الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معادلات جديدة ... لمرحلة مختلفة

جهاد الرنتيسي

2009 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يصعب وضع اعمار مفترضة للمعادلات الاقليمية ، فهي رهينة تفاعلات دولية ، ومتغيرات داخلية ، وقدرات على التجدد ، وتجنب الوقوع في حالة من التكلس الذي يحد من فرص المناورة .

تسارع الاحداث في المنطقة ، وما يترافق معها من تحركات دولية ، يوحي بانها على مشارف تحولات من النوع الذي ينهي المعادلات الاقليمية القائمة ، ويفتح الافاق امام تشكل معادلات جديدة .

فالمعادلات القائمة لم تعد قادرة على الاستمرار في دور الحلقة المفرغة التي تدور فيها الازمات المستعصية على الحل .

وبعجزها عن القيام بابسط الادوار التي تبرر وجودها ، تخرج هذه المعادلات من زاوية الاشتباك اليومي مع الازمات ، لتصبح عناوين جديدة ، لتأزيم يديم حالة من التوتر .

لكن ملامح نهايات المعادلات الاقليمية لا تكتمل الا بظهور معادلات جديدة الامر الذي لم تعد ملامحه خافية على راصدي التحولات في المنطقة .

الحديث حول معادلات جديدة يقود الى البحث عن اقطاب اقليمية لديها القدرة والاستعداد للاضافة والتأثير في المشهد الاقليمي .

واول ما يتبادر للذهن لدى التوقف عند هذه البديهية التصريحات التي ادلى بها الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال زيارته التاريخية لتركيا .

ففي تلك الزيارة حرص اوباما على توجيه رسائل سياسية من غير الممكن وضعها خارج سياق الدور الاقليمي المقبل لتركيا .

بين هذه الرسائل الاشارة الواضحة الى قوة النموذج السياسي التركي الاقرب الى الدمقرطة والعصرنة .

والواضح ان المقصود من الحديث عن ما انجزته الدولة التركية خلال العقود الماضية اظهار عقم ما وصلت اليه تجارب الحكم الاسلامي المتطرفة من ازمات داخلية واستعداء للآخر كما هو الحال في ايران وافغانستان الطالبانية .

كما حرص الرئيس الاميركي على الاشارة الى العقبات التي تضعها ايران امام عملية السلام من خلال ربطه تسوية القضية الفلسطينية بوقف المشروع النووي الايراني .

وبذلك حدد اوباما بعض مواصفات القطب المؤهل للعب دور اقليمي في المرحلة المقبلة .

الى جانب الاعتدال السياسي الذي تعد تركيا نموذجا له تشتمل مواصفات الاطراف المؤهلة للقيام بدور اقليمي على قدرة التعايش مع النظام العالمي والمساهمة في تجديده حين تقتضي الضرورة .

في هذا السياق تندرج المشاركة السعودية في دورتي تجمع الدول العشرين اللتين عقدتا في واشنطن ولندن للبحث عن سبل الخروج من الازمة المالية العالمية .

فالمشاركة السعودية في القمة التي كان من بين نتائجها ايجاد نظام عالمي جديد على حد وصف رئيس الوزراء البريطاني جوردان براون تعد اعترافا بقدرة الرياض على لعب دور يتجاوز البعد الاقليمي الى العالمي .

ولا شك في ان القوة المالية ابرز عوامل المشاركة السعودية في اجتماعات الدول المتصدية للازمة الاقتصادية العالمية .

لكن الامر لا يخلو من عوامل اخرى كدور الرياض في اطفاء بؤر التوتر الاقليمي والحد من استخدام الدين في تأجيجها .

ويلتقي الجانبان الاسرائيلي والايراني في الضرر من الدور الدولي ذو البعد الاقليمي الذي تضطلع به الرياض .

فلم يتوقف المطلون على صناعة القرار السياسي السعودي عن الحديث حول ضرورة استعادة الحضور الاقليمي العربي لانهاء الاحتلالين الاسرائيلي والايراني للاراضي العربية .

كما يؤكد وصف الرئيس محمود احمدي نجاد لنتائج قمة العشرين بالخاطئة ـ رغم الاشادات التي لقيتها في اوساط المحللين السياسيين ـ على درجة الانزعاج الايراني من المشاركة السعودية .

ويسلط حضور الغياب المصري في قمة الدوحة الضوء على ثالثة اثافي المعادلة الاقليمية المقبلة ، ففي تلك القمة تحول الحديث حول المصالحة العربية الى لعبة لفظية فارغة من اي محتوى ، وكان واضحا ان هدف اللجوء الى تلك اللعبة اخفاء حالة التبعثر العربي في غياب الحاضنة المصرية .

الغياب الفعلي للقضايا ذات القيمة ، وانعدام القرارات الملفتة للنظر ، وطغيان التعبيرات الهلامية على خطاب القمة ارتبط ايضا بامتناع راس الهرم السياسي المصري عن الحضور احتجاجا على الاثار التي تلحقها السياسة القطرية بالعمل العربي المشترك .

هذه الحقيقة لم يستطع المتطاولون على الدور المصري تجاهلها وان اختلفت طرق التعبير عنها .

وجوهر الاعتراف ـ الذي تلتقي عنده التعبيرات المتباينة في وضوحها ـ هو ان العمل العربي المشترك يتحول الى جثة هامدة حين يغيب مركز الثقل الذي تمثله القاهرة .

الا ان هذه الاعترافات لم تصل بعد حد مراجعة العواصم اللاهثة الى لعب ادوار اكبر من احجامها لسياساتها المثيرة للفتن .

مثل هذا التجاهل للحقائق يضيف اعباء جديدة على القاهرة ، وهي تتولى دورها في المعادلة الاقليمية الجديدة ، لا سيما وان هذا الدور يتطلب تغيير نمطية العلاقة بين الدول العربية .

حالة تشكل الخطوط العريضة للمعادلة الاقليمية المقبلة تغري دمشق بمواصلة اللعب على التوازنات .

فهي تتشبث قدر المستطاع بعلاقتها مع طهران رغم ادراكها لطبيعة الدور الايراني في المنطقة .

وتسعى في الوقت ذاته لمزيد من الانفتاح على الرياض والقاهرة وانقرة في محاولة للخروج باكبر مكتسبات سياسية ممكنة وتجنب الاثار التي يمكن ان يخلفها تغير المعادلات الاقليمية .

بهذه الطريقة تستطيع دمشق الافلات من مأزق سياسي هنا ، والالتفاف على اخر هناك ، وتقليص هامش العزلة ، مستفيدة من سلة الاوراق الفلسطينية واللبنانية والعراقية التي في حوزتها .

لكن قدرة النظام السوري على الافلات من المآزق والازمات لا تعني باي حال من الاحوال التحول الى قطب اقليمي فاعل .

ويمكن للمعادلة الاقليمية الجديدة باطرافها الثلاثة التركي والسعودي والمصري تقديم مساهمات فعالة في اطفاء بؤر التوتر .

فهناك قواسم مشتركة تجمعها ، من بينها الرغبة في التوصل الى تسوية بين اسرائيل والفلسطينيين على اساس خيار الدولتين ، والخلاف مع سياسة التغلغل الايرانية ، والميل نحو علاقات هادئة بين اطراف المجتمع الدولي .

هذه السمات المشتركة تضع المعادلة الجديدة في مواجهة تهديدات الخطرين الاسرائيلي والايراني القادرة على اشاعة المزيد من التوتر وانعدام الاستقرار في المنطقة .

لكن تداخل "الاقليمي والدولي " في قضايا المنطقة واثاره على التطورات المتلاحقة لا يوحي بان لاطراف المعادلة الاقليمية الجديدة وحدها القدرة على تحديد اولويات المرحلة المقبلة .

فالقراءة المتأنية لتصريحات الرئيس باراك اوباما خلال جولته الشرق اوسطية تكشف عن استحواذ الملف الايراني على تفكير صانع القرار الاميركي .

ويحاول الائتلاف الاسرائيلي الحاكم الذي التقط هذه الحقيقة في وقت مبكر استثمارها الى اقصى الحدود لتعويم خلافه مع الادارة الاميركية حول تسوية القضية الفلسطينية .

امام هذه المعطيات تتسع احتمالات التصعيد الدولي والاقليمي ضد السياسة الايرانية بتشعباتها التي تشمل النزوع نحو التوسع والعبث باستقرار دول المنطقة والمشروع النووي .

حضور هذه الاحتمالات يملي على اطراف المعادلة الاقليمية الجديدة استحقاقات تحديد دورها في المواجهة المقبلة بين واشنطن وطهران .

وعلى ضوء هذا الدور ستتحدد المكاسب والخسائر التي يمكن ان تحققها هذه الاطراف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة