الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناء الاجواد

كامل الجباري

2009 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


من بين الأشباح الكثيرة التي شاعت في حياتنا السياسية ، وما تزال شائعة ، مصطلح الفساد المالي والإداري . قد يستغرب البعض تشبيهي لذلك الفساد بالشبح ونحن نعيشه ونراه يوميا كما نرى ظلام الليل الدامس وليس كما نرى ضوء النهار . ومن خلال هذا التشبيه تتوضح المفارقة في حالة الأشباح الجديدة .
كثير منا من سمع (بالطنطل والسعلوة) .. وكثير منا يتذكر الكم الكبير من الرعب الذي تسببه لنا هذه الأسماء بمجرد التفكير في ظهورها أمامنا .. وكم حدثنا الكثيرون ، بل واقسموا ، إنهم شاهدوا بأم أعينهم هذه الأشياء ولكننا لم نرى لها آثارا واقعية لذا كنا نعتبرها من الخرافات والخزعبلات الشعبية الرائجة .
أشباحنا الجديدة والمتنوعة ما بعد السقوط لها سمة نوعية مميزة . فهي إذ تتشارك مع الأشباح القديمة في صفاتها فإنها تختلف عنها في تركها آثارا مرعبة ومدمرة على حياتنا . وأكثر هذه الأشباح خطورة هي الفساد المالي والإداري والإرهاب حيث أرغمت الطنطل والسعلوة على التراجع والانزواء في الذاكرة .
عندما أشبه رؤية هذه الأشباح برؤية الظلام الدامس فأنني استفيد من مفارقة ظريفة ، فمن منا لا يرى الظلام ولكن هل يمكننا رؤية ما تحتويه العتمة ؟ لم نرى شخصا أو جماعة لا تلعن الفساد المالي والإداري وتعلن حربها الكلامية عليه رافعة عقيرتها بالتبرم والشكوى منه . فمن هو الفاسد إذا ؟ هل جاءنا من جزر الواق واق .. أو جاءنا من وراء بحر الظلمات ؟
إن هذا الضجيج الكلامي المبهم عن الفساد ربما هو جزء من الفساد نفسه.. فعندما نحول الفساد إلى شبح يتحدث عنه الكثيرون ولا يراه أحد ، فأننا ، بذلك الحديث الشاكي المتذمر ، نطمس ماهيته وأسبابه ونمد في اجله كما فعل (دون كيشوت) عندما حارب بسيفه الخشبي .
كما في الطب ، حيث لا يمكن للطبيب معالجة المرض ما لم يشخص أسبابه الحقيقة ، كذلك في المجتمع . قيل ويقال الكثير عن أسباب هذا الفساد – وقد يكون في كثير منه أجزاء من الحقيقة – ولكن الإغراق في الجزئيات والخبط فيها خبط عشواء سيكون كوصفة الطبيب الذي يعطيك مسكنا ، يهدئ الألم ولا يقضي على أسبابه ، وما أن تمر الأيام حتى تتفاقم الأمور ويصعب علاجها حتى على الطبيب الحاذق .
إن أساس هذا الفساد المالي والإداري هو الفساد السياسي المتمثل في المحاصصة العجيبة وقاعدة التوافق على كل شيء التي سببت شللا في جميع مفاصل المجتمع . وهنا نسأل هل سمع أحد إن الناس قد نجحوا في تسيير أمورهم بهذه الطريقة ؟ ألم نسمع بالحكمة البالغة الدقة إن إرضاء الناس غاية لا تدرك ؟
إذا رجعنا إلى الماضي القريب ، تحديدا فترة الاحتلال البريطاني الأول في العراق ، وكيف تمركزت الثروة والسلطة في يد قلة من الناس بأساليب غير مشروعة أقرب إلى النهب والسلب لتمر الأيام ويتحول الفاسدون إلى "أبناء الاجواد" وما جرى من أوضاع دراماتيكية دامية مستمرة أدت بالبلد – مع ظروف خارجية مختلفة – إلى الاحتلال الثاني .
وحتى لا ننتج أبناء أجواد جدد ، بإشكال وأسماء جديدة ، حيث تعاد المأساة مرة أخرى .. ويعاد إنتاج دوامات جديدة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية ومسلسلا طويلا جديدا من الانقلابات الدموية ، واستنساخات عديدة من القائد الضرورة .. لذا علينا أن نبدأ خطواتنا للإنهاء المحاصصة والتوافق وخرافة صراع المكونات ، بالسعي لبناء ديمقراطية حقيقية تستند على معيار المواطنة .. وقديما قيل (أغلق بابك جيدا ولا تشكوا من اللص).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار