الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصلاح المطلوب

عمران الرشق

2002 / 6 / 12
القضية الفلسطينية


 

شرعت السلطة الفلسطينية مؤخرا بما اسمته "إصلاحا"، في عملية قيل أنها ستشمل كافة الأجهزة من أمنية وادارية وتشريعية وقضائية، بل وحتى رئاسية.

وبدت أول علامات "الاصلاح"، بالخطة الأمنية التي قدمها الرئيس ياسر عرفات الى مدير المخابرات الأمريكية جورج تينيت، وتضمنت فيما تضمنته تخفيض عدد أجهزة الأمن الفلسطينية من تسعة إلى ثلاثة أجهزة رئيسية، تشمل أمن الرئاسة والأمن العام والأمن الداخلي.

وبالرغم من ان الاصلاح كان دوما مطلبا فلسطينيا، الا ان الظروف المرافقة له، طرحت عددا من الاسئلة حول اهدافه.

فقد تزامنت عملية الاصلاح هذه، مع وضع فلسطيني متدهور على كافة الاصعده، ظهر من خلال الانهيار السريع لكافة الهيئات الفلسطينية، خاصة الامنية التي اتضح انها لم تكن مؤهلة البتة للتعامل مع اي هجوم اسرائيلي، الامر الذي دفع معظم كوادرها للاستسلام دون مقاومة تذكر.

كما وبدا للعيان شلل كافة المؤسسات الاخرى، لدرجة ان تتوقف صحيفتان تصدران في رام الله عن الصدور، ولو حتى على شبكة الانترنت، لـ 22 يوما، هي مدة احتلال المدينة.

وبالاضافة للوضع المتدهور، فقد رافق عملية الاصلاح سلسلة من الاخطاء التي مرت دون محاسبة، كزج مقاومي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاربعة وامينهم العام في سجن بأريحا تحت وصاية امريكية -بريطانية، مقابل رفع الحصار عن مقر الرئيس عرفات، وهو ما قال مراقبون انه جاء ايضا على حساب أيفاد لجنة تقصي الحقائق لمخيم جنين، بالاضافة لابعاد 13 من المقاومين المحتمين في كنيسة المهد نتيجة صفقة عقدت في هذا الخصوص .

وعلاوة على ما سبق، جاءت هذه "اللهفة للاصلاح"، مع اعتداءات اسرائيلية مستمرة، هي جزء من مخطط منهجي، لالحاق الخراب بكافة نواحي الحياة الفلسطينية.

فخلال اجتياحها الاخير لمناطق السلطة الفلسطينية، وما تلا ذلك من غارات خاطفة طالت معظم المدن والقرى والمخيمات، عملت قوات الاحتلال على قتل و اعتقال واصابة أكبر عدد ممكن من المقاومين الفلسطينيين وقادتهم، وهو ما ظهر من خلال القوائم التي ضمت اسماء الشهداء والجرحى والمعتقلين، اذ كان بينهم العديد من المطلوبين لنشاطهم في الانتفاضة.

كما ظهرت النية الاسرائيلية لوضع حد لميلاد دولة فلسطينية مستقلة، من خلال التدمير الذي طال جميع مؤسسات الشعب الفلسطيني من رسمية كوزارة التربية والتعليم التي عاث فيها خرابا، واهلية لم يسلم معظمها من التخريب.

وبالاضافة لما سبق ترافق "الاصلاح" مع ضغط امريكي على السلطة الفلسطينية لوقف جماح المقاومة، تحت مسمى "الاصلاح"، بالاضافة الى السعي لتغليب الجوانب الامنية على السياسية، وهو ما يمكن في سياقه قراءة زيارة تينيت الاخيرة.

وبجوار الانحياز الامريكي، فقد وضعت اوروربا كافة خيوط اللعبة في يد واشنطن، وهو ما اتضح من خلال تصريحات المسؤولين الاوروبيين، واخرهم وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر، الذي قال بعيد لقائه بعدد من قادة المجتمع المدني الفلسطينيين قبل حوالي الاسبوعين، بان حل ازمة الشرق الاوسط يكون بدولة فلسطينية مستقلة تعيش الى جوار دولة اسرائيل، متبعا ذلك بعبارة:" وهو ما طرحه الرئيس الامريكي أكثر من مرة".

ولم يختلف شأن القادة العرب، فالبرغم من محاولاتهم اقناع الولايات المتحدة باتخاذ مواقف اكثر اعتدالا اتجاه الفلسطينيين، الا انهم لم من دائرة "التوسل" غير المجدي الى دائرة الضغط والتلويح بورقة المصالح الامريكية في المنطقة.

ومن الامثلة في هذا السياق زيارة الرئيس المصري حسني مبارك الاخيرة لواشنطن، التي ظهر خلالها مدى الضعف العربي من ناحية، ومن ناحية اخرى استخفاف الادارة الامريكية بالقادة العرب ومبادراتهم.

فما كاد مبارك يقفل راجعا الى بلاده، معتقدا ان مباحثاته مع الرئيس الامريكي قد ساهمت في اقناعه بطرح مبادرة تعيد الفلسطينيين والاسرائيليين الى طاولة المفاوضات من جديد، حتى سارعت واشنطن الى تأكيد دعمها لشارون الذي جائها زائرا، ووصف عدوانه على الشعب الفلسطيني "بالدفاع عن النفس"، بل وحتى التصريح بـ" أن الظروف لم تتح بعد لعقد قمة وزارية من أجل إيجاد الشروط الضرورية للسلام"، وهو ما كان يؤمل منه انعاش مسيرة التسوية السلمية المتوقفة.

وهكذا وفي ظل المعطيات السابقة، يبدو الاصلاح مجاراة للضغوط الاسرائيلية والامريكية من جهة، ومن جهة أخرى محاولة من قبل جهات فلسطينية للقفز نحو المستقبل، هربا من استحقاقات الحاضر.

ولعل هذا الامر يدفعنا للتساؤل عن جدوى اي إصلاح طالما لم يسع إلا لمجاراة الضغوطات الإسرائيلية- الأمريكية، وما دام لم يعمل على تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية، والدفع نحو وحدة وطنية حقيقية مبينة على استراتيجية عمل موحدة، وأساليب مقاومة متفق عليها.

فما فائدة اصلاح لا يتجاوز اجراء انتخابات، وفي وقت لا يعمل فيه 40 % من معيلي الأسر الفلسطينية، وتعاني 17 % من هذه الأسر من انعدام اي نوع من الدخل الشهري، بالاضافة لوصف 45 % من الأسر لوضعها الاقتصادي بالسيء أو سيء جدا، (وذلك حسب اخر استطلاع للرأي اجراه برنامج دراسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت).

وما جدوى اقالة وزير والإتيان بأخر، والاراضي الفلسطينية تشهد كل يوم اجتياحا جديدا لجيش الاحتلال، ولا تخلو اي مدينة أو قرية أو مخيم فيها من حاجز اسرائيلي أو أكثر، واخر ذلك الاحتلال الاسرائيلي لمدينة رام الله، والمستمر منذ اكثر من يومين.

وما الذي سيجنيه النضال الفلسطيني من اصلاح السلطة هذا، في ظل غياب استراتيجية وطنية موحدة، ففيما تنفذ بعض الجهات هجمات داخل الخط الاخضر، تستنكر جهات أخرى هذه الهجمات، بل وحتى تنعتها بالارهاب، في ثنائية لا يمكن اطلاق الا مسمى "التخبط وانعدام التنظيم" عليها.

ان الاصلاح الحقيقي يبدأ اولا وأخيرا بتغيير النهج، بطريقة تطال جميع نواحي الحياة السياسية، لتجاوز حالة الضعف والتشتت الى حالة القوة والتنظيم، وهو ما اظهرت سنتين من الانتفاضة كم هي الحاجة ماسة اليه.

ولذا فليس على من اراد الاصلاح الا ان ينزل الى الشارع، ليلمس المطالب الشعبية ويبدأ بتطبيق المهم منها، واولها توفير قدر من العيش الكريم للفئات المسحوقة من الشعب، ما يتطلب توفير نظام ضمان اجتماعي وتأمين صحي يساعد في تعزيز قدرة المواطنين على الصمود.

فاستنادا الى استطلاع الرأي السابق ذكره، فان أهم الأولويات لدى الفلسطينيين ضمن عملية إعادة البناء، كانت تلك المتعلقة بالحاجات الطارئة والملموسة، حيث جاءت كما يلي:
1- تقديم المساعدات المالية والعينية للفقراء (98%).
2- الاستثمار من أجل خلق فرص عمل (96%).
3- محاربة المشكلات الاجتماعية (94%).
4- إعادة بناء البنية التحتية (93%).
5- فرض سيادة القانون (91%).
6- تطوير أداء مؤسسات السلطة الفلسطينية(90%).

ان المطلوب اذن هو اصلاح ثوري، يتجاوز تغيير الوجوه الى توحيد الجميع تحت راية المقاومة، كما ويسند الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، سيرا نحو الهدف الاسمى في الحرية والاستقلال.

*صحافي فلسطيني يقيم في رام الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا