الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة والصرح الثقافي ، وعاصمة الثقافة !

جمان حلاّوي

2009 / 4 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الثقافة هي البناء الفوقي لكل مجتمع مستمدا" من قاعدة تحتية متماسكة تخلق شعبا" متطلعا" إلى السمو العقلي الإبداعي بعد أن استقر وانتعش اقتصاديا"
مما يحقق من استقرار اجتماعي وبالتالي انضباط سياسي متحكم ضمن لوائح دستورية تجمع القوانين التي تحافظ على ديمومة واستقرار المجتمع .
وحين نراجع شريطا" تاريخيا" لحضارات الشعوب نلاحظ أن ليس هناك شعبا" متفرّجا" أو استهلاكيا" غير منتجا" ، أو رحالة بدوا" له حضارة وصرح ثقافة ، فالثقافة هي النتاج الواعي الذكي المستقر والمتمكن من صياغة فكره وسلاسة منهجه العلمي فالاستقرار الاقتصادي المتوازن بين الإنتاج والاستهلاك ، والتبادل السلعي المتوازن مع الجوار يجعل من المجتمع حتما" شعبا منتجا" لا في الزراعة والصناعة فحسب بل وفي الثقافة أيضا"..
لم يخلق السومريون صرحهم الثقافي العظيم والذي تشهد له الآثار الموزعة حاليا" في متاحف العالم إلا بعد أن بني مدنا" واستقر إنتاجا" وتبادل الإنتاج مع مدن الخليج والهند ( وهذا ما أثبته الرحالة البروفسور ثور هيردال ضمن رحلته على قارب البردي " دجلة " عام 1979 منطلقا" من القرنة شمال البصرة في جنوب العراق حيث يلتقي نهري دجلة والفرات ، وحتى المحيط الهندي ليثبت ذلك بعد أن كان من المشكوك فيه أن يتحمل البردي الماء لمدة أيام دون أن يتشربه ، مرورا بمملكة دلمــــون " البحرين حاليا"

فكانت طروحاتهم الثقافية العظيمة كملحـمة ( اينوما أييلش وملحمة كلكامش) وغيرها من الصروح الثقافية التي خلدتها العقول والنفوس ونقلت قيما" إنسانية تشربتها كل الشعوب وحتى يومنا هذا ..
ولن ننسى الحضارة المصرية العريقة بعد أن كانت مستقرة قرب نهر النيل،
والإغريق وروما والكل يعرف كم وصلت من الرقي والاستقرار الاقتصادي المتين لتخلق ثقافة إغريقية ورومانية يعرفها الجميع حتى أن القسم الطبي الذي يدلي به خريجي الطب وحتى يومنا هذا وضعه الطبيب اليوناني ( أبو قراط ) , وان أول الديمقراطيات قد وضعت في هذه البلدان ، وان هذه البلدان قد شهدت أول الجمهوريات .. كم كان هناك وعيا" ناضجا" مستقرا" إذن !!
مادام هناك استقرار اقتصادي ، اذن هناك مجتمع متماسك ومتمدن وصحـّي ، إذن هناك حضارة ثقافية ، هذه معادلة متوازنة ،
والأعم : ليست هناك بنية فوقية رصينة أخلاقيا" وإنسانيا" دون وجود بنية تحتية متينة وراسخة
الكيانات العربية الحالية وبعد أن انتهى الوجود الاجتماعي والسياسي (والأخلاقي ) للحضارات التي بنيت هذه الكيانات دكتاتورياتها على أنقاضها لم تستطع أن تخلق ثقافة , وان يقال أن هناك ثقافة مطروحة فهي ثقافة المعارضة ، إذ لم تخلق هذه الدول ( العربية ) ثقافة تحمل هويتها، كونها لم تخلق وجودا" ماديا" يحمل كيانها ولم تفكر ( أو تستطع أن تفكر) في أن تنتج ، بل أن كل همـّها فقط أن تصدر ما تحمله باطن أرضها من ثروات لتستورده مصنعا" وجاهزا "، إنها كيانات ذات نهج استهلاكي غير مخطط لذا كانت قمعية لشعوبها الرافضة لهذا الغباء البنيوي ، لتتبلور على أثرها معارضة خلاّقة مبدعة في الأدب والفن والعلم أيضا لكنها وفي الغالب سحقت أو هجـّرت لتخدم مضطرة الدول التي احتضنتها واكتشفت ما تملك من قدرات وطاقات إبداعية منتجة ومثمرة !
لذا لم تبن هذه الكيانات صروحا" في المعرفة والثقافة يخلدها الضمير الإنساني بل عمارات وناطحات سحاب إماراتية بنتها العقول الغربية ، أو نقل تقليدي لمتحف اللوفر وغيرها من استنساخ للإبداع الإنساني الحقيقي في العالم الحر الديمقراطي المتمدن ، وكأن صروح الأسمنت و الآجر تعوض عن صرح العقل المبدع الذكي الحر، هكذا تبني الدول العربية الملكية منها أو التي يحكمها الأمراء الفاسدين أو الجمهوريات الدكتاتورية البوليسية وجودها لتدعي التمدن والتحضر ، إنهم وحوش بدو مازالوا يضربون نساءهم في البيت ، ومازالوا يمتلكون الآمات , ومازالوا إن قال البرلمان المفروض ( مجاراة للعالم الحر) قولا معارضا لقول الدكتاتور يحل ( بضم الياء ) في الحال ، نفسهم لا يجرؤون الخروج إلى الشارع دون لواء من الجيش يمشى أمامهم وخلفهم ، نفسهم يتـّصلون هاتفيا ومن داخل مؤتمرات القمة بأسيادهم في الغرب عما سيتكلمون ( حتى في هذا هم استهلاكيون ؛ فهم لا يتعبون أنفسهم أن يستنتجوا من خلال سياستهم العميلة أن يصوغوا كلامهم ، لا ، يريدوه جاهزا" كألبسة نسائهم من باريس وويسكي سكوج المعتق لجلالتهم !!
هذا ليس بكلام بذيء بل هي الحقيقة التي يعرفها الجميع ولا يستطيع قولها ، أردت إيضاح لماذا نحن متخلفون ولم ولا ولن نصل إلى مصاف الشعوب التي لم تعد تفكر بالكهرباء التي تنقطع 12 ساعة في اليوم وان لا يصلها الماء النقي ، وان تجعل بناتها متبرقعات ومحجبات قسرا"، قانطات يقرن في بيوتهن ويضربن في السياط وان لا يكلمن زملاءهن في الجامعة أو العمل ، لماذا نسكت عن هذه الجرائم ؟! من يريد النقاش معي وتكذيبي فأني متواجد في الحوار المتمدن أو أي منبر حر أواجهه ، ألا لعنة الضمير البشري عليكم أيها الحكام العرب العملاء الفاسدين في الأرض ، الفاسقين في القيم الإنسانية، جلاّدي شعوبهم ..

والطامة الكبرى التي حصلت هذه الأيام أن محافظ البصرة الأمي المتخلّف الذي ارتقى مركزه هذا مستغلا"الفوران الشيعي بعد سقوط الدكتاتورية ، والذي احتوى الشارع البصري نفسيا وعاطفيا ، أن يقوم بافتتاح مهرجان تحت عنوان :
( البصرة عاصمة الثقافة !!!)
برعاية مجلس الوزراء وحفاوة الدولة
تحت أي من الشروط التي ذكرتها سابقا أن نجعل من البصرة عاصمة الثقافة ، ألأجل أن نتذكر عباقرتها الذين لم تحترم الدولة ارثهم ، أم متحفها الذي يضم بقايا آثار معركة الجمل بين علي بن أبي طالب المصلح التقي وعائشة زوج الرسول العابثة ومن معها أمثال الزبير وطلحة خائني عهد الخلافة لعلي .. ذلك المتحف المهم والذي نهب ، أم نهر العشار العريق الذي يضم قسمي مدينة البصرة والذي تحول إلى اللون الأسود كمستنقع آسن تملؤه الزبال متحولا"إلى مرتع للأوبئة ،
في زيارتي الأخيرة للبصرة من أميركا لم أجد مكتبة واحدة ، فأنا نهم للقراءة كالعثة ، جننت ؛ أريد أن اقرأ ، بحثت لم أجد سوى مكتبات فقيرة حقيرة تحوي كتب كمفاتيح الجنان , وعجائب الملكوت ، وخزعبلات الدين، وسخافات التنجيم !
لا توجد سينما واحدة في البصرة ، كيف ؟!!
لا يوجد مسرح ذو مواصفات المسرح النموذجي واحد في البصرة إذ تستغل قاعة التربية المخصصة سابقا للمحاضرات والمؤتمرات مسرحا للتشابيه الشيعية !!أما مسرح بهو الإدارة المحلية فقد تحول إلى ثكنة للجيش ، تصوروا !!
....................

كيف تجعلون من مدينة تفتقر لكل ما أسلفت عاصمة للثقافة ، أتعرفون ماهي الثقافة ، طبعا" لا لأن من افتتح المهرجان هو أميّ أصلا ومن معه هم من الأميين الجهلاء كونهم تسلقوا الوزارات نتيجة للمحاصصة الطائفية

انتبهوا للبصرة العزيزة وعمّروها ، وعمـّقوا ثقة الناس بكم ، وأزيلوا توتـّرهم وتوجسهم المستمر كونها أكثر مدينة في العراق الحر قد تعرضت للإيذاء في الحرب العراقية الإيرانية حيث آذتها إيران أيما إيذاء في القصف العشوائي على المدنيين منذ 1981 و حتى 1987 التي شهدت خلالها البصرة أشرس هجمة على المدنيين استشهدت على أثرها والدتي ، ومن ثم حرب الخليج بعد احتلال الكويت، ومن ثم الهجمات الأمريكية المتوالية , وقمع السلطة الصدامية الدكتاتورية العنيفة للحركات الشيعية التي هدت البصرة . نعم ، البصرة مهد الثقافة والحب والانتماء ، لكن ارجعوا لها حلـّتها الثقافية قبل الإعلان الزائف لغرض ما كونها عاصمة للثقافة ، فالبصرة هي مدرسة اللغة والفقه والبلاغة والشعر ومنفرج العراق إلى العالم ؛ ميناءا" كان عظيها" قبل الدكتاتورية كأي ميناء عظيم وعتيق يحلم فيه كل بحّار فتبقى ذكرى أجيال ، ويطلب منها السائح بالاغتناء المعرفي . البصرة حقا" عاصمة المعرفة والثقافة ، لكن في ضمائر الذين هجروها قسرا" إبان الحكم الدكتاتوري ، أو إبان الاستهتار الديني الطائفي المنفر , إنها عاصمة الثقافة المفقودة كقارة اتلانتس الأسطورية ،لا نسمح أن يفتتحها أمـّي متخلف متبجّح جلس جزافا" على كرسي محافظة البصرة .. مع الأسف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - They are the new jankis khan and Timur Ling
Talal Alrubaie ( 2009 / 4 / 17 - 01:06 )
Thanks for this most excellent article which shows vividly the descent of our cultural life in today’s Iraq at the hands of the current government which is just a new version, if not worse, of the Tatar occupiers like Jankis Khan and Timur Ling. They are the archenemy of culture and civilization. They are the plaque, the Black Death, which we thought we had eradicated once and for all
Please keep up the good work.


2 - اهلا بك
عبد العالي الحراك ( 2009 / 4 / 17 - 09:28 )
وشكرا لك على كلامك هذا وحرصك على البصرة والعراق..دمت سالما ولتسلم البصرة.. وليسلم العراق

اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب