الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصداقية البديل.. أعز ما تملك

إكرام يوسف

2009 / 4 / 16
الصحافة والاعلام


صدرت صحيفة البديل اليسارية المصرية.. كنقطة ماء زلال ألقيت في أفواه عطشى إلى صحافة بديلة حقا، تغرس بذور الأمل في التغيير الحقيقي، المطهر من أموال أجنبية ـ تحرف بوصلة الحالمين بتغيير أحوال المصريين إلى واقع يستحقونه، لنوع آخر من التغيير تستهدفه أجندات صيغت خارج الحدود ـ ومطهر أيضا من أموال حيتان الفساد الداخلي، الذين يصدرون للقارئ معارضة صورية من نفس أرضية الوضع الراهن ـ تعكس خلافات جهات مسئولة بدرجة أو أخرى عما يعانيه المصريون ـ تستهدف فقط إبدال وجوه بوجوه جديدة لا تقل عنها فسادا وتبعية للخارج. وبمرور الوقت أثبتت الصحيفة رسوخ قدميها في عالم الصحافة الحرة بحق، وراحت تحقق السبق تلو السبق، وتوالت الانفرادات تؤكد حضورها وعلو قامتها في الوسط الصحفي المصري رغم حداثة نشأتها.

وما أن استطعمنا مذاق الماء العذب وبدأت الدماء تجري في عروق التفاؤل، حتى جاءنا من ينعي جفاف نبع التمويل الذاتي الذي يغطي صدور الجريدة، بما يهدد بإلقاء تفاؤلنا من حالق، وينذر بعودة الجفاف إلى حلوق شرعت ـ لتوها ـ في الاحتفاء بعثورها على فرصتها في التعبير عما تؤمن أنه حق.
وعندما أرسلت مقالي الأخير للجريدة قبل إعلان توقف العدد اليومي، أرسل لي الزميل حاتم حافظ المشرف على صفحة الرأي يقول أنه رغم اختلافه مع بعض أفكاره، إلا أن المقال "من أجمل ما قرأت لك!".. ولخصت عبارته القصيرة السبب الحقيقي في تعلقنا ـ كتابا وقراء ـ بهذه الصحيفة، التي يأمن صاحب القلم فيها على أفكاره ويضمن عدم المساس بها تعديلا أو حذفا من إدارة الجريدة برغم الاختلاف في الرأي، ويضمن القارئ أنه سيقرأ آراء حرة بالفعل لا تسير مع التيار ولا تلوي عنق الحقيقة كما يراها أصحاب الرأي.

ولم تكن الأزمة المالية التي تمر بها الجريدة خافية على الكثيرين، كما أنها لم تكن مستبعدة بالنسبة لجريدة تصدر بأموال أصحابها المحدودة ـ على أي حال ـ وسط الصحف المستقلة المعتمدة على تمويل أجنبي هائل لم يعد خافيا بعدما أعلنت الخارجية الأمريكية قبل أربع سنوات عن رصدها عشرات الملايين من الدولارات لتمويل صحف تصدرها شخصيات عربية لتمويل وجه أمريكا القبيح بعدما نفر العرب بعد غزو العراق من الميديا الممولة أمريكيا بالكامل ـ إذاعة سوا وقناة الحرة ـ فعجزت عن القيام بالدور الذي كان مرسوما لها.

وإذا أردنا أن ننظر إلى الجانب المملوء من الكوب، نستطيع أن نقول بثقة أن أزمة الجريدة، وما تلاها من بروز رغبات صادقة في الإنقاذ، لدى يساريين مؤمنين بها، دفعت بكل منهم لإبداء رأيه في سبل انتشالها من عثرتها، كان علامة إيجابية مضيئة، وسط مناخ الإحباط الذي يعم الساحة الثقافية والسياسية. وجاءت الدعوات لجمع تبرعات، أو فتح باب الاكتتاب في أسهم، لتضع رغبة وقدرة اليساريين على العمل الجماعي ونبذ الشللية على المحك.

ورغم عدم تخصصي في أمور الإدارة وحسابات الأموال، إلا أنه كان واضحا وجود قصور ـ ما ـ في جانب الإعلانات، يعكس افتقار الجريدة لمحترفين أكفاء في هذا المجال. ومع الأخذ في الاعتبار أن جريدة بهذا النهج ربما لن يقبل على الإعلان فيها حيتان الفساد في عالم الأعمال ـ لكونها ببساطة تكشف فسادهم ـ تصبح الحاجة أكثر إلحاحا لإعداد دراسات متخصصة بأيدي محترفين قادرين على سبر أغوار السوق وابتكار سبل أجدى للتمويل.

ولعله مما كان ملحوظا لي ـ كما لكثيرين ـ وجود قصور آخر في ناحية التوزيع، فكثيرا ما كنت أسمع من أصدقاء عدم قدرتهم على الحصول على نسخة في مناطق القاهرة ـ ناهيك عن بقية المحافظات ـ ففي وادي حوف مثلا على سبيل المثال عرفت أن أصدقاء يضطرون للذهاب إلى المعادي فيحصلون أحيانا على نسخة وأحيانا أخرى يقال لهم إن النسخ محدودةن ونفذت! وكذلك في مناطق من مصر الجديدة، وفي الدقي، وكنت أخيل في أول الأمر أن النسخ تنفذ بسرعة بسبب توالي انفرادات الجريدة، لكنني علمت من الباعة أنه لا تصلهم إلا خمس نسخ أحيانا. وسمعت أنه في المرات التي تقوم فيها الجريدة بفضح حالات فساد كبيرة، سرعان ما يجد الباعة من يقوم بسحب هذه النسخ المحدودة من السوق، ربما قبل أن يطالعها الجمهور من القراء.
أرى أن إدارة الجريدة بما يميز أعضاءها من مستوى ثقافي يتجاوز الكثيرين من أصحاب الصحف الأخرى وإداراتها، عليها أن تبدي احتراما أكبر للتخصص، فتلجأ للمتخصصين الحقيقيين في عالم الإعلان والتوزيع، مع الأخذ في الاعتبار عدم التورط في قبول عروض تمويل أجنبي، والحرص على أن يظل تمويل الجريدة بعيدا عن أي شبهات الاسترزاق من الأجانب أو قبول أموال الفاسدين.
جريدة البديل بَنَتْ مصداقيتها واحترامها، على اقتناع الناس بأنها لا تنطق إلا بما يعتقد كتابها أنه الحق، وليس خضوعا لجهات تمويل أجنبية أو محلية ذات أجندات لتحقيق مصالح فئات خاصة. فإذا أراد أصحابها أن تستمر بنفس المصداقية، عليهم أن يكونوا حريصين، وربما متشددين، في ضمان أن يظل تمويلها ـ إن جاز القول ـ حلالاً حسب شريعة الوطنية المصرية. فليكن الاكتتاب بقروشنا، نحن المصريين، أصحاب المصلحة في حرية التعبير الحقيقية، وليكن بحث سبل الاستثمار التي لا تخل بطهارة الانتماء، وإلا فلا داعي لتلويث تاريخ جريدة احترمناها وحفظناها بين القلوب، لو كان الثمن لإعادة صدور العدد اليومي ورقيا تقديم تنازلات لا نرضاها لصحيفتنا، فلتبقى إليكترونية، أو حتى لتتوقف! و تتبقى لنا ذكرى نحترمها ونعتز بها حتى لو تألمنا لتعثرها، إلى أن تتهيأ الظروف لإصدارها مرة أخرى على النحو الذي نرضاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المجلة الواحدة بعد الزعيم الواحد ؟؟؟
النيل - حابي ( 2009 / 4 / 16 - 13:56 )
لا خلاف حول مصداقية جريدة البديل . ولا خلاف حول وجوب الوقوف بجانبها والاعتزاز بوحودها ولحرص علي استمرارها .
ولكن الخلاف حول وصفها بانها اعز ما نملك !!! كيف ؟
بل الاعزاء والمخلصون والمحبون كثيرون وان غابت البديل - ونتمني الا تغيب - سيظهر لا بديل . فالوطن لم يعقب ومصر ليست بلدا عاقرا
شكرا للكتبة الفاضلة


2 - عفوا - تصحيح لاخطاء في كتابة التعيق 1
النيل - حابي ( 2009 / 4 / 16 - 18:53 )
- المجلة الواحدة بعد الزعيم الواحد ؟؟؟
لا خلاف حول مصداقية جريدة البديل . ولا خلاف حول وجوب الوقوف بجانبها والاعتزاز بوحودها والحرص علي استمرارها .
ولكن الخلاف حول وصفها بانها اعز ما نملك !!! كيف ؟
بل الاعزاء والمخلصون والمحبون كثيرون وان غابت البديل - ونتمني الا تغيب - سيظهر لها بديل . فالوطن لم يعقم ومصر ليست بلدا عاقرا
شكرا للكتبة الفاضلة

اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة يرصد توافد حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى ل


.. مقترح لحظر بيع السجاي?ر للمولودين بعد عام 2009 في تركيا مدى




.. مناسك الحج.. الجزيرة ترصد توافد الحجاج لرمي جمرة العقبة في أ


.. تفاصيل عملية اغتيال القيادي في حزب الله -أبوطالب- في مدينة ج




.. تقرير استخباراتي أميركي يكشف حجم الخسائر المادية بالبحر الأح