الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النيروز وأعياد الربيع

نقولا الزهر

2009 / 4 / 4
الادب والفن



لما كنا صغاراً في بلدتنا القديمة (صيدنايا)، كان يقول لنا الأهل في صباح 21 أذار من كل عام: اليوم عيد النيروز . سألت والدي مرة عن هذا العيد ومعناه فقال لي: أهلنا كانوا يقولون لنا أنه عيد الربيع، وفي هذا اليوم كنا نطلع إلى التلال ونتطلع إلى الشمس. وأن هذا العيد هو أربعة أيام: طقس اليوم الأول يدل على مناخ فصل الربيع، وطقس اليوم الثاني يدل على مناخ فصل الصيف، واليوم الثالث دلالة الخريف والرابع دلالة الشتاء.
في كثيرٍ من الأحيان، في أيام النيروز كنا نأخذ معنا إلى التلال بعض البلورات الموشورية من ثرية قديمة غير مستعملة، وننظر من خلالها إلى نور الشمس لنرى ألوان الطيف السبعة: البنفسجي والنيلي والأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر. كنا نظن في مثل هذا العمر أن هذه الألوان السبعة لا تظهر إلا في أيام النيروز وفي قوس وقزح في الشتاء. وفي أيام النيروز كنا نقلع من الضهور والتلال (الحِرْصًنْ) ويقال له أيضاً (الحرصنين)، وهو أبصال صغيرة كروية مغروسة في الأرض مغلفة بأغلفة بنية شبكية متراكبة، ومن الداخل لونها أبيض ناصع ولكنها أطيب من اللوز. وكنا نعرفها من أوراقها البارزة فوق الأرض، وهي أوراق سيفية ضيقة وفيها خطوط خضراء وبيضاء عرضانية متناوبة.
لما انتسبت إلى كلية الصيدلة في جامعة دمشق في عام 1959، كان يدرسنا مادة(الجذور اليونانية واللاتينية)، الدكتور (زهير البابا) أستاذ كرسي علم العقاقير والنباتات الطبية الذي أكن له إلى الآن احتراماً خاصاً. وهو الآن عضو في المجمع العلمي العربي في دمشق أطال الله في عمره. كان الدكتور زهير لا يعطي فقط درساً في العقاقير بل كان يُطعِّم درسَه بالمعارف اللغوية والثقافات المختلفة والأدب والتاريخ. وعلى سبيل المثال، حين وصلنا إلى فصل القنب الهندي(حشيشة الكيف) في كتاب العقاقير، أطلعنا على قصة الشاعر بودلير كاملة وعن كتابه (الفردوس المصطنع) الذي يصف فيه أحاسيس وسلوك الحشاشين بعد تعاطي العقار، ولم ينس ان يعرج على قلعة ألموت وحسن الصباح والحشاشين، واغتيال نظام الملك على أيديهم، وكيف تطورت كلمة الحشاشين وصارت تعني في اللغات الأوربية (القتلة = Assassins).
لنرجع إلى النيروز، فالأستاذ زهير كعادته، بمناسبة شرحه عن (زهرة الربيع= primula ) لم ينس أن يعرج على النيروز، ولأول مرة عرفت من أستاذنا العظيم منشا هذه الكلمة، حينما قال أنها تعني (اليوم الجديد) بالفارسية أو الكردية والطادجيكية(نووْروج= نووْروز)، وروج هنا بعد السابقة نووْ(الجديد) متقالبة لغوياً مع جور الفرنسية (rouj,jour).
لكن معلوماتي عن النيروز ازدادت كثيراً في السجن، وخاصة حين كان يحتفل أخوتنا الأكراد بهذه المناسبة ويقضونها بالرقص والدبكة والغناء ولأول مرة تعرفت على أسطورة(كاوا).
لم أترك مناسبة النيروز في السجن تذهب هباءً، فبدأت أبحث عن أعياد الربيع المشابهة لدى شعوب المنطقة. وأول ما خطر لي في هذا السياق عيد الفصح الذي يحتفل به اليهود والمسيحيون. ففتحت الكتاب المقدس على سفر الخروج/12/ الذي يتكلم على فصح الرب وفي الآية 17 يكلم الرب موسى وهارون عن فصح الرب قائلاً:" تحفظون هذا اليوم في أجيالكم فريضة أبدية. في الشهر الأول في اليوم الرابع عشر من الشهر مساءً تأكلون فطيراً إلى اليوم الواحد والعشرين من الشهر مساءً.
وكذلك المسيحيون يحتفلون بعيد الفصح لأن في هذا العيد كان يجري صلب المحكومين بالاعدام وخلال هذا الأسبوع الذي تكلم عليه التوراة صلب وتألم السيد المسيح. ولكن قبل أن يقبض عليه، وحين دخوله إلى الهيكل كان كل الداخلين معه يحملون بأيديهم باقات من سعف النخيل وأغصان الزيتون(الشعانين). أليست هذه الباقات دلالة الربيع. وبدء الحياة من جديد. وعند المسيحيين يأكلون في عيد الفصح البيض(رمز الحياة) ويصبغونه بالألوان المختلفة. ولغوياً في اللغات السامية والعربية أليس الفصح من (فصح يفصح) يعني انبثاق الأزهار.
وأيضاً في مصر يوجد عيد للربيع يدعونه (شم النسيم) يحتفلون به المصريون ،مسلمون وأقباط، ويخرجون إلى الترع والقناطر والبساتين ويأخذون معهم البيض المصبوغ بكل الألوان، والسمك الفسيخ ويمضون يومهم احتفالاً بالربيع.
ذهبنا في أحد الأيام لما كنا طلاباً رحلة إلى اللاذقية في يوم عيد الجلاء، ولما وصلت بنا الحافلة بالقرب من قرية (صنوبر) على الساحل السوري توقفنا قليلاً. فرأينا أهالي البلدة يحتفلون وعدة دبكات كانت معقودة شباباً وشابات، ولأول مرة سمعت فولكلور اللاذقية الجميل، وسمعت أغنية(وينك ياجفلة). سألتهم إن كانوا يحتفلون بعيد الجلاء ؟ فقال أحدهم :نحن اليوم عيدنا بعيدين. في الأصل هذا اليوم اسمه (العيد الرابع) ومنذ عام 1946 حين جلا الفرنسيون عن بلادنا صرنا نحتفل بالعيدين معاً. ولكن فيما بعد حكى لي أحد زملاء السجن (محمد عمران) عن هذا العيد ولكن لم يكن يعرف لماذا العيد يجري في مناطقهم في 17 نيسان وهو اسمه العيد الرابع. في الواقع يسمى عندهم العيد الرابع فيعني أنه في 4 نيسان، وطبعاً هنا 4 نيسان لم تأت من فراغ: فعيد الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول بحسب التوراة، والشهر الأول في التقاويم القديمة يبدأ في 21 أذار، والرابع عشر منه يحكم في 4 نيسان. أما لماذا يحتفل إخوتنا العلويون بالعيد الرابع في 17 نيسان فهو الفرق بين التقويم اليولياني الشرقي والغريغوري الغربي ومقداره ثلاثة عشر يوماً (4+13).
أما عيد الربيع عند أهل حمص في بلدنا سورية فيدعى (خميس البيض)، ويذهب الحمصيون المسلمون في هذا اليوم إلى ضفاف العاصي والميماس والبساتين ليحتفلون بعيد ربيعهم..
في اعتقادي كل شعب لديه عيد ربيعه وعند الكنعانيين كان مولد أدونيس في أول يوم من الربيع، وفي أساطير السومريين الإله دموزي ولد في عيد الربيع.
ولا نعرف ماهي أساطير عيد الربيع عند الشعوب الأخرى...وأخيراً اسمحوا لي أن أقول : كل ربيع وأنتم بخير أيها الأصدقاء في أسرة الحوار المتمدن: قراءً وكتاباً وإدارةً.
نقولا الزهر
دمشق في 1/4/2009









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما أجمل الذكرى يا أبانسرين
جريس الهامس ( 2009 / 4 / 3 - 20:48 )
سلمت يداك .. تعيدنا دوماً للأصالة النظيفة والمعرفة الصادقة المعاشة النابعة من نقاء ينابيعنا وصلابة جبالنا وطيبة شعبنا الذي يعيش في صدورنا وضمائرنا..من ليس له قديم ليس له جديد , ما أجمل الرجوع والوفاء للجذور نفتخر ونفرح بقلمك وأسلوبك الممتع .. وكل نيروز وعيد فصح وأنتم جميعاً بخير
محبة

اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?