الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرس الثاني في التربية الشيوعية

حسب الله يحيى

2009 / 4 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يطرقن الباب،وهن حذرات..يتلفتن ويدخلن سريعاً قبل دعوتهن دخول الدار.
كان أخي الشهيد يسبقني الى إستقبالهن ومن ثم توجيههن الى غرفة تقابل الباب الخارجي تماماً..
كنت أرقبه،وألحظ إبتسامته التي يرفقها بكلمة أو كلمتين ثم ينصرف.،وكنت أقلده في هذا الاداء.
كان وعد الله يحيى النجار..لايعني بالنسبة لي سوى أنه أخ،أنجبته لي أمي في ليلة مقمرة كما كانت تباهي نفسها،مثلما أنجبتني ذات صباح ممطر..
لا عليّ من ميلاد أخي المقمر،ولا ميلادي الممطر..لكن اللافت التي أثار إنتباهي..أن أخي لايحدق في وجوه النسوة اللواتي يدخلن الى بيتنا،ويشكلن صفا متآلفاً..وهن يتحدثن خلف باب مغلقة في شؤون لم أكن أدرك معانيها جيدا..وقد تبين فيما بعد..وأنا أدخل إليهن حاملاً دائرة الشاي،فاسمع منهن بقايا كلمات تلتقطها أذناي..فأحس بالخوف منها وأسعى لتسليم عدة الشاي وأنصرف.
كانت كلمات منها: النشرة،البيان،ملاحقة الامن،الحزب،الجريدة،الاجتماع،الحذر من الشرطة،الثقة..من اكثر الكلمات تداولاً على ألسنتهن.
كنت أحاول الجمع بين هذه الكلمات..وحين أفعل،أحس بالخوف والملاحقة والحذر والخشية من المجهول.
لم يكن لأخي دور بالرز في هذا التجمع النسوي داخل بيتنا سوى إحترام قدسية هذا التجمع وتوفير الحماية والامن والاطمئنان على سلامته،وتقديم حزمة من الاوراق الى أحداهن..وإغلاق الباب.
كان بي شباب يقظ، نابه ومراقب لكل شاردة وواردة،صغيرة وكبيرة..وكانت بي رغبة للحديث مع هذه الشابة أو تلك.
كنت أجدهن جميلات..كلهن جميلات ولايسعني الخيار لأختيار من بينهن واحدة..كنت أخشى أن يلحظني وعد الله وأنا أحدق فيهن بشكل يدهشني شخصياً..
وقد بدأت هذه الخشية منه،عندما سمعته يهمس برقة لأحداهن وهي تدخل بيتنا.
- إنتبهي الى قميصك.
وتنبهت اليه قبل أن تتنبه اليه تلك الشابة المليحة الوجه والثغر،وهي تمد أصابعها الطويلة المنحوتة الناعمة لتقفل زراً كان قد تمرد عند صدرها وأراد أن يتنفس حريته من دون حذر ولا إستئذان من صاحبته.
منذ ذلك المشهد،بدأت أحذر نظرات أخي،وتحول هذا الحذر الى إحترام..والاحترام الى قدسية ظلت تلازمني..حتى اللحظة وأنا في ختام شيخوختي.
كنت أفكر لوقت طويل وأتساءل:
- هل كان شباب أخي يحذر بهاء الشبيبة النسوية المتألقة..وهل كان صده تعففاً..وهل كان يمثل دور القديس أمامي وأمام شابة لوجهها طلعة الشمس؟
تجرأت مرة وسألته وكانت خشيتي من غضبه أشد عليّ وأكثر وقعاً من جوابه..لكنه طمأنني بهدوء،قال:
- كل من تدخل بيتنا..تعنينا،وهي شرفنا الذي يهمنا جداً الحرص عليه..مبادؤنا تقول أن كل رفيقة من رفيقاتنا..تعني بالنسبة لنا الشرف الذي يميزنا عن سوانا ممن يبتذل المرأة ولا يرى فيها سوى جسداً ورغبة.
فهل نسيء الى أخواتنا..والى أنفسنا،ولعوائلنا..هؤلاء جزء أساسي من وجودنا.
وأحسست به يقول:
- أعرف نظراتك..أعرفك،إحذر..
وأحذر نفسي قبل أن أحذر أخي وعد الله..الذي بدأت أنظر اليه بعيون أخر،وبمنظور أعمق بكثير من الشبيبة التي كانت قد إستيقظت معي.
تنبهت الى حقيقة..لم يصرح بها أخي علناً؛وإنما أدركتها بحدسي وتدبيري ومعالجة الاسئلة والأجوبة التي كانت تحاصرني.
أحسست أنني أكبر من الرغبات التي كانت تشتعل في صدري..وأحسست أن ذلك الاشتعال لايليق بي،وأنني أكبر منه.
وسألت نفسي:
- هل أترفع عن رغباتي،وهل أقتل الرجولة التي كانت تنهض معي سريعاً..وهل أبعد عني عاطفة باتت تملأ وجداني..وهل..وهل؟
وأحتكم الى رأسي الذي راح يثقله الصداع الذي لم يبارحه حتى اللحظة..وأجد الجواب على أسئلتي:
- إذا كان أخي الوسيم والمملوء حيوية ورجولة..لايندفع الى ما أندفع اليه..واذا كانت أمي الصماء تكن لأخي كل هذا الاحترام،واذا كان أبي يتدبر مرضه بالصبر والود والهدوء،واذا كانت أخواتي يواجهن مصاعب الحياة بالخياطة المنزلية والتطريز الذي يمارسنه للحصول على قوت يومنا..
اذا كان الجميع يشعرون بالفخر والاعتزاز والامتنان لأخ..جميله أن يعمل بالخشب كرسياً يتكيء عليه متعب،فلماذا لايتحول هذا الجميل الذي إختاره الى عقل وسلوك يهتدي به؟
كنت أدرك هذه المعاني التي تشكلت لدى أفراد عائلتي..إزاء أخي وهو يخص بالعناية جمعاً من النساء وبمختلف الاعمار..وهن يجتمعن في غرفة تضيق بهن وتمتليء بكلماتهن التي إلتقطت منها الكثير..وبينها ماأفهمه ولا أفهمه،ولكنني في جميع الاحوال أجدني شديد الفضول لسماعي تلك الكلمات..وإن كنت خائفاً منها.
يبتسم وعد الله النجار – الذي هو أخي وبكل إفتخار – وأنا أنقل إليه ماسمعت..ويحذرني بهدوء من دون أن ألحظ فيه لمحة مهما كانت ضئيلة لخوف يملأني.
- إحذر..الكلمات بالنسبة لأعدائنا أمضى من السلاح..نحن لانتسلح بدمار الاخرين،نحن نضيء دروب الناس حتى يتوجهوا الى الخير والعدالة والرفاه.
تجرأت مرة وسألته:
- أنتم تؤمنون بغصن زيتون وحمامة ومطرقة عامل ومنجل فلاح وغابات من الكلمات..كل هذه العدة التي تعملون بها؛هل بمقدورنا مواجهة..طلقة ،طلقة واحدة تنطلق من عدو سيء السمعة إليكم؟
يصغي إليّ كما لو أنني أعظه وأرشده وألزمه برأيي..وعندما أنتهي من الادلاء بأقوالي جميعاً..يبدأ بالكلام:
- نحن جميعاً نعرف..نعرف أن المقارنة صعبة،والخيار أكثر صعوبة..ولكن ألا ترى أننا نحفر ونزرع في الصخر،وفي أشد الظروف صعوبة..الا ترى كيف يمارسون ضغوطهم علينا،ويسيئون الى شرفنا..وكيف يقتلوننا واحداً ..واحداً،وكيف يعمدون الى تشويه صورتنا أمام الناس؟
ألاحقه بجوابي،وأقاطعه قائلا:
-.. وقد نجحوا..وسيواصلون نجاحاتهم.
وبأطمئنان وثقة يجيبني:
- إنتبه،لاحظ الحدائق،كم مرة يقطعون خضرة الارض..ومع ذلك نجد (الثيل) ينمو..ونحن ننمو وليس بوسعهم إقتلاعنا من الارض.
لاحظ..كم يصطادون من أسماك انهارنا..ولكن الاسماك تتكاثر من جديد..ونحن هذه الاسماك.
لاحظ..كم يصدرون من الكتب والصحف والمجلات والفضائيات،ونحن لانملك الا سلوكنا السليم والنزيه الصادق الذي نباهي أنفسنا به.
وأستعدت فجأة تلك اللحظة التي شاهدت فيها أخي وهو يهمس في أذن شابة دخلت بيتنا بالانتباه الى رز قميصها..وما تعنيه تلك الملاحظة السريعة،وكم كان لها تأثيرها العميق في نفسي وقلبي ورأسي..
كنت أصغي الى درس ثان تعلمته من اخي الشهيد..
كنت انظر الى الشرف بمقياس أخلاقي عميق،وكيف أستر لحظة..لتكون كل اللحظات ملك إرادتي التي أحترمها في الآخر مثلما أحترمتها فيّ وفي عائلتي..فأصونها،وذاك هو الشرف الذي ظل الخصوم يعمدون الى تلويثه وتشويه صورته..فلا يفلحون ولا تصل بهم كل السبل إلا الى مزيد من الخيبات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هكذا هم الشيوعيون
حسن الشيخ ( 2009 / 4 / 4 - 17:56 )
الموضوع يعكس تمام اسس التربية الشيوعية وهكذا هم اينما كانوا يلتزمون اسمى القيم رغم كيد الحانقين(ويا رفيق في السودان يقولون عن الشخص الامين والمثقف والنزيه ياخ ده زول تمام لولا انو هو شيوعي( لاحظ هذا الاستدراك)
لك التحية

اخر الافلام

.. قراءة عسكرية.. ما الذي يحدث بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاح


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة اليمين المتطرف برئاسة




.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في


.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال




.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا