الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا يفكر دون كيشوت

رمضان متولي

2009 / 4 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يحارب الهواء ويعتقد أنه وحده أقوى من جيش عرمرم، ويعيش وهم البطولة بانتصارات زائفة في معارك وهمية، لم يخضها ولم يتبعه فيها أحد، وتنتهي رحلته إلى مأساة بعد اكتشافه أنه لم يتقدم خطوة واحدة للأمام، فيبدأ في تبرير أمره أمام نفسه، يدغدغ ذاته الجريحة بأن يلقي اللوم على الأتباع المفترضين، الذين لم يستشرهم في خوض المعركة، ولم يفعل شيئا ليصبح قائدا حقيقيا لهم، فلم يكن دون كيشوت يملك إلا سيفا خشبيا وحصانا خشبيا، ولم يتبعه إلا حمار سانشو.

دون كيشوت اليوم سوف يتهم جماهير الشعب المصري بالجبن والخنوع زاعما أنهم يستحقون الإذلال والقهر الذي يعانون. سوف ينظر إلى نفسه في مرآته المقعرة، ويرى هيئته ضخمة هائلة في المرآة، وقد ارتدى بزة مهلهلة حرص على تزيينها بنياشين وأوسمة شتى يعود تاريخها إلى عصور سحيقة، ويقول لنفسه: "ها أنذا بطل لا يبارى، وقد حاربت وحدي صفوفا متراصة من الجنود ذوي الدروع والنصال، لكن أتباعي الجبناء خانوني، وتركوني أعاني مرارة الهزيمة". ويستطرد: "لا أنا لم أهزم، فقد انتصرت لأنني لبيت النداء، وأقمت أساطير البطولة في ساحة المعركة."

بلاهة دون كيشوت لا يعادلها إلا بلاهة من يصدق أوهامه، لأن المعارك الكبرى لا تحددها إرادة أفراد حتى ولو كانوا أبطالا في القصائد الرومانسية، ولأن القادة لابد أن يكونوا قادة حقيقيين، ولا يصبحون كذلك إلا إذا اعترفت لهم الجماهير بالقيادة، والجماهير لا تتبع قائدا إلا إذا اختارت المعركة، وإرادة القائد لا تقرر الانتصار في المعارك، وإنما تحسمها بطولة الجماهير.

إضراب 6 أبريل الماضي لم يحدث، لأن العمال والموظفين لم يقرروا المشاركة، ولأن من دعوا إليه قادة من نوع دون كيشوت، لا صلة لهم بجماهير حقيقية مستعدة للمشاركة. لا يعني ذلك أن هذه الجماهير متخاذلة أو جبانة، لأن هذه الجماهير نفسها خاضت معارك سابقة حقيقية وسقط في صفوفها شهداء حقيقيون، وكان من بينهم أبطال حقيقيون عرفوا خطورة المعارك وقرروا خوضها.

ولأن الجماهير لا تخوض المعارك من أجل المعارك، ولا من أجل حل المشكلة النفسية لأفراد فاض بهم الكيل ولا يطيقون الصبر والعمل الدءوب أو لا يعرفون دروبه، فلم تخرج حشودها معلنة العصيان والإضراب في 6 أبريل الماضي استجابة لدعوة قررها أبطال افتراضيون. وإذا كنا نعتقد أن جماهير الشعب المصري غاضبة وترغب في تغيير الأوضاع السائدة وتعاني من أزمات طاحنة، فينبغي أن ندرك أيضا أن الشعوب لا تتحرك إلا إذا أصبحت واثقة في قدرتها على تحقيق أهدافها.

الشجاعة والحسم يعتمدان على إدراك واضح للخطوة التالية - لا يعرف أحد من هؤلاء الأبطال الافتراضيين الذين دعوا إلى إضراب 6 أبريل الماضي ما هي الخطوة التالية، ولا يستطيع أى منهم أن يزعم أنه أقنع الجماهير بتلك الخطوة التالية، أو حتى عرف ما تصبو إليه الجماهير التي يدعوها إلى الإضراب، لأن هؤلاء الأبطال ببساطة لا صلة لهم بتلك الجماهير.

المراهنة على الأزمة والغضب وحدهما في دفع الجماهير إلى طواحين المعارك مراهنة خاسرة، ونتائجها غالبا ما تكون الفشل كما أثبتت دعوة الإضراب في 4 مايو 2008 وفي 6 أبريل من العام الحالي. ولا يحق لأي "دون كيشوت" أن يلقي بأسباب فشله على شماعة تخاذل الجماهير وجبنها، كما أن فشل هذه الدعوة للإضراب لا ينبغي أن تدفعنا إلى الإحباط والتخاذل مستقبلا، لأنها لم تكن دعوة قائمة على إعداد جيد، ولم تكن نابعة ممن يخوضون المعارك الحقيقية، الذين يحتاجون إلى بناء قدراتهم، وتحديد أهدافهم ووجهتهم حتى يصبحوا أكثر ثقة وشجاعة وحسما في المعارك القادمة، وأكبر شاهد على ذلك نجاح الإضرابات التي قررها أصحابها، ونظموها بأنفسهم بقادة من بين صفوفهم يعرفون مطالبهم ومصالحهم وقدراتهم ويحوزون ثقتهم، وهم في ذلك يختلفون عنك تماما يا كيشوت.

إذا انكسر سيفك الخشبي يا كيشوت، وكل حصانك من الركض العبثي في منطقة الصفر، وتركك الجميع تصارع الوهم وحيدا في صحراء العبث، واخترت بعد ذلك أن تلوم الناس كبرا وترفعا، عليك أن تقنع بصورة هيبتك وبطولتك الزائفة في مرآتك المقعرة إلى أن تموت في مأساتك التي لن يخلدها التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أهلا بدون كيشوت .. لبعض الوقت
النيل - حابي ( 2009 / 4 / 10 - 18:23 )
من حق كل انسان موجوع بهم وطنه ان يحلم ويعبر . وكثيرا ما تحمل الاحلام غير الواقعة أو غير الملتصة تماما بالواقع . الهامات
تفيد كثيرا . فلا يجوز السخرية من الأحلام . وقد تكون ممكنة التحقيقي . ولن الهمم تقصقص من حين لىخر من قبل الطغيان . فلا يكون العيب عند ما ننعته بدون كيشوت
جاء بالممقال

إضراب 6 أبريل الماضي لم يحدث، لأن العمال والموظفين لم يقرروا المشاركة، ولأن من دعوا إليه قادة من نوع دون كيشوت، لا صلة لهم بجماهير حقيقية مستعدة للمشاركة. لا يعني ذلك أن هذه الجماهير متخاذلة أو جبانة، لأن هذه الجماهير نفسها خاضت معارك سابقة حقيقية وسقط في صفوفها شهداء حقيقيون، وكان من بينهم أبطال حقيقيون عرفوا خطورة المعارك وقرروا خوضها.

هذا ليس خطأ ولكنه بعض الصواب وبعض المبالغات .. فهناك أشياء مما نفي الكاتب وجودها هي موجودة بالفعل وانكارها لن يحل المشكلات بل البحث عن سبب وجودها وهو : عتو الطغيان ..
أحيانا جلد الذات قد ينهضها وقد يحبطها .. وكثرة امتداحها ونفي أمراضها قد يزيدها مرضا
فلتضبط الجرعة فقط
وشكرا

اخر الافلام

.. دول عدة أساسية تتخذ قرارات متتالية بتعليق توريد الأسلحة إلى


.. سقوط نتنياهو.. هل ينقذ إسرائيل من عزلتها؟ | #التاسعة




.. سرايا القدس تعلن قصف جيش الاحتلال بوابل من قذائف الهاون من ا


.. نشرة إيجاز - كتائب القسام تقول إنها أنقذت محتجزا إسرائيليا ح




.. -إغلاق المعبر يكلفني حياتي-.. فتى من غزة يناشد للعلاج في الخ