الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع والممنوع في دعم المقاومة

رمضان متولي

2009 / 4 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ أعلنت الحكومة المصرية عن اكتشاف خلية لحزب الله اللبناني في مصر، وادعت أن هذه الخلية تهدف إلى تهريب سلاح إلى الفلسطينيين في غزة من الأراضي المصرية، وكذلك استهداف السياحة الإسرائيلية والقيام بتنفيذ عمليات عدائية داخل مصر ونشر الفكر الشيعي، إلى آخر قائمة التهم، قامت الصحف المصرية – خاصة القومية – بشن حملة شعواء ضد الحزب وضد قائده السيد حسن نصر الله، الذي اتهمه البعض بأنه شيخ منصر وزعيم عصابة.

لم أشأ التعليق على وصلة "الردح" التي قامت بها تلك الصحف حيث أنها تفتقد فعلا إلى المصداقية بسبب معرفة الجمهور أنها مجرد أبواق للسلطة، لا تعترف بالحقائق ولا تحمل رأيا نزيها يمكن مناقشته.

لكن مقالة الدكتور عمرو الشوبكي التي نشرتها جريدة "المصري اليوم" يوم الخميس الماضي، تحت عنوان "مصر وحزب الله … أخطاء بالجملة" تستدعي الاهتمام، أولا لأن عمرو الشوبكي معروف باستقلالية رأيه ولا شبهة في أن يكون الرجل عضوا في جوقة الأبواق الحكومية، وثانيا لأن مقاله يستبعد قائمة التهم التي لا يقبلها المنطق مستنكرا حملة التشويه المبتذلة والتهم العشوائية ضد قائد الحزب اللبناني. ومع ذلك انتهى المقال إلى إدانة الحزب واتهامه بابتذال مفهوم المقاومة، وتخليه عن مشروعها وولائه لمن يدفع (إيران)، والمغامرة والمزايدة بالشعارات – أي وجه إلى الحزب وزعيمه قائمة أخرى من التهم تقترب في ابتذالها وعشوائيتها من مستوى المقالات التي نشرت في الصحف الحكومية وبأقلام أبواقها.

يتهم الدكتور عمرو حزب الله بأنه ضرب مفاهيم سيادة الدولة نظرا لرغبته في تصدير المقاومة إلى أرض بلد آخر بعد أن تعذر عليه لعب هذا الدور في لبنان بسبب مغامرته العسكرية في 2006، وكأن الحزب كان يريد زرع فصيل مقاتل على الأرض المصرية ولم يستهدف مجرد تهريب السلاح إلى المقاومين في غزة – وهو أمر مشروع تماما بكل المعايير الأخلاقية والسياسية - ومع ذلك يقر الدكتور عمرو بأن الحزب لم يستهدف إلا تهريب السلاح لحركة حماس! ولنا هنا أن نذكر الدكتور عمرو أن مصر نفسها استخدمت أراضي عدة دول، دون التنسيق معها مسبقا، في عمليات قامت بها ضد إسرائيل أثناء حرب الاستنزاف، ولم يتهم أحد مصر بأنها ضربت مفاهيم سيادة الدولة بتصدير المقاومة إلى أرض بلد آخر، وكان الجميع يرى في ذلك عملا مشروعا.

ويرى الرجل أن مشروع حزب الله كحزب مقاوم انتهى لأن إسرائيل انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، وكأن إسرائيل انسحبت فعلا من كل الأراضي اللبنانية ولم تعد تحتل مزارع شبعا، وكأنها توقفت عن استهداف المقاومة سواء اللبنانية أو الفلسطينية ولم تعد تمارس أعمالا عدائية ضدها وتسعى إلى تقويضها، وكأن إسرائيل لا تتربص بجميع دول المنطقة الصديق منها والعدو!

اتهم د. عمرو الحزب بأن ولاءه لمن يدفع، ولم يذكر لنا لماذا لم تتجه دول أخرى، مثل السعودية أو غيرها من دول "الاعتدال" إلى شراء الحزب وهي الأقدر على الدفع من إيران المحاصرة، لتكسب ولاءه أو على الأقل تحيده حتى تقاوم تمدد المشروع الإيراني الإقليمي الذي تخشاه وتتحسب له أكثر من خشيتها وتحسبها للمشروع الإقليمي الأمريكي الصهيوني! ولم يقل لنا لماذا تتجه أيادي المنظمات التي تتبنى مشروع المقاومة، مثل حزب الله الشيعي وحماس السنية، إلى إيران حتى تدفع لها، بينما تتجه أموال دول "الاعتدال" العربي إلى منظمات وهيئات أخرى، مثل سلطة عباس وجماعة الحريري، تسعى إلى تقويض المقاومة والتعاون مع الصهيونية والاستعمار!

أدان الرجل قيام الحزب بمحاولة تهريب السلاح إلى حركة حماس منتقدا تصوره أن نبل الهدف يجعل من مفاهيم "السيادة الوطنية" ودور الدولة "حواشي" لا أهمية لها، ولم يشرح لنا لماذا لا تحتضن الدولة ولا يكون جزءا من دورها حماية الهدف النبيل، ولم يفسر لنا لماذا نجد هذا التعارض بين مفهوم السيادة الوطنية هنا ورعاية الأهداف النبيلة!

لست مؤيدا لحزب الله أو أي جماعة سياسية تقوم على أسس دينية أو طائفية، لكنني لا أقدس مفهوم الدولة على إطلاقه كما يفعل الدكتور عمرو في مقاله رغم ملاحظاته الكثيرة على أداء الدولة المصرية والتي وصف نظامها السياسي بالبلاء. الأساس الديني والطائفي لحزب الله يجعله قاصرا عن التعبير عن تطلعات الجماهير العربية إلى الحرية والعدالة، ويدفع سياساته في نهاية المطاف إلى خدمة التوجهات الرجعية للنظم الحاكمة سواء فيما يسمى بمعسكر "الاعتدال" أو ما يسمى بمعسكر "الممانعة".

لكن ذلك لا يعني إدانة سياسات حزب الله على طول الخط، حتى عندما يحاول بكل وسيلة استخدام قدراته في مواجهة الاستعمار والصهيونية، كما أنه لا يعني تأييد النظم الرجعية الحاكمة في مواجهته تحت دعاوى السيادة الوطنية المزعومة، وهي مزعومة لأننا نعرف جميعا أن هذه السيادة لا تظهر لها أنياب إلا في مواجهة من يرفضون الهيمنة الاستعمارية والصهيونية في المنطقة. السيادة الوحيدة التي يمكن أن أدافع عنها هي سيادة الدولة التي تمثل مصالح الغالبية العظمى من سكانها من العمال والفقراء وتساند مبادئ التحرر والعدالة ومنها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، أما سيادة دولة لا تمثل إلا مصالح أقلية من رجال الأعمال والسلطة الذين تماهت مصالحهم مع مصالح المشروع الاستعماري الأمريكي والصهيوني في المنطقة، فلا احترام لها ولا اعتبار. ومحاولة الفصل بين الدولة وسيادتها وطبيعة النظام السياسي الحاكم محاولة للتمويه على الموقف المتهافت، لأن الدولة هي تجسيد للنظام السياسي وأداته في الحفاظ على بقائه، ولذلك فإن الدفاع عن سيادة دولة ما دفاع عن النظام السياسي الذي تجسده هذه الدولة ويستخدمها في فرض توجهاته ومصالحه.

تهريب السلاح إلى المقاومة في غزة مشروع باعتباره هدفا نبيلا يجب أن يتبناه كل من يرفض الاستعمار والصهيونية، وكل من يؤيد حق الشعوب في تقرير مصيرها، بغض النظر عن أي سيادة حقيقية أو مزعومة لدول تتحالف مع الاستعمار وتقف عقبة أمام حرية الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في


.. مشاهد للتجنيد القسري في أوكرانيا تثير الجدل | #منصات




.. نتنياهو: الإسرائيليون سيقاتلون لوحدهم وبأظافرهم إذا اضطروا ل


.. موسكو تلوّح مجددا بالسلاح النووي وتحذر الغرب من -صراع عالمي-




.. تهديدات إسرائيلية وتحذيرات أميركية.. إلى أين تتجه الأمور في