الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرحت بما نهمس , فعذبوني ...

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2009 / 4 / 13
الادب والفن


في الليل و وراء قضبان النافدة المطلة على الخارج , و التي تعلونا بأمتار. هناك أصوات افتقدناها نحن المعتقلين. زمزمة الرعد, نهيق الحمار, زغاريد النساء في المناسبات و ضجيج الشوارع .
بينما مللنا أخرى كنباح الكلاب وصراخ حراس السجن , أصوات المصابين بدنف ما . و أنافت الملل , قطرات يبصقها الصنبور الصدئ بوثيرة متتابعة في المرحاض المتمركز على الركن الأيسر للزنزانة , ذو الباب الخشبي الأحمر, و الذي صارت رائحته النتنة , ميزة يعرف بها . .
المكان الوحيد الذي تجد فيه نفسك بينما أنت مضفدع تعصر أمعائك من طعام المعتقل المر. تفكر في المناخ النقي العذب و الطعام اللذيذ المتنوع و الحرية التي لن يمنعك منها أحد .
الزنزانة المقسمة إلى ثلاثة صفوف , كل صف من عشرة معتقلين يقيمون في مساحة لا تتعدى خمس أمتار مربعة . تلتصق بها الأجسام بعضها ببعض , وتفوح منها رائحة العرق .
أغلب الوجوه ميتة المعالم ...
الصورة من الشبرين اللذان يحتوياني , مثيرة جدا . الزنزانة كمقطع من مقبرة مهبوشة , الموت ممزوج بالحياة و الحرية طيف يجوب العقول و المكان .
فالمستقبل مبهم غامض . غد مقرر بأجل , حكم بجرة قلم مستبد . الإفراج سراب على ذاكرة المعتقلين , اللذين مازال الأمل بداخلهم يفرض الانتظار. وهم لذلك مستمرون ... و من داخل القضبان التي ينبعث منها الحقد, ندب الصرخة الأولى , شرارات الجنون . و نحيب الفراق غير المرغوب ...
ربما تولدت هده الرؤى , ساعات فقط . بعد أن فتح عيناه ... بينما نلتف حول جسده المنهك , حين صار يدقق في الوجوه التي تطل عليه , وهو ممدد على أرض الزنزانة الباردة , رغم البطانيات التي تكسوها .
حملق في الوجوه المتسائلة , التي رسمت تعابير اختلفت من الصديق إلى العميل. فتح فمه الذي مازالت الجلطة التي أحدثتها الكدمات واضحة على شفتيه . واستنشق غصبا بعض الهواء المتعفن من تلك الزنزانة, بينما أحد المعتقلين يمسح بمنديل العرق عن جبينه . في محاولة للنشر الطمأنينة والأمان , في روح عمار المنهارة .
سأله أحدهم :
ماذا فعلوا لك _
نظر إليه عمار , وقال بصوت خافت بالكاد سمع :
صرحت بما نهمس ... فعذبوني ..._
تبادل من حوله النظرات , فقد عرفوا مصيرهم . و طمس ما قال , فكرة الحرية و القانون البشري . ولابد من تأدية فريضة المبدأ في المعتقل .
لكن , و كما نهمس ... فالتعذيب له حدين , حد يستبد بالمعتقلين . وحد يستنسخ داخلهم , آلاف المتمردين الثوار ..
فلا الموت يوقفهم
و لا النسيان يحضنهم
لذا يذكر التاريخ أنهم ولدوا , و ماتوا أحرار ...



لأجل الذين يصرخون بالحرية من داخل المعتقلات


علاء كعيد حسب
شاعر و قصاص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل