الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// مفهوم الشرعية

بلكميمي محمد

2009 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


في المجتمعات البشرية الماقبل حديثة ، كان الحاكم يستمد شرعيته ، من حق الهي مزعوم .
ان نظرية الحق الالهي ، عملت على اعطاء القانون اصلا غير دنيوي واعطاء المؤسسات طابعا غير انساني ، وغير اصطناعي – وضعي .
فالحاكم هنا يستمد سلطته ، لا من الشعب ، وانما من تفويض الهي ، ذلك ان الله الذي يملك السلطة ، هو الذي ، ( حسب تلك النظرية ) ، خولها لحاكم اختاره لعباده ، ووجب بالتالي طاعته من قبل الرعايا ، الذين يحكمهم بمقتضى حق الهي مقدس ، ومشيئة الهية استثنائية .
ولان الحاكم مسؤول فقط امام الله ، لذلك ان تكون محاسبته عن كيفية ممارسة السلطة ، الا امام صاحب هذه السلطة الذي فوضها اليه .
وعليه فكل ثورة تقوم بها الرعية ، ضد الاستبداد والطغيان ، تعد اجراما .
ان شرعية الغيب هذه ، هي التي كانت سائدة في مصر الفرعونية ، وفي الدولة التاريخية الاسيوية .. وفي الامبراطورية المقدونية .. وفي الامبراطورية الرومانية .. وايضا في الدولة الاسلامية .
فبالنسبة لهذه الاخيرة ، يعتبر عثمان بن عفان ، اول حاكم اسلامي لجا الى شرعية الغيب لتثبيت حكمه ، حيث تحدث عن الخلافة باعتبارها « قميصا قمصه الله له » .
وعلى منوال عثمان بن عفان ، سار الامويون ، ( كان معاوية يقول : « الارض لله وانا خليفة الله ، وما اخذت فهو لي وما تركت للناس فبفضل مني ». ) .
وسار ايضا العباسيون ، ( كان المنصور يسمى نفسه « سلطان الله على الارض » ) .
وسارت باقي الدول الاسلامية اللاحقة .
وفي اوربا الاقطاعية ، خلال القرون الوسطى ، كان نظام الحكم المطلق الفردي ، المستند الى نظرية الحق الالهي التي تبرر شرعية الغيب ، يعيش ازهى ايامه .
ان الملوك الانجليز ، والفرنسيين ، والجرمان ، والروس ، يشكلون نماذج بارزة ، لتلك الحقبة التاريخية الاقطاعية .
غير انه مع التطور التاريخي ، افرز المجتمع الاقطاعي الاوربي من صلبه قوى اجتماعية حديثة تمثلات في الطبقة البزرجوازية الناشئة حينئذ .
هذا الانقسام المجتمعي ، بين الاقطاع السائد والبورجوازية الصاعدة ، عبر عن نفسه في شكل صراع سياسي حاد كان الموقف من نظام الحكم واسلوب ممارسة السلطة ، احد ابرز مظاهره .
ذلك انه، بينما كانت الطبقة الاقطاعية ، تصر على المؤسسة السياسية المدعمة بايديولوجية غيبية ، تبرر نظام الحكم المطلق ، كانت الطبقة البورجوازية ، على ، النقيض ، تصر على القانون الوضعي وعلى السطة الدنيوية وعلى الشرعية الشعبية .
خلال هذا الصراع التاريخي ، قامت ثورات ، وثورات مضادة ، اطيح فيها برؤوس ملوك ، واعيد فيها تنصيب ملوك .
وقامت حروب اهلية دامية وطاحنة ، مرة انتصر فيها هذا الطرف ، ومرة انتصر فيها ذاك الطرف .
ولان الاقطاع في ذلك الوقت ، اهتزت اركانه ، لكن بدون ان يفقد كل القوة للمقاومة والصمود ...
ولان البورجوازية في ذلك الوقت ، قد اصبحت قوة بارزة في المجتمع ، لكن بدون ان تكون لها القوة الكافية ، لحسم الصراع بشكل جذري ونهائي لصالحها .
لذلك ، بدات تظهر في اوساط رجال السياسة والفكر لتلك المرحلة ، ميولات للبحث عن صيغ توفيقية بين القوتين المتصارعتين .
هذا الميل التوافقي ، سيعبر عنه بشكل خاص ، الفيلسوف الانجليزي جون لوك ، الذي صاغ ما سيعرف بنظرية التعاقد ، في كتابه « محاولة في الحكومة المدنية » الصادر سنة 1690 .
ان جوهر نظرية التعاقد ، يكمن في الدعوة الى اقتسام السلطة ، بين طبقة الاقطاع ، التي يمثلها الملك ، وطبقة البورجوازية التي تمثلها هيئة تمثيلية ، سميت مجلس العموم في انجلترا ، ( أي البرلمان ) .
وعلى صعيد مؤسسات الدولة . تحت ترجمة اقتسام السلطة ، في الابتعاد عن نطاق الحكم المطلق الملكي ، والاتجاه الى النظام البرلماني الثنائي ، الذي يصبح فيه الملك والحكومة ، على حد سواء ، مسؤولين امام البرلمان ، ( بما يعنيه ذلك من حقه في نزع الثقة منها ) .
ومن ابرز الاصلاحات التي رافقت هذا التحول السياسي ، نذكر على سبيل المثال اعلان الحقوق سنة 1689 ، الذي شكل شرطا من شروط اعتلاء العرش ، كما يضمن البرلمان الحق المطلق في مجال الاقتراع على القوانين والمراقبة المالية .
ان الانتقال بنظام الحكم ، من الشرعية الغيبية المؤسسة على نظرية الحق الالهي ، الى الشرعية المدنية المؤسسة على نظرية التعاقد الاجتماعي ، سيسمح بظهور مؤسسة حديثة اخرى ( الى جانب البرلمان ) ، هي مؤسسة الحزب السياسي .
لقد ظهر الحزب ، عندما بدات مجموعات بورجوازية تتوحد حول افكار مشتركة جديدة ، مخالفة للقيم الاقطاعية القديمة . وتم ذلك في بادئ الامر داخل البرلمان ، حيث كان اعضاء البرلمان ينقسمون ويتجمعون في مجموعات بصفة تلقائية ، حسب ميولاتهم السياسية وقد ادى استمرار هذا التقليد ، الى خلق الفرق البرلمانية .
وخارج البرلمان ، كانت الشخصيات السياسية ، تعمل على خلق الاحياء ،، للقيام بالتعبئة للحملات الانتخابية ، وكانت هذه اللجان تختفي وتندثر مع انتهاء الانتخابات ، غير ان بعضها كان يستمر في ربط علاقات مع الناخبين ، ومع الزمن ، ظهر الميل لترسيخها وتجميعها في اطار منظم وقار ، سيطلق عليه اسم الحزب السياسي ، الذي كان في البدء عبارة عن تنظيم للاطر ، قبل ان يتحول الى حزب جماهيري واسع .
في تقييمهم لتجربة اقتسام السلطة ، بين الملك ( الاقطاع ) ، والبرلمان ( الشعب ) ، القائم على نظرية التعاقد ، يرى بعض المفكرين ، وعلى راسهم هيجل ، بان صيغة التوافق ، لم يكن لها في الواقع العملي ، أي وجود . باعتبار انها كانت دائما تؤول ، اما في اتجاه الرفع من سلطات الملك ، واما ، بالعكس ، في اتجاه الرفع من سلطات البرلمان ، وفق ما يمليه ميزان القوى بين الطرفين .
وفقط مع مرور الزمن ، الذي جعل قوى الاقطاع تتلاشى وتضمحل ، وقوة البورجوازية تتنامى وتتعاظم ، استطاعت هذه الاخيرة ، ان تحسم السلطة لصالحها ، بشكل جذري ونهائي ، وبالتالي الانتقال من صيغة النظام البرلماني الثنائي ، الى صيغة النظام الرلماني الاحادي ، الذي يقوم على الاسس الرئيسة التالية : عدول الملك عن رئاسة الحكومة التي اصبحت من اختصاصات الوزير الاول .. حل البرلمان ،، المسؤولية الوزارية .. التزام الملك بتعيين الوزير الاول من الحزب الفائز في الانتخابات .
مع هذا التحول النوعي ، في التاريخ السياسي للانظمة الملكية الاوربية ، يمكن القول ، بان السيادة اصبحت فعلا سيادة مدنية .
ومن المفارقات ان البورجوازية ، ما ان تحررت من ديكتاتورية الاقطاع ، حتى اتجهت لممارسة ديكتاتوريتها الخاصة .
ذلك ان بعض اسس الديمقراطية ، مثل الاقتراع العام المباشر والمتساوي ، لم يشرع في العمل به ، الا بعد الحرب العالمية الاولى ، تحت ضغط نضالات الطبقة العاملة ، من جهة ، وضغط الدولة الاشتراكية السوفياتية ، من جهة اخرى ( في انجلترا ، مهد الديمقراطية الغربية لم يصبح الانتخاب عاما بالنسبة للرجال ، الا سنة 1918 ولم يشمل النساء الا سنة 1928 ، وفي سنة 1932 ، لم تكن نسبة الناخبين من عدد السكان في انجلترا ، تتجاوز ٪4 )
اكثر من ذلك ، لم يتم تخصيص السن الانتخابي الى 18 سنة ، في معظم الدول الغربية ، الا في مطلع السبعينات ، ( وهذه حالة انحلترا ، وكندا ، والنرويج ، وهولندة ، مثلا ، اما فرنسا فلم يتم ذلك الا سنة 1974 ) .
واذا انتقلنا الى اسلوب انتخاب رئيس الجمهورية ، فاننا نلاحظ ان الرئيس الفرنسي ، لم يخضع للاقتراع المباشر الا سنة 1962 ، في حين ان في امريكا ، لاتزال سائدا لحد الان نظام الدرجتين .
والخلاصة ، ان الديمقراطية في الغرب قد تطلبت وقتا طويلا قبل ان تترسخ .
هل معنى هذا ، اننا نحن في المغرب ، سيلزمنا وقت طويل ، للانتقال من نظام الحكم المطلق ، المزين بدستور ، الى النظام الديمقراطي ؟ .
في اعتقاد الفقيد عبد السلام المؤذن ، ان الذي جعل الديمقراطية في الغرب تاخذ كل ذلك الوقت قبل ان تتحقق ، هو انها في البداية ، معزولة في جزر يحيط بها عالم معاد ، واسع جدا .
اما المغرب ، فيوجد اليوم في زمن استثنائي ، يتميز بكون الديمقراطية تتجه نحو التعميم في كل بقاع الارض ، التي اصبحت مجرد قرية صغيرة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك