الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل لأوباما سياسة مغايرة لنهج السياسات القومية؟

ماجد الشيخ

2009 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لا نخطئ إذا قلنا أنّ السّياسات – سياسات الدّول الكبرى تحديدا – لا تتغيّر بتغيّر الأشخاص، كونها تخضع على الدّوام للمصالح الوطنيّة و/أو القوميّة، التي هي بدورها تحدّد معالم البيئة الأمنيّة الثابتة نسبيّا. لكن إسرائيل تبقى هي الثّابت الوحيد في السّياسات الأميركيّة، لجهة الحفاظ على ما يسمّى "الحق في الدّفاع عن النّفس" وكأنّها "الدّولة" المعتدى عليها، لا الكيان المعتدي على الآخرين، كلّ الآخرين الّذين تحدّد "سياسة الدّفاع عن النّفس" أنّهم العدو الّذي ينبغي لمواجهته استمرار الاعتداء عليه بشكل وقائي أو استباقي، أو شنّ حروب موسّعة ضدّه بشكل دوري، على ما فعلت وتفعل إسرائيل طوال تاريخها وحتّى اللحظة.

والرّئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، ورغم أمنياته "التّغييريّة" وما أثير في حملته الانتخابية من آمال بالتّغيير، قد لا يستطيع أن يحقّق منها الشئ الكثير، فتغيير صورة أميركا في الخارج، يحتاج إلى كثير وقت، والأهم إلى سياسات شجاعة، تخرج بها من إطار المغامرات الاستباقيّة والوقائيّة التي اعتمدتها إدارة الرئيس جورج بوش منهجا ,ونهجا دائمين ، إلى اعتماد سياسة تعاون دولي بنّاءة، مع المؤسّسات الدّولية الأكثر موثوقيّة وفاعليّة في معالجة القضايا الدّوليّة، لا اقتصارها على الضّفة الأخرى من الأطلسي، لا سيّما مع حلف الناتو؛ كحلف عسكري يمكن تكليفه بمهام قد "تأنف" الولايات المتّحدة في عهدها الأوبامي الجديد عن القيام بها، وذلك كي تحافظ على "صورة التّغيير" التي نادت بها طوال فترة الحملة الانتخابيّة.

وإذا كان أوباما قد أكّد في خطاب التّنصيب أنّ "العالم قد تغيّر ويجب على أميركا أن تتغيّر"، فكم يبدو ضروريّا نقض سياسات الإدارة السّابقة والانقلاب على سياسة جورج بوش، وإلاّ فإنّ "التّغيير" لن يتجاوز حدودا شكلانيّة، فهل ستسمح "المؤسّسة" الأميركيّة المهيمنة التي ساهمت في إرساء مثل هذا "التّغيير" الشّكلي حتّى الآن، في وضع "سياسات تغييرية" جوهريّة في السّياسات القادمة؛ الاقتصاديّة في مقدّمتها وقضايا السّياسة الدّوليّة، وفي طليعتها تطبيق استراتيجيّة خروج ناجعة من العراق، ومعالجة ورطة أو ورطات الحرب على الإرهاب، والحرب في أفغانستان والمشكلات المحلّية والإقليميّة في باكستان والهند، والأهم متابعة الحوار مع إيران ومواصلة استكشاف آفاق التّسوية السّياسيّة للقضيّة الفلسطينيّة؟.

كلّ هذه القضايا على أهمّيتها، تحتاج إلى إرادة تنفيذيّة؛ لا إلى إدارة تضع نواياها بديلا لسياسات واقعيّة عقلانيّة ممكنة. ولهذا تشكّل "إدارة عمياء" على ما كانته الإدارة السّابقة، قيدا شديدا على الإرادة, وربّما دفعت نحو نسفها وإعادتها إلى الحظيرة؛ حظيرة المؤسّسة المهيمنة، حيث السّلطة الفعليّة العائدة إلى الشّركات الاحتكاريّة، ذات النّشاط الاقتصادي والعسكري وأذرعها من الكارتلات العلنيّة منها والسّرّيّة. هذه التّركيبة الأميركيّة "الفريدة" طالما أمّنت احتياجاتها الإمبراطوريّة، وضرورة الحفاظ على أحاديّتها القطبيّة لقيادة النّظام الدّولي من خلال حروبها السّاخنة كما الباردة، ومن حروبها الاستباقيّة والوقائيّة التي شكّلت ديدن "المحافظين الجدد" الّذين تغلغلوا في دواخل إدارة جورج بوش الابن منذ بداية ولايته الأولى، فكانت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 فرصتهم الّذّهبيّة النّادرة في وضع سياساتهم موضع التّنفيذ، حيث أمّنت إدارة بوش ككل تغطيتها السّياسيّة، وتحمّلت أكلافها الاقتصادية والعسكريّة والماليّة، وصولا إلى انفجار فقاعات الاقتصاد الافتراضي، قبل أربعة أشهر فقط من نهاية الولاية الثّانية، ناشرة أزمة اقتصاديّة عالمية هي الأقسى منذ العام 1929.

هذا يعيدنا إلى إطار من المقارنة والمشابهة بين أوباما ونواياه "التّغييريّة"، وفرانكلين روزفلت الّذي ورث سلطة الإدارة مباشرة، في أعقاب الكساد الكبير ذاك العام (1929)، حيث جرى اعتماد سياسات تدخّليّة، يجري الآن محاولة اعتمادها للخروج بذات النّتيجة التي استطاعت إدارة روزفلت أن تحقّقها، لكن بعد أن وضعت الولايات المتّحدة يومها كامل طاقاتها بين أيدي المجمّع الصّناعي العسكري، وهو أحد أعمدة السّلطة الفعليّة في الولايات المتّحدة؛ أحد الأعمدة الفاعلة الّذي يتحمّل اليوم قيادة عولمة اقتصاديّة هائلة عبر القارّات.

وإذا كانت علاجات أزمة العام 1929 وما تلاها، قد تحقّقت وبشكل رئيس، بفعل الحرب العالميّة الثّانية، حيث أتاح دخول الولايات المتّحدة إلى معمعانها، إخراج الاقتصاد الأميركي من حال الرّكود والكساد، ومن ثمّ تسليم مقدّرات البلاد إلى رموز المجمّع الصّناعي العسكري والاقتصادي، الأمر الّذي استمرّ وتواصل حتّى الآن؛ فإنّ هذا المجمّع الّذي ازدهرت أدواره طوال حروب الإدارة الأميركيّة المتعاقبة، والتي كان آخرها ما تجسّد في حربي أفغانستان والعراق، وعبر الحروب المتواصلة ضدّ الإرهاب. هذه الأدوار السّابقة؛ ربّما شجّعت الإدارة الجديدة لاعتمادها أو اعتماد بعضها، خاصّة لجهة ما توفّره من عقود بمليارات أو ربّما بترليونات الدّولارات على مدى سنوات عديدة، يمكن أن توظّفها في محاولة الخروج من الأزمة الماليّة، وإعادة معافاة الاقتصاد الأميركي.. ولو على حساب دول أخرى.. أو من أرصدتها.

ولأنّنا لسنا في مواجهة إدارة "تغييريّة" حقّا، أو تمتلك تصوّرات واضحة لمثل هذا التّغيير، وإن لم نعدم أو نتجاهل نواياها، فإنّ إدارة كهذه لا يمكنها أن تقطع بالمطلق، مع إمكانيّة خوض أو الدّخول في وحول حرب أو حروب جديدة، تحتّم سباقا تسليحيّا جديدا، سوف يرتّب اعتمادات ماليّة هائلة. حتّى في حال خيضت تلك الحروب المحتملة، القادمة، بالواسطة – عبر قوّات حلف شمال الأطلسي، على ما هو الحال في أفغانستان الآن، وليس مباشرة عبر القوّات الأميركيّة؛ فإنّ اعتماداتها الماليّة قد تكون أكبر، ما يعني دخول الولايات المتّحدة في مأزق مضاعف؛ فلا هي تكون قد استطاعت الخروج من الأزمة الماليّة، ولا هي تستطيع أن تتفادى نذر حروب جديدة؛ يمكن تجاوزها بالتّعاون الجاد والحقيقي مع القوى الدّوليّة الأخرى. وهذا التّعاون لا يمكنه أن يكون كذلك، إلاّ إذا كانت نوايا هذه الإدارة جادّة حقّا في إرساء مثل هذا التّعاون، مع المؤسّسات الحقوقيّة والقانونيّة والإنسانيّة الدّوليّة، ومؤسّسات الأمم المتّحدة ومجلس الأمن، وليس مع قوى التّحالف الأطلسي فقط، كأداة عسكريّة لا بدّ منها كذراع أو كعصا في يد إدارة باتت تأنف من استعمال قواها العسكريّة بشكل مباشر، حتّى تثبت لنفسها وللآخرين أنّها إدارة "تغييريّة" فعلا، وهي لذلك قد تعتمد سياسات مواربة بديلا لتلك السياسات الواضحة، التّغييريّة حقّا.

باختصار.. الولايات المتّحدة بحاجة إلى شركاء لحل القضايا العالقة، ولإيجاد حلول فعليّة للأزمات، وليس لواجهات تزعم الإدارة الأميركيّة وتدّعي شراكتها لتنفيذ سياساتها الخاصّة؛ السّياسات الإمبراطوريّة إيّاها، ولكن بقفازات حريريّة.

وفي كلّ الأحوال؛ من الطّبيعي أن يؤدّي التّداعي الراهن للنظام المالي الدّولي إلى إضعاف قدرة الهيمنة، وبالتّالي تسريع الانكفاء الغربي - الأميركي – تحديدا، وهذا يعني اتجاها متسارعا لإعادة تشكيل العلاقات الدّوليّة باتّجاهات متعدّدة الأقطاب، تتيح تماسك هذا النّظام وإعادة تنظيمه بعد سنوات من "الفوضى الخلاّقة" وبريقها الّذي أعمى أبصار المحافظين الجدد ومن سار في ركبهم، ممن استظلّوا إدارة الرئيس جورج بوش منذ ولايتها الأولى، وها هم يتفرّقون، إن لم يستطيعوا إعادة لملمة صفوفهم والانبثاث ربّما من جديد في ثنايا سياسة الإدارة الجديدة، التي تحاول مرّة أخرى، ومن جانبها أن تستعيد مقولة "احتكار التّاريخ" واحتكار "الرّواية الكبيرة" أو السّرديّة الكبرى حسب تعبير هوبير فيدرين الوزير الفرنسي السّابق للشؤون الخارجيّة. لهذا يشكّل استمرار الأوهام وصيرورتها سياسات؛ واحدة من ضروب الخداع والاحتيال على الواقع من أجل فرض أمر واقع جديد، يكرّر أخطاء الماضي ذاتها، ولكن بصورة محدّثة، تبدو جديدة فيما هي في الجوهر ليست كذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن