الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة نتنياهو وخطاب التهديد الإستراتيجي

محمد السهلي

2009 / 4 / 7
القضية الفلسطينية


للمرة الثانية بزعامة بنيامين نتنياهو، يحصل الليكود على الترتيب الثاني في الكنيست ومع ذلك يشكل الحكومة الإسرائيلية. ففي انتخابات الكنيست الرابع عشر (29/5/1996) حصل حزب العمل على 34 مقعدا في حين حصل الليكود على 32 فقط، لكن في تلك الانتخابات تم التصويت على منصب رئاسة الوزراء بشكل مستقل عن عضوية الكنيست وفاز نتنياهو بالمنصب فلم يستفد «العمل» من تفوقه على «الليكود» وشكل حينها نتنياهو الحكومة، واستمرت حتى انتخابات العام 1999، التي سقط فيها نتنياهو أمام حليف اليوم الائتلافي إيهود باراك، رئيس حزب العمل.
وفي الانتخابات الأخيرة (10/2/2009) احتل «الليكود» المرتبة الثانية أيضا، وفي هذه المرة لعبت غالبية تشكيلة الكنيست اليمينية واليمينية المتطرفة الدور الذي قامت به الانتخابات المباشرة لرئيس الحكومة، فتجاوزت الأحزاب ليفني وحزبها «كاديما» الذي حصل على المرتبة الأولى في الكنيست ورشحت نتنياهو لتشكيل الحكومة، وساعده حزب العمل بزعامة (المنافس ـ الحليف) إيهود باراك على إنجاز مهمته والوصول بالتشكيلة الحكومية إلى جلسة الثقة بالكنيست ليصوت 69 نائبا لصالحها (صوت ضدها 45 وامتنع 5) وبذلك تم ترسيم الحكومة الإسرائيلية الـ 32 برئاسة نتنياهو.
من تابع جلسة الكنيست لم يلحظ أنه أمام واقعة تنصيب حكومة جديدة، فحتى أعضاء الكنيست من أحزاب الائتلاف كانوا يتابعون ببرود أصوات المعارضة التي واصلت اعتراضاتها ومقاطعتها لكلمة نتنياهو وهو يعرض لبرنامج حكومته، وكان واضحا أن رؤساء الكتل البرلمانية للأحزاب المؤتلفة قد استنفدوا غير قليل من جهدهم في المفاوضات على ثمن الدخول بالائتلاف، وبحسب التشكيلة المقترحة على الكنيست فإنهم حصلوا على أثمان عالية سواء في عدد الوزراء ونوابهم قياسا بعدد نوابهم في الكنيست، أو بالمنح والموازنات المالية التي تم الاتفاق عليها في سياق التوقيع على الاتفاقات الائتلافية.
ووجد نتنياهو نفسه بعد الاتفاق مع حزب العمل أمام واقع صعب، فقد منح الأحزاب الثلاثة («العمل» ـ «إسرائيل بيتنا» ـ «شاس») 13 وزيرا إضافة إلى وزير آخر لـ «البيت اليهودي» وهو الذي كان يأخذ على أولمرت أن حكومته «سمينة» بوزرائها الخمسة والعشرين، ويفاخر بأنه كان يقود حكومة «ناجحة» قوامها 17 وزيرا فقط. فما الذي سيحصل عليه «الليكود» زعيم الائتلاف الحكومي وفيه من فيه من المستوزرين الذين هددوا بإثارة مشاكل جدية داخل حزبهم بسبب عدد ونوع الوزارات التي منحت لشركائهم في الائتلاف العتيد وأبقتهم صفر اليدين. ليبدأ نتنياهو من جديد ورشة قص وتفصيل وزارات أخرى ليرضي قيادة حزبه .
وبذلك بلغ قوام الحكومة 30 وزيرا وسبعة نواب وزير، وفتح هذا على مداخلات وتعليقات ساخرة من أعضاء الكنيست في المعارضة وهو يعدد أسماء تشكيلته الوزارية المقترحة. وبذلك بدأ نتنياهو، ومنذ بدء مشاورات تشكيل الحكومة يدفع ثمن التشكيلة اليمينية المتطرفة التي وسمت غالبية الكنيست ربطا بنتائج الانتخابات التي تغنى بها واعتبر فوز هذه الأحزاب انتصارا إضافيا له ولحزبه، هذا طبعا قبل أن تقوم الحكومة بأية خطوة عملية أو تحرك سياسي على الأصعدة المختلفة التي تشكل الفضاء الحيوي والضروري لأية حكومة تسعى للقيام بدور يسوغ وجودها على رأس الهرم السياسي.
عرض نتنياهو لأبرز النقاط التي تشكل برنامج حكومته فوعد في مقدمتها «باستعادة الصهيونية». وعندما تعهد بأن تكون «الدولة لجميع مواطنيها وعدم التمييز بينهم على أساس الدين والمساواة بين المسلمين والمسيحيين والعرب والشركس واليهود...» قاطعه النائب العربي في الكنيست عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، محمد بركة قائلا بصوت مرتفع «دعوه يتابع. فنحن سمعناه مرارا يكذب.. وتعودنا على كذبه..».
وكان لافتا لانتباه المتابعين المسارات الثلاثة التي شكلت سياسته في التعامل مع الوضع الفلسطيني في الأراضي المحتلة وهي بالترتيب كما ذكرها 1ـ المسار الاقتصادي. 2ـ المسار الأمني. 3ـ المسار السياسي.
* المسار الاقتصادي: من تابع تصريحات نتنياهو يعرف أنه يقصد بـ «السلام الاقتصادي» التعامل مع الوضع الفلسطيني كما يتم التعامل مع أية بلدية واحتياجات سكانها بمعزل عن الأفق السياسي لأية تنمية مفترضة، وهو لم يخف في كلمته حول هذا الموضوع ما أسماه «المساعدة في التنمية الحثيثة للاقتصاد الفلسطيني وعلاقاته بالاقتصاد الإسرائيلي»، ولا يخفى هنا أن سعي نتنياهو للاحتفاظ بحقيبة المالية لنفسه لم يكن لأسباب تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية في إسرائيل بل الأمر يتعدى ذلك باتجاه المشاريع المستقبلية التي يخطط لها وحكومته القادمة بما يخص الوضع الاقتصادي الفلسطيني، ونحن نعرف أن النشاطات الاقتصادية الفلسطينية الرئيسية تمر عبر البوابة الإسرائيلية وهو هنا يفتح الباب واسعا أمام محاولة تكريس التبعية الاقتصادية الفلسطينية لرأس المال والسوق الإسرائيليين، وهذه خطوة حاسمة للقطع مع إمكانية استنهاض ملامح استقلالية على المستوى الاقتصادي بكافة مجالاته، ومن بين هذه الملامح توحيد السوق الفلسطينية التي تجزئها الحواجز والمشاريع الاستيطانية.
* المسار الأمني: وهو يتحدث هنا عن دعم أجهزة الأمن الفلسطينية بما يمكنها من «محاربة الإرهاب» وهذه دعوة لتحويل وظيفة هذه الأجهزة إلى شرطي يحمي إسرائيل ومصالحها وأمنها دونما احتساب لأمن الفلسطينيين أفرادا ومجتمعا وحفظ أملاكهم وأراضيهم، في الوقت الذي تعكف فيه القوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية على بلورة آليات استعادة الوحدة ومن بينها أسس تشكيل أجهزة الأمن الفلسطينية ومهامها التي ركزت على حماية الوطن والمواطن.
* المسار السياسي: لم يشر نتنياهو في عرض برنامج حكومته إلى «حل الدولتين» ولو مجرد إشارة، وتحدث بدلا عن ذلك عما أسماه «إعطاء الفلسطينيين السلطة المناسبة لإدارة شؤونهم» أما مسألة المفاوضات التي تكلم عنها فلم ترفق بذكر أية مرجعية.
الجوهر السياسي لتحركات الحكومة الإسرائيلية الجديدة تبلور في سياق المفاوضات الائتلافية مع أحزاب «إسرائيل بيتنا»، «شاس» و«العمل» وقام على توسعة الاستيطان في الضفة وتهويد مدينة القدس، ومن الواضح أن إيهود باراك سيواصل دوره في الحكومة الحالية كما في السابقة من أجل تشجيع بناء المستوطنات وتوسيعها وترسيم (شرعنة) ما اعتبرته الحكومة السابقة «بؤرا غير قانونية» مما يعني تحويلها إلى مستوطنات بكل ما يعني ذلك من مصادرات إضافية للأرض الفلسطينية.
ما تحدث به نتنياهو وقدمه كخطوط عريضة لسياسة حكومته (في الجانب الفلسطيني) لا يشكل قطعا مع سياسة حكومة «كاديما» أو انقلابا عليها وهي التي أطلقت الوعود وعملت باتجاه مخالف تماما، وهي (حكومة كاديما) مهدت الطريق بسياساتها المقصودة والمنهجية لترسيم برنامج نتنياهو ـ ليبرمان على رأس الهرم السياسي والحزبي الصهيوني في إسرائيل، ويبدو الأمر أشبه بسباق التتابع في رياضة الجري.
وعلى كلٍ، لم ينس نتنياهو توجيه المديح والإطناب بحق رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت وهذا لا يتعلق فقط بإعلان حربين داميتين على كل من لبنان وغزة، بل وفي الأساس شكر لسياسة فرض الأمر الواقع في الضفة بما فيها القدس بكل ما في ذلك من إجراءات تعيق إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. لذلك لا يستغرب المتابع غياب أو تغييب الحديث عن «حل الدولتين» ومرجعية الشرعية الدولية في برنامج حكومة نتنياهو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز