الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلا أزهار البساتين!

إكرام يوسف

2009 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


طوال عقود من الاستبداد والفساد والإفساد، خلفت أوضاعا لا تليق بمصر ولا شعبها ولا تاريخها، أظهر رموز هذا النظام براعة في استخدام الخطاب المناسب لكل مرحلة. بداية من الخطاب الشعبوي الذي يغازل جماهير العمال والفلاحين، حتى تحول إلى نكتة لم يتبق منها إلا العبارة السخيفة في كل عيد عمال "المنحة ياريس!"، مرورا بالخطاب بادي زيف الشفقة على "محدودي الدخل"، وصولا إلى نزع قناع الشعبية تماما ـ ومعه برقع الحياء بالمرة!ـ والحديث عن "جذب الاستثمار الأجنبي" ولو على حساب قوت الفقراء. وبعدما كانت حكومات سابقة تتغنى بـ"صناعة كبرى، وملاعب خضرا، وأوبرا..."، ثم "تحقيق الرخاء لصالح كل مواطن على أرض مصر"، وصلنا إلى حكومة لا تشغل نفسها حتى بتبرير مواصلتها توريد الغاز إلى الأعداء، رغم صدور حكم قضائي بوقفه.
ولكن مصر ـ الحقيقية ـ لم تعدم على مدى تاريخها مناضلين شرفاء يحلمون لها ولأبنائهم بالحرية والعدل، دفعوا ثمن ذلك من حرياتهم وأرزاقهم، بل ودفع بعضهم حياته نفسها قربانا لهذا الحلم. غير أن استمرار القهر والقمع، نجح ـ إلى حين ـ فآثر البعض السلامة الفردية ملتحقين بقطار النظام، وانزوى البعض الآخر، إحباطا ويأسا ـ وصل بعدد منهم إلى منتهاه فتخلص من حياته بالانتحار ـ وقفز آخرون من السفينة إلى قوارب التمويل الأجنبي، أملا في تعويض بعض سنوات التضحيات.
غير أن المحروسة "ولَّادة" كما يقول العارفون. فما أن أخذ البعض يراهن على مواتها، حتى باغتت الجميع بمخاض يدوِّي في الأسماع ويبهر الأبصار، و"وقف الخلق ينظرون جميعا، كيف" تدب الحياة من جديد في الرحم الذي لم يفقد الخصوبة عبر آلاف السنين. وبدأنا نشهد حركات احتجاج تبشر بحراك سياسي جارف، تعلقت به آمال المقهورين في مصر وجاراتها. وكانت حركات التغيير؛ "كفاية" وأخواتها أولى علامات المخاض. ورغم استبشاري بمولد حركة كفاية وما أحدثته من تحريك لمياه الأمل الراكدة، إلا أنني ـ مثل كثيرين ـ تخوفت من حصر التغيير في شعار "لا للتمديد.. لا للتوريث" الذي يعني تغيير شخصين بالذات، بينما المطلوب تغيير نظام بأكمله ـ كان وبالا على هذا البلد ـ وليس هذين الشخصين، وأتباعهما، إلا أحدث إفرازاته. وكتبت يومها بعنوان "لا للتمديد، لا للتوريث، ولا الغائبة" أقول ما يقوله كثيرون، من أن تغيير الوجوه ليس له سوى معنى واحد، هو في الحقيقة إطالة عمر النظام باستبدال ورقة محروقة بأوراق نصب جديدة. وأن هؤلاء الأشخاص لا يعتمدون في بقائهم إلا على قوى خارجية تضمن لهم دوام مقاعدهم ماداموا يحققون مصالحها وينفذون أجندتها. وعندما ينتهي دورهم، تستبدلهم "بأشخاص" جدد يضخون دماء جديدة في عروق النظام الجاثم على صدورنا. ومن ثم؛ هناك "لا" غائبة، ينبغي رفعها عاليا وهي "لا للتبعية والعمالة". وتأكدت من صدق ظني عندما خبا اللمعان الإعلامي للحركة التي تضم في قياداتها شرفاء لا غبار على وطنيتهم، بمجرد أن نظمت"كفاية" احتجاجات ضد الأطماع الأمريكية والصهيونية، ولم تعد تقصر هجومها على أشخاص، تمهد قوى الخارج لاستبدالهم بآخرين. وبدا الفارق ملحوظا بين الاستقبال الإعلامي الخارجي الذي حظيت به الحركة في بدايتها عندما كانت ترفع شعار تغيير الأشخاص، وبين التعتيم الذي لحقها بعد ظهور قيادات لها معروفين بعدائهم للاستعمار والعملاء.
وتكرر الأمر مع حركات جديدة: فرغم تنامي الاحتجاجات ضد النظام بين عمال مصانع نسيج المحلة وكفر الدوار، والمنصورة، وكفر الزيات، وعمال الأسمنت، والمطاحن، وحركات الاحتجاج الفلاحية في أكثر من موقع، وبطولات موظفي الضرائب العقارية، والمعلمين، والأطباء، والمهندسين، والمحامين، أساتذة الجامعات؛ تنسحب الأضواء عن هؤلاء وما يقدمونه من خبرات نضالية حقيقية، لتتركز على أبنائا من شباب الفيس بوك والمدونات!. ولاشك أن هؤلاء الأبناء يمثلون أملا يستحق الاحتفاء، لما أظهروه من حماس ووعي وانتماء، يتحدى تسطيح وجدان ووعي الشباب، الذي تقوده دون هوادة مؤسسات الدولة الإعلامية والثقافية. غير أن الاحتفاء بهم لا ينبغي أن ينسينا ضرورة الانتباه إلى أنهم بالفعل مستهدفون. وما الدعوات للسفر والمنح والدورات التدريبية الأجنبية التي تنهال على البعض منهم، إلا وسائل إغواء وتجنيد تستهدف غسيل أدمغتهم، وتوجيه بوصلتها في الاتجاه الخاطئ للتغيير، الذي يصب في مصلحة إطالة عمر النظام، مع تبديل الأشخاص و الأقنعة. ..أزهار البساتين.. انتم الأمل، فلا تسمحوا لهم بحرماننا منكم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أزهار البساتين
أسعد أسعد ( 2011 / 5 / 3 - 02:24 )
وما الدعوات للسفر والمنح والدورات التدريبية الأجنبية التي تنهال على البعض منهم، إلا وسائل إغواء وتجنيد تستهدف غسيل أدمغتهم، وتوجيه بوصلتها في الاتجاه الخاطئ للتغيير،

لم أستطع أن أنسي مقالك و كلماتك هذه التي مضي عليها حوالي سنتين .... لقد أثمرت هذه الدورات التدريبيه يا إكرام ...لقد حصدت أمريكا في 25 يناير ما زرعته بين الشباب المصري
لقد علمتهم أمريكا أن يثوروا و أن يسقطوا النظام ...لكن بناء نظام آخر سيكون شغل أمريكا ...
أين شباب ميدان التحرير ... هل أعطتهم أمريكا مزيد من الفيزات لمزيد من الدراسه ... او هي الآن فيزات سياحة مكافأة علي ما قاموابه
الثورة المصرية ثورة أمريكية ميه في الميه
أنا كنت معترض علي كلامك المعارض لتدريب الشباب في أمريكا .... كنت أعتقد أنهم يتعلمون الديموقراطية و كيف يقودون البلد في الطريق الصحيح ... الآن ستسلم أمريكا البلد للإخوان المسلمين
لقد قتلت أمريكا بن لادن في هذا التوقيت و ستغادر أفغانستان و تتركها لتجار الأفيون و الآن القاهرة ستصبح مركز الخلافة الإسلامية للإلغاء إتفاقية كامب ديفيد و يستمر مخطط برنارد لويس في تقسيم مصر و الشرق الأوسط
تحياتي لك

اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من