الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم الهجرة الى واشنطن

جهاد الرنتيسي

2009 / 4 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


تأخذ دراماتيكية المشهد السياسي منحى استكشاف الآخر ، مع اقتراب بدء موسم هجرة القادة العرب الى واشنطن ، في محاولة للتعرف على طريقة تفكير الادارة الاميركية الجديدة ، والتأثير في قراراتها المقبلة .

فلم يتح سياق التحرك الاميركي في المنطقة ، وتصريحات الرئيس باراك اوباما منذ وصوله الى البيت الابيض ما يكفي لرسم صورة واضحة للسياسة التي سيتبعها سيد البيت الابيض .

والى جانب هذا السبب هناك عوامل عديدة تقف وراء انشداد الطبقة السياسية العربية وراء استكشاف وجهة النظر الاميركية .

ابرز هذه العوامل حساسية الظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة .

ولا يقل خطر التغلغل الايراني الذي يكاد ان يدخل طور مشاركة بعض العواصم العربية قرارها السياسي عن المخاطر التي تتهدد مستقبل القضية الفلسطينية .

كما تشمل القضايا التي تتطلب توضيحات اميركية حول موقف واشنطن من مسألة احلال الديمقراطية في العوالم العربية المتنافرة في سياساتها الخارجية والعاجزة عن القيام باصلاحات حقيقية تحد من نمو قوى الشد العكسي التي تتهدد مشروع الدولة العربية الحديثة .

قد يكون الموقف من عملية السلام في المنطقة ابرز النقاط الغامضة في منظومة افكار التغيير التي تتحدث عنها الادارة الاميركية الجديدة .

وكلما مر مزيد من الوقت على اداء الادارة الاميركية يتضح انها اكثر ميلا الى اتباع سياسة ادارة الازمة بدلا من اتخاذ مواقف حاسمة تجبر الجانب الاسرائيلي على اتخاذ مواقف جدية لتحريك عملية السلام .

فالخطوة الاولى التي قام بها الرئيس اوباما لدى دخوله الى البيت الابيض تعيين جورج ميتشل مبعوثا لعملية السلام وارساله الى المنطقة ليشيع اجواء تفاؤل لدى المفاوض الفلسطيني .

وتراوحت التصريحات التي ادلى بها ميتشل وتصريحات وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون حول حل على اساس الدولتين بين الوضوح والخجل .

هذه المراوحة تبقى كافية لاثارة شكوك صانع القرار السياسي العربي حول جوهر الموقف الاميركي لا سيما وان هناك امكانية لوضع التصريحات الاميركية المؤيدة لحل الدولتين في سياق التجاوب مع تاكيدات معسكر الاعتدال العربي على هذا الخيار .

كما عززت ردة الفعل الاولية الاميركية على التنصل الاسرائيلي من اتفاق انابوليس الشكوك التي تنتاب قراء الخط البياني لتصريحات اركان البيت الابيض .

ففي تعليقه على تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان قال احد مرافقي اوباما الى مؤتمر العشرين في لندن ان الادارة الاميركية ما زالت مع حل الدولتين .

مصطلح " مازال " الذي تضمنته عبارة المسؤول الاميركي رفيع المستوى وضع العديد من الاوساط السياسية في المنطقة امام احتمالات حدوث تغيير في الموقف الاميركي المعلن تجاه خيار الدولتين .

فالمعروف عن التفكير السياسي الاميركي اغراقه في البراغماتية وضبط الايقاع على المتغيرات .

والمتغيرات التي تشهدها المنطقة تدفع باتجاه زيادة صعوبة التوصل الى حل للقضية الفلسطينية على اساس الدولتين في المدى المنظور .

في بيانها الختامي حاولت القمة العربية التي عقدت في الدوحة مواجهة التهرب الاسرائيلي من عملية السلام بتجديد تأكيدات العواصم العربية المتكررة على الاطار الزمني للمبادرة العربية .

الاشارة الى مثل هذا الاطار تنطوي على نزعة رفضوية ، تغازل الشارع العربي الناقم على التداعيات المتلاحقة ، و تعفي الانظمة العربية ذات الصوت العالي من بعض التزاماتها ، كما تمنح انظمة الاعتدال السياسي هامشا مؤقتا للمناورة .

لكنها في المقابل تكشف عن متناقضات ومتضادات يصعب اغفالها لدى معاينة المشهد السياسي العربي من زاوية عملية السلام مع اسرائيل .

فالجانب الاسرائيلي الاكثر قدرة ومرونة من الجانب العربي حين يتعلق الامر باستثمار الوقت الضائع الذي يمكن ان يوفره بقاء المبادرة على الطاولة .

كما يكشف الاطار الزمني ـ الذي جاء كصيغة توفيقية بين المطالبين بسحب المبادرة والراغبين ببقائها ـ عمق الخلاف العربي حول السياسات التي يفترض اتباعها في التعامل مع عملية السلام .

وتصريحات قوى الممانعة ـ بعد صدور بيان القمة ـ التي تصف المبادرة بـ
" الميتة " لا توحي بطول بقاء صيغة الاطار الزمني لا سيما وان مبررات الوصف مرتبطة بتشكيلة حكومة نتنياهو غير المعول على مضيها في عملية السلام .

الا ان صيغة التمرد التي تستخدمها قوى الممانعة تفتقر للروافع اللازمة للرفض في ظل غياب البدائل .

ولا يقل المطب الايراني من حيث قوة حضوره في المحادثات المتوقع ان يجريها القادة العرب عن مأزق عملية السلام .

فالرياح التي تهب على العلاقات الاميركية ـ الايرانية منذ وصول اوباما الى البيت الابيض تعزز شكوك الجزء الاكبر من النظام الرسمي العربي حول اثار الترتيبات المحتملة بين واشنطن وطهران على اوضاع المنطقة .

وفي حديث اوساط النظام الرسمي العربي عن المخاوف والشكوك يلتقي التصعيد الذي تشهده البؤر العربية الساخنة ـ لبنان والعراق وفلسطين ـ منذ سنوات مع متطلبات الهدوء وانعكاساته .

معظم هذه الاوساط يتعامل مع التوترات الامنية والاعتداءات التي جرت في البؤر الثلاث باعتبارها معارك تصفية حسابات بين طهران وواشنطن .

وللربط الذي تدفع المنطقة العربية فواتيره من دماء ابنائها ما يبرره لا سيما وان مواعيده متلازمة على الدوام مع تزايد الضغوط الدولية على ايران لوقف برنامجها النووي .

صانع السياسة العربي الذي حاول خلال الاعوام الماضية الحد من اثار التعامل الايراني مع المنطقة باعتبارها رهينة يمكن استخدامها في ابتزاز المجتمع الدولي واضطر الى التعايش مع هذا الوضع الشاذ يخشى المحاولات الايرانية لتغييبه .

خشية النظام الرسمي العربي لم تأت من فراغ ، فالملفات العربية الساخنة مرشحة لان تكون على اجندة الحوار الاميركي ـ الايراني الذي تتفاوت دوافع ترقبه في مختلف المنطقة والعالم ، وهناك ما يكفي من المؤشرات التي تتجه نحو محاولة طهران استغلال الضعف الاميركي لتكريس مكاسب على حساب العرب .

وفي هذا السياق تأتي المحاولات التي تقوم بها طهران لتهميش الدورين السعودي والمصري .

الا ان الامر يبدو مختلفا لدى قراءة المشهد الايراني من زاوية انعكاساته على السياسة الاسرائيلية .

فقد وجد الجانب الاسرائيلي في الجدل الاقليمي والدولي حول الخطر النووي الايراني فرصته للتغطية على التهرب من عملية السلام .

ولم يواجه نتنياهو صعوبات تذكر في التقاط طرف خيط الخطر الايراني والغزل عليه لحشد التاييد الداخلي وابعاد نظر المجتمع الدولي عن سياساته المقبلة ودفع المجتمع الاسرائيلي نحو مزيد من التطرف .

الغزل الاسرائيلي يقابله غزل ايراني مماثل حيث يجد ملالي طهران في تصريحات نتنياهو ونزوع المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين فرصتهم لتغذية التطرف الايراني الذي يمنح الحكومة الايرانية غطاء سياسيا ويحد من ظهور اصوات معارضة .

الا ان حلفاء ايران العرب يتجاهلون رقصة التانغو " الاسرائيلية ـ الايرانية " ويصرون على التحالف مع طهران حتى لو تحول العمق الامني العربي الى عشب تدوسه الفيلة في لحظة كباش .

ولا يمكن للزائر الرسمي العربي لواشنطن تحييد الظلال الثقيلة لازمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير مع المحكمة الجنائية الدولية .

فالقضايا الداخلية العربية المتشعبة والمتشابكة في معظم الاحيان قادرة على تفريخ الازمات بشكل مستمر .

وقضية الاقليات احدى القضايا التي تنتظر الحلول في معظم الدول العربية المتنوعة سكانيا وان كانت ظاهرة في بلد دون الاخر .

كما ان ملف الرئيس البشير الذي يتعامل معه الرسميون العرب بحذر الذي يخشى تحمل تبعات التعاطف مع نظام ملاحق قانونيا ينطوي على ابعاد اخرى تشمل قضايا الحريات وحقوق الانسان .

وتعني هذه الابعاد من بين ما تعنيه احتمالات اعادة وضع قضية الاصلاح السياسي في الدول العربية على الطاولة .

بذلك يتشعب القلق المصاحب لمحاولة استكشاف طريقة التفكير الاميركية الجديدة الى عدة اتجاهات بينها ما هو داخلي وما هو خارجي ليعكس حالة الضعف المستشرية .

وفي هذا الضعف ما يبقي الحالة العربية خارج دائرة التأثير ، ويغري العقل الغربي بقبول حقائق جديدة على الارض ، تهدد في مجملها بتصفية القضية الفلسطينية ، واعادة ترتيب المنطقة على اسس جديدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة