الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الديمقراطي 4

طلال احمد سعيد

2009 / 4 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


خلال حقبة طويلة من السيطرة الاجنبيه والحكم الفردي الاستبدادي كان العراقيون يحلمون بأقامه نظام ديمقراطي ، وفي الفترات العصيبة بدا ان تحقيق ذلك الحكم كان ضربا من المستحيل ، حتى سقط النظام الصدامي على ايدي القوات الاميركية ، وكانت تلك العملية بمثابة نقطة البداية كي يجد العراقيون حلمهم قد تحقق وان الطريق امام الحرية والديمقراطية صار مفتوحا على مصراعيه ، وان دور القوى الوطنيه والتقدمية المناضلة هو المساهمة الفعاله بأقامه العراق الجديد الذي طالما ناضلوا وقدموا التضحيات الجسام من اجله .
سقوط النظام جابهة حالة غريبة من الفوضى والهوس الذي سيطر على الشارع العراقي ، واتسم بموجه مجنونه من عمليات السلب والنهب والتخريب تبعه تيار عارم من الارهاب والفساد المالي . ووسط هذه الموجة من الهياج وضياع سلطة القانون وهيبه الدولة عملت القوى الوطنيه وعلى رأسها الشيوعيون والقوى الديمقراطية والتقدمية الى عقد الندوات والمؤتمرات واللقاءات , وذلك بقصد المساهمة في رسم الطريق للعراق الجديد ، وكانت تلك التحركات تدور في نطاق المشروع الوطني العراقي والعمل على تحقيق الحرية والديمقراطية الحقيقة لهذا البلد .
الشعب العراقي الذي خرج من تحت ركام الحكم السلطوي كان متعبا وجائعا ومحطما يفتقد الى القيادة والارادة الموحدة والوعي السياسي بعد سلسلة من الحروب والمعانات وغياب الحريات الفردية طيلة عقود ، وكان المؤمل ان يلعب المحتل دورا في الاخذ بيد العراق نحو الديمقراطية الحقيقية المنشودة ،غير ان الذي حصل ان موجة الاحزاب الدينيه والفكر الاثني سرعان ما سيطرا على الشارع وذلك عن طريق اذكاء النعرات الطائفية والمذهبية والقومية .
ولقد اطلقت العملية السياسية من قبل الاحزاب الوافدة في جو معقد بالغ التوتر حيث جرى طمس المشروع الوطني العراقي وحل محله المشروع الطائفي المذهبي القومي وسارع المسؤولون في العراق الجديد الى اطلاق الممارسات الدينيه والطائفية بشكل غير مسبوق فساد البلاد هوس طائفي ادى الى حالة من التشضي نتجت عنها حرب اهلية غير معلنه ، وكانت تلك الحالة هي البداية التي اوصلت العراق الى وضع لايحسد عليه .
العملية السياسية التي بدأت بعد تشكيل مجلس الحكم افرزت دستورا جديدا في العراق كما افرزت مجلس نيابي تم انتخابه نهاية عام 2005 ومن ثم شكلة حكومة مايسمى بالوحدة الوطنيه منتصف العام 2006 . وكلا من الدستور والبرلمان يعدان بمثابة تشويه للديمقراطية الفتيه ، فالدستور الذي اعد على عجل بشكل غير مقبول جاء ملغوما واصبح السبب لعديد من المشاكل التي تعانيها البلاد ، وهذا الدستور يمكن ان نطلق عليه لقب (ابو البلاوي) .
الدستور اهمل نقطة اساسية وهي تثبيت الهوية العراقية فعندما نقرأ الديباجة ونقرأ ما جاء في المادة (2- اولا فقرة (أ)) انه لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ، وبنفس الوقت نقرأ في الفقرة (ب) من نفس المادة انه لايجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية ، وهاتان الفقرتان تتقاطعان فيما بينهما اذ لايمكن الجمع بين الدولة الدينيه والدولة الديمقراطية . اما فيما يتعلق بالهوية فقد اهملت هوية العراق العربيه بالرغم من ان العرب يشكلون الاغلبية وهذا الامر خلق حالة من الجفاء العربي اتجاه العراق باعتبار ان وضعه اصبح خاصا ، وهنا كان لابد من تصحيح الخطأ الذي حصل بسبب الدستور ، لذلك بادر السيد رئيس الوزراء بتصريح في مؤتمر الدوحة الاخير بأن هوية العراق هي عربية وهذه الهوية عبارة عن خطوط حمراء لايمكن التجاوز عليها . وفي اعتقادنا ان تصريح رئيس الوزراء ان ماهو تعبير عن واقع فالعراق دولة عربية وهو عضو مؤسس في الجامعه العربية ، لكن الغريب في الامر ان يثير هذا التصريح حفيظة الاخوة الكورد ، حيث اعلن السيد رئيس الجمهورية من منتجع دوكان ان ما قاله رئيس الوزراء انما هو خرق للدستور وشدد السيد مسعود البارزاني في تصريح اخر وبنفس المكان قائلا ان رئيس الوزراء لايمكن ان يتجاوز على مكاسب الاكراد عبر الدستور .
الجدل الان صار قائما حول وصف العراق هل هو دولة دينيه ام دولة مدنيه ديمقراطية ، هل هو دولة عربية ام دولة غير عربية ، هل هو دولة موحدة ام دويلات فيدرالية او كونفيدرالية . نحن لانهدف من هذا المقال مناقشة منطويات الدستور العراقي الا اننا نهدف الى الكلام عن المشاكل القائمة بسبب نصوص وردت في الدستور وهي التي تعرقل مسيرة العراق الديمقراطية . في موضوع النفط مثلا اثيرت مشاكل عرقلت عمليات استثمار نفط في البلاد سببها الدستور ، فقد ورد في المادة (111) ان النفط والغازهو ملك الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات ، وهذا النص تتمسك به الحكومة المركزية وتعتبر العقود المبرمة من قبل الاقليم مع الشركات الاجنبيه باطلة ، في الوقت نفسه يتمسك اقليم كوردستان بنص المادة (112) التي تقول (تقوم الحكومة الاتحادية بأدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية .. الخ ) ويفسر الاقليم هذا النص بأن مايستخرج من الحقول المستقبلية (الي مابعد تطبيق الدستور ) هو من اختصاص الاقاليم يضاف الى ذلك مانصت عليه الماده (121 اولا ) . ولقد منعت السلطات في الاقليم من بناء مصفاتين للنفط احداهما في اربيل والاخرى في السليمانيه (كويسنجق) ، والمنع جاء بسبب وقوع المصفاتين ضمن حدود اقليم كوردستان وهي ذريعه غريبة ، ونذكر في هذا الشأن ان دولا كثيرة شيدت مصافي للبترول في دول اخرى بقصد المساعدة والاستثمار، والامور هناك تسير بصورة طبيعيه وكان المفروض ان يتحقق تأسيس المصافي وغيرها خارج الصراعات القومية لان العملية تخدم الجميع لاسيما سكان المنطقة بالذات . وقد صرح السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية بأن العراق خسر بين 6 الى 8 مليار دولار في العام الماضي فقط ، بسبب الخلاف بين الاقليم والمركز حول عقود النفط ، واظاف السيد الهاشمي ان حكومة الاقليم منعت احدى الشركات الهندية المتعاقدة مع وزارة النفط من تطوير حقل كورمور الغازي , كما منعت احدى الشركات الاجنبيه من استغلال حقل خورمالة النفطي في كركوك والذي يفترض ان تكون طاقته التصميميه بحدود مائة الف برميل خام يوميا .
مجلس النواب الذي افرزته العملية السياسية صار حديث الناس ، ولاول مرة في تاريخ البرلمانات في العالم تقوم السلطة التشريعيه بأصدار قوانين تمنح اعضائها امتيازات مالية واعتبارية ، فالرواتب والمخصصات والايفادات ونفقات الحج ومنحه الاراضي السكنيه وجوازات السفر وغيرها كلها اعطيت ضمن قرارات اصدرتها السلطة التشريعيه نفسها ، مقابل ذلك فان هذه السلطة لم تشرع قوانين في غاية الاهمية مثل قانون النفط والغاز وعجزت منذ اربعة شهور عن اختيار رئيس للمجلس والسبب يعود الى المحاصصة الطائفية المركبة فأنه فضلا عن ان منصب رئيس المجلس هو من حصة المكون السني فأن في داخل المكون السني توجد محاصصة اخرى فالمنصب يجب ان يكون من حصة الحزب الاسلامي وهكذا تستمر عملية (جر الحبل) .
اخيرا صرح السيد محمود عثمان وهو نائب عن التحالف الكوردستاني قائلا ان احد اسباب ضعف اداء البرلمان العراقي يعود الى الغيابات والعطل الكثيرة حيث يتمتع اعضاء البرلمان بعطلة امدها 20 يوما بمناسبة الحج ، ومثلها بمناسبة رأس السنه الميلادية ، فضلا عن العطل بين الفصول التشريعيه ، وكذلك السفر خارج العراق المستمر ، والذي طالما تسبب بعدم اكتمال النصاب ، وانتقد السيد محمود عثمان حصول النواب على سيارات محصنه ضد الرصاص سعر الواحدة منها 200 الف دولار لكل نائب ، واذا استعرضنا امتيازات النواب بما فيها الرواتب الخيالية فأننا نخرج بنتيجه هي ان الاخوة لايمكن ان يكونو ممثلين لشعب يعيش فيه 8 ملايين يعانون من النقص الغذائي و4 ملايين يرزحون تحت خط الفقر . ومن المؤسف ان نشير انه في الوقت الذي يحصل فيه النواب على امتيازات مالية فان وزارة الكهرباء اعلنت اخيرا عن الغاء عقود التشييد لمحطات كهرباء في البلاد بمبلغ 600 مليون دولار بسبب هبوط اسعار النفط وعدم توفر التخصيصات الازمة ، والسؤال المطروح امام السيد وزير المالية هو كيف سيوفر الاموال لشراء سيارات مدرعه للسادة النواب ؟؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها