الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبعاد التواطؤ بين الإسلاميين و السلطة

أحمد عصيد

2009 / 4 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تيار الغزل الذي مرّت خيوطه بين إسلاميي حركة التوحيد و الإصلاح و حزب العدالة و التنمية و وزارة الداخلية المغربية هذه الأيام يكشف عن خبايا لعبة السلطة في موضوع " تدبير الشأن الديني"، و يظهر إلى أي مدى يمكن لاستعمال الدين في السياسة أن يعرقل الإنتقال نحو الديمقراطية في بلادنا. فقد هلّل الإسلاميون "المعتدلون" و كبروا و استبشروا خيرا من بلاغات السلطة التي تضمنت تهديدا صريحا لحرية التعبير و حرية الصحافة و حرية المعتقد التي يضمنها كلها الدستور، و أثبتت القوى التقليدية بذلك أنها عند حسن ظنّ السلطة في الذوذ عن إمارة المؤمنين ضدّ رياح الدمقرطة و التحديث، و في التمكين للوبيات المخزن العتيق التي تعتبر أي تغيير تهديدا لمصالحها، و هي بذلك تكون قد اختارت الحل الأسهل عوض خوض النقاش العمومي و الحوار الفكري و السياسي مع من يخالفها في الرأي و المذهب و القيم، كما كانت السلطة عند حسن ظنّ التيارات السلفية عندما استعارت معجمها و قاموسها العنيف و اللاعقلاني ، و اعتمدت أسلوبها القهري بارتكاب العديد من الخروقات الفاضحة كمثل اعتقال مواطنين بسبب انتماءاتهم أو أفكارهم أو معتقداتهم. و السؤال المطروح هو التالي : هل يمكن لسياسة اللعب على الحبلين التي تنهجها السلطة أن تسمح بوضع أسس البناء الديمقراطي السليم ؟ لقد قدمت المملكة المغربية نفسها للعالم في التقرير الذي بعثت به إلى المفوضية الأممية لحقوق الإنسان على الشكل التالي : " تؤكد المملكة المغربية تشبثها الدائم بمبادئ الكرامة و المساواة بين جميع البشر كما تجدد تمسكها بمبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، و تدين بشدّة أي شكل من أشكال التمييز و تمنع أي نوع من أنواع اللامساواة داخل أراضيها" . غير أنّ وزارة الداخلية المغربية أصدرت بعد ذلك بلاغات نارية تؤكد فيها على نيتها في منع و مصادرة أي فكر يختلف عن ما أسمته "أخلاق الشعب المغربي و قيمه الأصيلة و ثوابت البلاد" فهل المرجعية هي "حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا" أم "ثوابت البلاد" التي يعرف الجميع أنها "ثوابت" تكرس الإستبداد و قمع الحريات منذ عقود ؟ هل يوجد في المرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي تعتمدها المملكة المغربية كما أعلنت ذلك ما يسمح لسلطة ما أن تقمع مواطنين اختاروا دينا آخر غير الدين الرسمي أو عبروا عن نزوعات مثلية أو تبنوا مذهبا من المذاهب ؟
إن وظيفة السلطة في مرجعية حقوق الإنسان المتعارف عليها في العالم هي حماية الكل من الكل و ضمان حقوق الجميع في ظلها و ليس اضطهاد البعض إرضاء للبعض، و لهذا فدولة الحق تقوم على قوانين تساوي بين الجميع في الحقوق و الواجبات دون اعتبار لدين و أو مذهب أو عرق أو لون أو جنس، لأن هذه الأمور يختلف فيها الناس داخل المجتمع الواحد اختلافا كبيرا، و هي اختلافات لا ينبغي أن تكون مثار جدل أو نزاع أو مبعث صراع أو فتنة لأنها حقوق أساسية مسلم بها و لا دخل للسلطة فيها، و على الجميع القبول بها في ظل القانون الذي يتساوى الجميع أمامه، و يعاقب بمقتضى القانون من سعى بأية وسيلة كانت إلى المس بحرية غيره أو فرض اختياراته الخاصة عليه بالقهر و العنف الرمزي أو المادّي .
إنّ سعي الإسلاميين إلى فرض نمط تدينهم الخاص على المجتمع ككل و الذي يلتقي مع سعي السلطة إلى استغلال غلوائهم لتوطيد سلطتها القمعية لا يتطابق مع السياق الراهن الذي يجتازه مجتمعنا و لا مع موقعه و طموحه الحضاري ، و سيصطدم بحقيقة المجتمع الذي هو متعدد الأصول و الألوان و اللغات و الأديان و الثقافات، دون أن يعني ذلك انعدام اللحمة التي تربط بين كافة المغاربة و التي هي الإنتماء إلى الوطن و الأرض المغربيتين، و الحكمة تكمن في القدرة على تدبير هذه التعددية الغنية و الخلاقة بعقلانية تجعل الناس يتمتعون بحرياتهم في الإختيار و ليس في السعي إلى التأحيد الأخرق l’uniformisation الذي هو مستحيل بدون نظام قمعي غاصب للحريات.
لقد خطا المغرب بعض خطوات في طريق الدمقرطة ما في ذلك شك، غير أن ذلك تمّ و يتمّ تحت رقابة قوى داخل النظام ما فتئت تتحين الفرص لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، و هو أمر مستحيل بالنظر إلى الكلفة الباهظة لأي تراجع خطير، كما أنّ هذا الخطو في اتجاه الديمقراطية لا يتم بنظرة شمولية ، مما يفسر التناقض الحاصل في سياسة الدولة بين المدّ الديمقراطي و الجزر السلطوي.
التقت أهداف دعاة التقليد مع أهداف قوى التقليد في السلطة، الأولى تسعى إلى الحجر على المجتمع و تعليبه في إطار إيديولوجياها السلفية، و الثانية ترمي إلى الحفاظ على الطابع الإستبدادي للسلطة بالمغرب و عرقلة أي انتقال نحو الديمقراطية، و لهذا سيظل مجال تبادل الخدمات مفتوحا بين الطرفين، ما دام لم يتم الحسم في الاختيار الديمقراطي .
و إذا كانت لعبة السلطة تنطلي على إسلاميي المخزن ـ الذين استدخلوا ثقافة الإستبداد و تشبعوا بها من التراث الفقهي الميت ـ فإن لعبة هؤلاء لا تنطلي على السلطة، حيث في النهاية لن يكون تضييق السلطة على الناس إلا بمقدار، أي بالقدر الذي تسمح به توازنات داخلية و خارجية ، و سوف ينتهي بلا شك إلى إقرار الحريات لأنه الوضع الطبيعي السليم، الذي يسمح للإسلاميين بممارسة تدينهم ، كما يسمح لغيرهم باختيارات مغايرة ، و عندئذ ، أي عندما تترسخ قواعد الديمقراطية و أسسها، سيبدو من يحمل قيم الإستبداد القديمة و أحلام التيوقراطية الشمولية في حالة شرود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فوضى الأفكار والترجمة
ابراهيم ( 2013 / 5 / 3 - 10:59 )

لا وجود لكلمة -التأحيد- في اللغة العربية يا عصيد، وهي ليست ترجمة للكلمة l’uniformisation لأن المقابل العربي لهذه الكلمة الفرنسية هو التنميط. لذلك أرجو أن تكون أكثر دقة في ترجمة الألفاظ الفرنسية، فيكفينا ما نحن فيه من تلويث للأفكار والعقول، فلا داعي لتلويث المفاهيم عبر ترجمات خاطئة ومتسرعة. توخي الدقة في ترجمة الكلمات الأجنبية من شروط الدقة العلمية، فأرجو أن تعلم ذلك وتحتذيه لأن فوضى الأفكار وفوضى الترجمة هي التي أوقعتنا في ما نحن فيه من رداءة فكرية وتحليلية.

اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته