الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الارسي- الوجه الاخر للتجربه

ثامر الحاج امين

2009 / 4 / 7
الادب والفن



عندما تكون وحدك محاطا بالجدران وفي اقامة قسرية ، تزجي الوقت بالاحلام والمخاوف ، فانه من الطبيعي ان تضطرم في اعماقك احاسيس وافكار لم تعهدها من قبل ، حيث من قلب هذا الحصار القسري تتولد الرغبة لدى المحاصر في ان يقاوم وان ينتصر او يستسلم لمصيره المجهول .
هذا شيء من ظاهر رواية "الارسي" للقاص والروائي "سلام ابراهيم" الصادرة عن دار – الدار – المصرية .
ففي "الارسي" التي (اختلطت فيها الاوقات وتداخلت وصارت تشبه بعضها )الرواية ص77 يجد البطل – الراوي – نفسه محشورا فيها ، هاربا من جبهة القتال لمعركة يعتقد انه ليس له فيها ناقة ولاجمل ، ويفضل ان يبقى بعيدا عن جحيمها ينتظر مصيره بعناد متخيلاً لحظة القبض عليه (سيحل دوري عاجلاً ام آجلاً )ص13 ، فبين حصار البطل في "الارسي" وحصاره في الجبال مع الثوار ياخذنا الروائي "سلام ابراهيم" في رحلة تمثل جزء من سيرة ذاتية عاش تفاصيلها ابان ثمانينيات القرن الماضي ، برزت من خلالها ثيمتان في الرواية هما ثيمة" المكان" االمتمثلة ب" الارسي" وثيمة اخرى هي "الجنس" الذي استحوذ على مساحة من مخيلة البطل المحاصر – وهذا امر طبيعي- رغم اننا نشعر في مشاهد ان الراوي ومن خلال استرساله في وصفها انه قد فقد السيطرة على جماح مخيلته الشهوانية ذلك انه غالى في ايراد تفاصيل فاقت حدود الحاجة لها ،
فهو لايتورع عن وصف مشاهد اللقاء الجنسي لبنت عمته مع زوجها وبأدق التفاصيل بدء من تضاريس الجسد وانتهاء بلحظات توهج الروح، كذلك العمة الجميلة الطيبة لم تسلم من سعير تلك المخيلة فهو وان كان يتألم لوحدتها باعتبارها ترملت وهي شابة لكنه ( لاينسى عريها القديم وسطوع بشرتها ، كم تلظت تلك التضاريس الرشيقة في اتون الشهوات واي ليال مضنية تقلب فيها الجسد الناعم على جمر الرغبات المكبوتة )ص33 مرورا بالجارة "نادية" التي كثيرا ماداعبت مخيلته فخذيها اللدنين ( فيجد نفسه متصلب الوسط اطل على مساحة الشهوة المتجسدة في اللحم الشهي ) ص75 منتهيا باللجوء الى طريقته الخاصة لافراغ شحنته .
ان ايراد هذه المشاهد ليس القصد منه سوى تاكيد الثيمة التي اشرنا اليها في مقدمة كلامنا مع استمرار ملاحظتنا السابقة عليها.
جانب اخر من الروايه يتعلق بموقف الروائي من تجربته مع الثوار في الجبال قدمّه على شكل اراء على لسان بطله اراد بها ان يكشف عن الوجه الاخر لتجربته في حركة الانصار من خلال وجوده مقاتلا في صفوفها . فبجرأة فيها شيء من القسوة احيانا باعتباره كان جزءا من تلك التجربة يكشف لنا البطل –الراوى- الكثير من خفاياها والتي لم يجرأ الاخرون على تسليط الضوء عليها او المساس بها بدءً من طبيعة الثوار الذين هم ( خليط غير متجانس من مقاتلين وجنود هاربين من الجبهات ، مهربوا بضائع من المدن الى القرى المجاورة ، خارجين عن القانون ، قتلة ، رجال مخابرات متنكرين ، سياسيون شرفاء وانذال ) ص14 . اذن هي حيادية غريبةلاتتعاطف كما هو المعتاد مع من يشاركونه تلك التجربة والمصير فهو لايضع الشركاء في مرتبة تسمو على الطبيعة البشرية فالمقاتل كما يراه ( انسان يجبن في لحظة حاسمة ويزاحمه في الاكل والملبس والشراب هم ليسوا انبياء) ص15 اضافة الى ماكشفه من سلوكيات شاذة بين المقاتلات (تجري في تواطؤ يفرضه الظلام والحرمان ) ص134 .
هذه المواقف بمجموعها ومواقف اخرى حفلت بها الرواية قدمت لنا بطلا غريبا ونادرا يعيش تناقضا حادا ، او تشعر انه مقذوفا في مناخ وواقع عاجز عن التواصل معه حيث كيف تفسر لثائر يحتمل كل تلك المخاوف والصعاب وهو لايعلم اسباب وجوده هناك (لم هو هنا ؟ لماذا يجري له مايجري) ص132 او بعدما يكتشف ( انني عالجت الداء بالداء) ص25 او حين يصرخ في لحظات الالم لاعناً ( ابو من ورطني بالكفاح المسّلح) ص193 .
بلا شك ان هذه المواقف تفصح عن تناقض في شخصية البطل اضافة الى ما تعبر عن خيبة وهزيمة داخلية وحالة انفصال واضحة مع محيطه ، فهو يستمر بتلك الورطة – كما يطلق عليها – رغم انه ( منذ الايام الاولى تبخرت كل احلام الثورة وكتب اليسار الماركسي) ص24 كما ان هذا المقاتل – البطل – حين ينوء بحمل متاعه وسلاحه ويكاد يحتضر وهو يتسلق بهماالجبال فانه يستمد العزم من حلم اللقاء بالحبيبة وليس من قوة ايمانه بالمباديء التي ذهب من اجلها لهذا المصير ، كما انه كثيرا مايكرر انه لايفكر ( الاّ بجوارها المبهج خلاصا من ورطة الكفاح المسلح ) ص112 ، وتبرز حدة هذا التناقض في قلقه (عندما يفكر بلحظات الموت فأول مايخشاه هو ان يترك زوجته وحيدة بين رجال العصابات ) ص222 كما يسميهم .
وكمحاولة من الروائي لايجاد معادل لشخصية البطل السلبي – اذا شاء لنا وصفه بذلك- فانه يخلق من شخصية الزوجة القوية نموذجا ايجابيا تقف على النقيض من مواقف ومعنويات زوجها – البطل – ففي حوار لها معه حين تحاول شد ازره للقفز على آلام الجروح والحروق تقول له ( الموت لابد منه – لكن ثمة فرق كبير بين ان يموت الانسان وهو يصرخ بضعف وآخر يموت
بصمت ) ص 187 .
لقد استطاع الكاتب ان يبطن رؤيته المتمردة ويمررها من خلال لغة شعرية شديدة الايحاء ، غير متكلفة ،وقدرة سردية نجحت الى حد كبير في مزج الهموم السياسية بالتجربة الانسانية والشخصية ، مقدما لنا عملاً روائيا يعد اضافة طيبة لرصيد الرواية العراقية واضافة نوعية على صعيد المنجز الابداعي للروائي "سلام ابراهيم " .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنانة اللبنانية هبة طوجي في حديث عن الأولمبيا وز


.. شاهد: -ربما يتحركون لإنقاذنا-.. شابة غزيّة تستغيث بالغناء فو




.. عمل ضجة كبيرة ومختلف.. أحمد حلمى حكالنا كواليس عرض فيلم سهر


.. بتهمة -الفعل الفاضح- والتـ.ـحرش.. شاهد أول حديث لسائق أوبر ف




.. من هو نجم العراق الأول اليوم؟... هذا ما قاله الفنان علي جاسم