمم. فالمرأة العربية في القمم وفي الجامعة العربية وعند غالبية الحكام العرب ما هي إلاّ مكونات هامشية ملحقة بالذكور شأنها شأن العبيد، لا حول لها ولا قوة ومغلفة بستر وأقنعة سوداء، وهي مجرد مصنع تفريخ وتلبية الرغبات الجنسية الذكورية فحسب. وهذا ما لم تقف عنده القمم والجامعة العربية ومعالجة هذا العبء الخطير وقد دخلنا في القرن الواحد والعشرين.
إن تحويل الجامعة العربية والقمم العربية إلى ميادين لصراعات شخصية بائسة وللمهاترات المعيبة بين الملوك والرؤساء العرب، أو ميادين لمحاور للنزاع والمواجهة بين الدول العربية ومنذ تأسيسها، أو ميادين لتأليه الذات هو ما يعرقل أي مسعى لعلاقات طبيعية بين الدول العربية تخدم هدف النهوض بالواقع العربي المتدهور وولوج طريق القبول بما يفرزه صندوق الانتخابات، وليس هدف التغطية على جرائم بعض الحكام أو تكريس تسلطهم رغماً عن إرادة المواطنين العرب. فالقذافي على سبيل المثال لا يتحدث أو يقترح ما هو مجدي للعرب ولأفريقيا بقدر ما يهتم بشخصه، حيث يشير في مؤتمر الدوحة الأخير إلى:" أنا قائد أممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك افريقيا وإمام للمسلمين مكانتي العالمية لا تسمح لي بأن أنزل إلى مستوى آخر"!!!. إنه لا يناقش مخالفيه بأسلوب حضاري يليق برئيس فريق كرة قدم وليس دولة من دول القرن الواحد والعشرين، حيث أشار في مؤتمر قمة سابق في معرض نقاشه مع غريمه الملك عبدالله ملك السعودية، بل يكيل من الشتائم السوقية كالتي أوردها وعلى النحو التالي في مؤتمر سابق للقمة حيث يقول :" بعد ست سنوات وأنت هارب من المواجهة وأريد أن اقول لك إنك أنت الكذب وراءك والقبر قدامك وانك أنت صنعتك بريطانيا وتحميك أمريكا".
إن إرساء علاقات طبيعية مثمرة بين الدول العربية وتحويل الجامعة العربية إلى مؤسسة لها مكانة إقليمياً وعالمياً، وليس مؤسسة للتغطية على جرائم البشير وأمثال البشير من الحكام العرب، تستدعي بإلحاح أن تنتقل هذه البلدان من ظاهرة الاستبداد والاستخفاف بالرأي العام العربي إلى إرساء أنظمة للقيم والمؤسسات المنتخبة، سداها ولحمتها احترام إرادة الشعب عبر صناديق الانتخابات، واحترام المعايير الديمقراطية الحديثة وتطبيقها وضمان حقوق الإنسان العربي، وتصفية كل مظاهر الاستبداد والتسلط القائمة في الغالبية الساحقة من أعضاء الجامعة العربية. فعند توفر هذه الظروف ستتجه بلداننا نحو المزيد من التنسيق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المثمر، والمزيد من العلاقات الوثيقة والراسخة، وتتحرر شعوبنا من الأمزجة الشخصية الاستبدادية التي دفعت بلداننا إلى طريق الهدر في المال والعقل والانسان وإلى طريق الهاوية والكوارث. وعندها سيحالفنا النجاح تماماً كما يحالف النجاح الآن البلدان الاوربية بالرغم من تنوعها القومي واللغوي والثقافي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عمرو موسى
عبد العظيم ( 2009 / 4 / 2 - 06:21 )
بموجب قرارات مؤتمر القمة يترتب على عمرو موسى الدفاع عن مجرم دولي هو عمر البشير . كنا نجل الحس الوطني في عمرو موسى أما أن يقوم بحماية مجرم قتل من شعبه 300 ألف سوداني فكيف لنا أن نحترم مثل هذه الحماية ؟ ننصح عمرو موسى بالإستقالة لحفظ ماء الوجه وأن يحدد أسباب الإستقالة وهي الدفاع عن مجرم افترض كل رئيس عربي أنه سيأخذ دور البشير

اخر الافلام

.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: الأوضاع في غزة كارثية ج


.. جهاز الشاباك: حذرنا بن غفير والأمن الوطني من استمرار الاعتقا




.. شهادات أسرى غزة المفرج عنهم حول التعذيب في سجون الاحتلال


.. مواجهة شبح المجاعة شمالي غزة بزراعة البذور بين الركام




.. مدير مستشفى الشفاء: وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية صعب ومأ