الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية.. وأدوات نقضها!

ماجد الشيخ

2009 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



تختلف الدّيمقراطيّة التي تنشدها مجتمعاتنا العربيّة عن تلك التي تنشدها لها الأنظمة السّياسيّة الحاكمة، وبالطّبع عن تلك التي ينشدها الخارج الإقليمي والدّولي، على أنّ نشدان مجتمع ما للديمقراطيّة كقيمة، يختلف بالطّبع عن أهداف مجتمع آخر، أو أنّ هناك مجتمعات أخرى ليست تنشدها كقيمة أو كأسلوب تداولي للسّلطة أو كنمط حياة ما لم تترافق أو تستقيم مع قيم العدالة والمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان؛ كناظم قيمي أو مرجعي، حيث تتشكّل الدّيمقراطيّة كثقافة قيميّة، وهي المحور أو القلب النّاظم لحياة المجتمع /الدّولة، وإلا..ّ ففي غيابها تفقد الثّقافة المؤسّسة مبرّرات وأركان وقواعد وجودها.

من هنا.. فإنّ أخطر الدّيمقراطيّات؛ تلك التي أسّست وتؤسّس لداخلها، قيمة ثقافيّة ناظمة لعقد سياسي وإجتماعي ووطني، كنوع من إستخدامها أداة وظيفيّة لخدمة أهداف كولونياليّة، وحين تستخدم الدّيمقراطيّة داخليّا أداتيّا أو كوظيفة عدائيّة أو معادية لحق الشّعوب في تقرير المصير، وتشريع وقوننة نهب ثرواتها عبر الإستيلاء أو الإحتلال أو المراوغة، أو أيّ من أساليب النّهب المنظّم لثروات المستعمرات وأشباهها، أو البلدان التي تتعرّض للغزو والإحتلال – العراق نموذجا -.

حتّى وهي "تستدعي" الدّيمقراطيّة إلى العراق المحتل، لم تلتزم الدّيمقراطيّة الكولونياليّة الأميركيّة أيّا من معايير الدّيمقراطيّة النّاضجة، أو كان بإمكانها أن "تستدعي" ثقافة مفترضة أو محايثة للديمقراطيّة بالأساس، كقيمة أو قيم تتبلور داخل المجتمعات المحلّيّة؛ نتاجا لمديات التّطوّر الذّاتي تطلّبا لحدود وقدرة التّكيّف، وهضم أو التّأقلم مع إمكانيّات ومقدرة مثل تلك المجتمعات على إستيعاب مجريات آليّات إنتخاب ديمقراطيّة؛ تنشأ توّا من "عدم" ما زرعه النّظام الشّمولي التّسلّطي في وطن تواجد دائما في قلب النّزوع الإستبدادي؛ ليس لنظامه السّياسي فحسب، بل ولنظام بطركي عشائري مهيمن؛ حتّى على ملل ونحل الطّوائف والمذاهب التي تقاسمت حصص ومغانم السّلطة البازغة في ظلّ الإحتلال، فكان قانون بريمر في المحاصصة الطّائفيّة والمذهبيّة والإثنيّة، أبرز ما يمكن اللجوء إليه من قوانين وأد الدّيمقراطيّة قبل أن تولد، وقبل أن يولد خيرها أو يبزغ فجرها.

* * *
إسرائيل .. ككل الكولونياليّات الإستعماريّة الإستيطانيّة، تجمّع أو كيان يجري نسخ تجارب وخبرات الدّيمقراطيّات الغربيّة فيه، ولكن بإتّجاهات داخليّة، أي بناء ديمقراطيّة داخليّة عنصريّة، لا وجود ولا إمكانية أصلا لوجود نزعة ديمقراطيّة تجاه الآخر، أي الفلسطيني/العربي الّذي ينبغي له أن يتحمّل نزوع "الضّحيّة" إلى الإنتقام من ضحيّة أخرى. وكلّ ذلك تحت مزعم أو مزاعم (حتى لا تحدث المحرقة مرّة أخرى) أي المحرقة النّازيّة، وإذ بكارثة أو كوارث دوريّة ربما فاقت المحرقة، يواصلها ذاك الكيان "الدّيمقراطي في داخله" الفاشي بحق الآخر- الضّحيّة التي لا ذنب لها سوى أنّها صدف وتواجدت فوق أرض يزعم أنّها مسرح الرّواية التوراتيّة. ولهذا لا بدّ من "تحريرها" من "مغتصبيها" وتحقيق "الوعد التّوراتي" المزعوم، الزّاعم عودته إلى ما يسميها "أرض الميعاد": الأرض المملوءة شعبا؛ شعبها وبشهادة الوثيقة التّوراتيّة ذاتها في نصوصها المعروفة، فيما كان الصّهاينة الأوائل يزعمون أنّها العودة إلى الأرض الموعودة، الموقوفة من قبل الإله لـ "شعب مختار"، تلك العودة التي حملت شعارا زائفا: "شعب بلا أرض لأرض بلا شعبّ"!!.

* * *
ليس من منطق أو من إنسجام؛ القول بحراسة المؤسّسة العسكريّة للدّيمقراطيّة أو للنّظام الدّيمقراطي، وإلاّ كنا في مواجهة عطب تاريخي لا تستقيم فيه الدّيمقراطيّة ولا وجودها من الأساس، في ظلّ هيمنة عسكريتاريّة على السّياسة، أو تغييبها، أو هيمنة العسكر على النّظام السّياسي المفترض أن يكون حاكما، لا خاضعا في حكمه لرضا وأهواء المؤسّسة العسكريّة، على ما هو حال تركيا وموريتانيا والجزائر اليوم؛ كأسطع ما يقوم الدّليل على "صناعة السّلطة" من قبل العسكر. وفي هذا إلغاء لروح الدّيمقراطيّة ومصادرة لجوهرها، تغييبا للسّياسة، وقبلا مصادرة قوّة المجتمع والهيمنة عليه، وإشاعة الخوف والترهيب والقمع الممنهج والمنظّم داخله، وإلاّ فأين هو دور المجتمع وقواه المفترض أنّها منظّمة، بل أين دور قوى المجتمع المدني، وأيّ دور لها في حماية الدّيمقراطيّة والقيم الثّقافيّة الحارسة؟.

* * *
التّمذهب الدّيني أو السّياسوي، علاوة على كونه يعيش حالة كره للدّيمقراطيّة كقيم وآليّات ومعايير، فهو أيضا يكره الآخر الذي يعيش معه حالة تنافس؛ من ذات المنطلقات وعلى ذات القاعدة، وهو في النّهاية يعيش حالة كره لذاته الأخرى، أي لوجه العملة الآخر؛ وجه المواطنة، الوجه الّذي يجسّد الشّراكة في الوطن، وفي الكلأ، وفي الماء، وفي التّصحّر والجدب الثّقافي والنّزوع الإنقلابي على الذّات، وهو ما يعني وبكلّ وضوح سيادة روح الهزيمة الذّاتيّة؛ في واقع يتمذهب سياسويّا ودينيّا كل ما لاح بريق الهيمنة السّلطويّة من هنا أو من هناك.

* * *
لكن الأخطر.. بات الخروج من الدّيمقراطيّة، بل أمسى النّكوص والإنزياح عنها، وتلك وصفة لقوى الإستبداد السّياسي/الدّيني، أو تلك التي تتلفّع بأردية شعبويّة متلوّنة؛ وصولا إلى الفرض القسري لتمثيل ما يتعدّى نطاقات المجتمع أو الشعب أو الأمّة، إلى نطاقات المجتمعات والشّعوب والأمم، وكأنّ النّزوع "التّحرّري الأممي" بات وقفا على قوى الإختزاليّة الجديدة، أو أولئك العصاة على أوطانهم، أو من يخرجون من الوطن السّياسي؛ إنحيازا وإختيارا لوطن العصبويّة المتمذهبة، حيث يضحي المجتمع مجرّد عصبويّة لا متناهية من حلقات إنتماء قسريّة لـ "المجتمعات البديلة"، وحيث قوى المجتمع المدني والأحزاب السّياسيّة تصبح مرذولة، حتّى يتم إلتحاقها بمركز العصبويّة المتمذهبة، وإلاّ فإنّها وفي إنتمائها للوطن السّياسي ولنزوعها الدّيمقراطي فيه، فإنّها تعيش شبهة إنحيازها لوطن سياسي آخر!!.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن