الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق.. سيزيف بثوب جديد - هذيان الفرح والحزن

هادي الخزاعي

2004 / 4 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لمن لم يسمع بسيزيف, فهي ببساطة أسطورة أنسانية تحكي صراع البطل سيزيف الذي كتب عليه عقابا فريدا, وهو أن يحمل صخرة كبيرة من أسفل الجبل الى قمته لتستقر عليها , وبنجاحه في هذا الأمتحان, تستقر له الحياة وتهدأ. غير أن عمر سيزيف لم ينجح في مسعاه رغم ما بذله من جهد جبار, فلحظة وصوله بالصخرة الى قمة الجبل, وقبل أن تستقر سرعان ما تتدحرج الى أعماق الوادي, فينزل اليها ليحملها من جديد الى القمة, وهكذا دواليك, كلما أقترب سيزيف من بلوغ مرامه تتدحرج صخرته المستعصية الى أسفل, وبرؤية أفتراضية تتطلبها حكمة الأسطورة, فأن سيزيف لا يزال الى اللحظة حاملا صخرته, الى القمة المستحيلة التي تعبر عن عقاب الهي لسيزيف.
وانت .. أأنت العراق أم سيزيف ؟!
فمذ عرفناك في كتب التأريخ وشهادة الميلاد .. منذ الأجداد أوتونابشتم وانكيدو وكلكامش الذي أراد لنا الخلود, تدحرجت صخرتك الأولى وهي على جرف الفرات.. آه من شهوة النوم يا كلكامش.. آه من الشهوات.. ألم تسعفك مشورات أوتنابشتم, أم أنه المشتهى.. لعنتي الأبدية على جميع الأفاعي.. لعنتي المستديمة على الأفعى التي سرقت أكسير خلودي..لعنتي المتجددة عليها في كل ربيع وهي تستبدل جسدها بجسد جديد, كان يمكن ان يكون جسدا لي ولأطفالي , ومن قبلي امي وابي وجدي..
يقال قبل هذا أن هناك في ثراك يا عراق.. في بصرتك الثغر, تنغمس جذور شجرة أبونا آدم, تلك الشجرة التي حملت ثمر المعصية التي أنزلته الى الأرض من الرياض, وذات الأفعى كانت الوسيلة التي وهبتنا للشهوات, فأقتتل هابيل وقابيل, ومنها صار للعراق ثلاث من الأنهار.. دجلة والفرات ونهر مجنون بالدم.. أسمه نهر الشهوات.. الذي كلما قارب الجفاف, تتدحرج صخرتك.. فتتفجر ينابيع الدم, ليفيض على الناس بالآلام والأحزان.. وها هي الصخرة القضاء تتدحرج من جديد..
لا تبرحي بوابتك يا عشتار, فالآلهة ساخطة على تموز, وأنليل لا يدرك البكاء, فمن التراب خلقنا والى التراب نعود.. هكذا كان يردد أقنان بابل..
يمتطينا البرد.. يجتاحنا الجوع.. نتذلل للموت أن لا يطرق بابا, رغم أن بيوتنا مشرعة بلا أبواب.. يطرقها الطاوي بأي ساعة يشاء, نتقاسم وأياه اللقمة بلا منة.. وعند الوحشة ساعة يختفي القمر, يغشاها الغازي..فيفيض الدم على الشرايع, ويسود الحزن على المرابع.. لانواح ولا دموع يا أمة الله.. ألا تسمعي صوت المنادي..حيا على الصلاة حيا على الجهاد.. فهاهي صخرة القدرالكامن في مرابع جماجم السعالي تتدحرج من جديد...
لا مسلة من الشهوات حمتنا.. ولا جنائن معلقة أو ملوية من القيعان أنهضتنا.. فكلما قمنا, كانت السيوف.. كانت الرماح.. كانت النبال والخناجر.. وبين هذي وتلك كانت الرايات تحتكم, فضعنا بين الشام وكربلاء.. بين الربذة والفلاة.. ما حمتنا, لا السقيفة, ولاالمصاحف على رؤس الرماح...
وها أنت اليوم يا عراق, تتدحرج صخرتك من جديد.. ليفيض نهرالشهوات..
فلا تبكيني يا فرات بنواحك الحزين, لئلا يصحو دجلة من رحلة الألف عام.. فما بغداد قد أستفاقت بعد من طعن خناجر البرامكة ولا سنابك خيل المغول أو التتار...
أيعقل يا عراق انا بنوك نبقى مهزومين من كل الجهات.. نشد على بطوننا الحزام.. نتحسس على الدوام رقابنا خوفا من الأقصاء.. أم انها الشهوات...
منذ آلاف السنين ونحن بنوك يا عراق كالجمال, نحمل على ظهورنا الذهب ونعتاش على ما تجود به القفار.. وعندما نتوجس قولة اللا , تذوب في أحشاءنا ذؤابات الخناجر, وترتد يا عراق كسيزيف بسمال مثقوب من جهة القلب الى أسفل القاع تحمل من جديد صخرة الخطايا...
منذ عام , كانه الألف عام, أفلحت يا عراق بصخرتك تخطو صعودا شبر اثر شبر..أيه يا أشبار المسافات الحزينة.. كم قبر لبراءات الرجال ولعب الأطفال عثروا فيك.. كم جمجمة مثقوبة من الخلف مرتين جمعنا.. خصل الشعر وجدائل النساء لا تعد ولا تحصى.. ضاعت بين الشبر والشبر فرحة وصولك بالصخرة الى المنتهى.. وقبل أن تستريح ونستريح دعنا نمسح الدموع التي تابى أن تشربها السماء...
أيعقل أن ذؤابات الخناجر تذوب في خواصر الأحلام والآمال .. لقد وضع حجاج العصر الجديد عمامته على رأسه .. لقد لمعت نصال السيوف.. فلابد أذا من دم يفيض على نهر الشهوات, التي سموها مجازا كرامه...
الحذر ..الحذر يا سيزيف بثوبك الجديد من صائدي رأسك يا مغدور مذ خط بنوك الأسماء الأولى على رقيم الطين.. الحذر الحذرمن طائش يدفع بصخرتك الى القاع من جديد ياعراق...........









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا