الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرصة أخرى من أجل إسرائيل كبرى

ماجد الشيخ

2009 / 4 / 19
القضية الفلسطينية


السلام دونه وجود إستراتيجية فلسطينية – عربية موحدة
كم نحن اليوم أكثر احتياجا لتحديد دقة استعمالاتنا للكلمات، بدلا من سيادة تلك المشاعية البدائية في استخدام كلمات لا علاقة لها بالواقع، فالقول أن إسرائيل تتراجع عن السلام، يظهر لنا واقعا مغايرا، فأيّ سلام هو المقصود؟ وأيّ إسرائيل هي التي تتراجع؟ وأيّ فحوى لهذا التراجع وما المدى الذي بلغه ذاك السلام الموهوم؟

لئن كانت إسرائيل قد وقعت "اتفاقيات تسوية" ثنائية مع كل من مصر والأردن، هذا لا يعني أن إسرائيل تتبنى السلام هدفا تعمل لأجله وتستميت لتحقيقه، خصوصا مع الشعب الفلسطيني، صاحب القضية الوطنية والأرض التاريخية، حيث يجري تجاهل فلسطينية الأرض ووطنية قضية شعبها، كمبرر لاستخدام ذريعة عدم التنازل عن جزء من فلسطين؛ الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني بكافة أطيافه لإقامة كيان/دولة له إلى جانب كيان إسرائيل، على ما تذهب أدبيات السياسة التسووية.

ليس هذا فحسب، بل إن الحكومة الحالية ترفض إنهاء الاحتلال، وإلا ما معنى اقتراح رئيسها بنيامين نتانياهو ذاك "السلام الاقتصادي"، كبديل من السعي للتخلي عن كامل المناطق التي يتوجب قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة فيها، كدولة مستقلة في إطار حل تسووي ممكن؟ في ظل التوسع والتمدد الأخطبوطي الاستيطاني، ليس في الضفة الغربية فقط، بل وفي قلب القدس كذلك، في محاولة لمحو تاريخها وتراثها وإرثها العربي/الكنعاني.

إن التوجه الأميركي الجديد ووعد "التغيير" الذي يحمله الرئيس باراك أوباما نحو "سلام إقليمي شامل" يحتم وجود اتجاهات إقليمية ودولية مغايرة، لا تقدم لإسرائيل فقط مغريات التطبيع والاعتراف بها من جانب عشرات الدول العربية والإسلامية، بل وتقيم للشعب الفلسطيني الأسس التي ينبغي أن تسند قواعد دولته الوطنية المستقلة، المتصلة غير مقطعة الأوصال. وهذا هو شرط التسوية العتيدة الموعودة، ليس كحل للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل ولإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين وحق عودتهم كحق مقدس، وللقدس كمدينة عربية فلسطينية غير قابلة للتهويد، وسرقة تراثها وإرثها الكنعاني العربي ونسبتها إلى "هوية يهودية" مزورة وموهومة.

بالطبع لسنا في وارد الإقرار بتسوية موصومة بتنازلات لا يمكن إعادة النظر فيها نهائيا. وهذا ما لا يقره الشعب الفلسطيني مطلقا، وهو الموقف ذاته الذي رفضته القيادة الفلسطينية أثناء المفاوضات على اتفاقية واي ريفر مع حكومة نتانياهو الأولى بين عامي 1996 – 1999، وهي الاتفاقية الملأى بالثقوب والعيوب التي أرادها نتانياهو كذلك كي يحقق "الأمن مقابل السلام"، فيما هو يسعى الآن لتحقيق سلامه الاقتصادي مقابل الأمن والسلام معا، وإبقاء الأرض تحت الاحتلال، وقد أمسى هذا الأخير أقل كلفة بوجود اتفاقيات أوسلو وما انبثق منها وعنها من سلطة بأجهزتها ومؤسساتها.

من هنا ضرورة استعادة زمام مبادرة تدفيع الاحتلال أثمانا باهظة، يصعب تحملها في ظل أعباء الأزمة المالية الدولية الراهنة، حتى في ظل شروط جديدة من المقاومة الشعبية، وابتداع مزيد من أشكال الكفاح الشعبي على غرار ما يجري أسبوعيا في نعلين وغيرها من القرى والمناطق المحاذية للجدار العنصري، وهي مواجهات تكلف الاحتلال شهريا ملايين الدولارات والأعباء الأمنية الإضافية، وإبقاء قفاز التحدي مرفوعا في وجه قواه الأمنية بهدف إنهاكها وإفقادها هيبتها وهيبة ردعها.

وفي غياب إمكانية التوصل إلى تسوية دائمة، بين طرفين لا يعتدّان بوجود شراكة بينهما، للوصول إلى مثل هذه التسوية. فلا السلام وفق مفهومه الإسرائيلي بشكل عام، ولا "السلام الاقتصادي" بمفهومه الليكودي الخاص، كما ورد مؤخرا على لسان نتانياهو، يمكنهما أن يحققا التطلعات الوطنية الفلسطينية، فالسلام هنا ملتبس من حيث كونه يتماهى واقتصاد مأزوم ليس محليا فقط، بل وفي العالم كله. وفي إسرائيل تحديدا، فإن الأزمة أكبر من أن تحلها مفاهيم وأطروحات تتجاهل الواقع، على ما يحاوله نتانياهو عبر حكومته الأكثر يمينية وفاشية من تلك الأولى. أما التسوية السياسية فذلك شأن آخر أعقد وأكبر من أن تعالجها أو تقاربها حكومة بمواصفات حكومة نتانياهو الجديدة، وأكبر من أن تقاربها كذلك سلطة الوضع الوطني الفلسطيني المنقسمة.

وحكومة الليكود الأكثر تطرفا ويمينية، والمحاطة بحلفاء من اليمين الديني والقومي وحتى الوسط المتطرف، والمعادية في مجملها للاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين، هي الأقرب اليوم إلى منطق الحرب والبلطجة العدوانية، وربما استكمال ما لم يجر "إنجازه" في حرب لبنان الثانية عام 2006 ومؤخرا في حرب غزة. وأخيرا وليس آخرا التفلّت من أجل توجيه ضربة لإيران. فأيّ سلام هو هذا الذي تتجه إليه إسرائيل اليوم؛ إسرائيل الليكودية المتطرفة، وهي تسوّق لنفسها ولوهم السلام إقليميا ودوليا، فيما هي تمضي في مخططات استيلائها على المزيد من الأرض، وهدم البيوت، ومواصلة بناء المزيد من جدران الفصل العنصري، ومحاولة تهويد القدس عبر تطهير عرقي واسع، وتوسيع المستوطنات، خاصة الكتل الكبرى الكفيلة بمنع إقامة دولة فلسطينية، تهيئة لإقامة "إسرائيل كبرى" بعد أن فقد "حلم إسرائيل الكبرى" بريقه مرة وإلى الأبد.

وإذا كان نتانياهو يفترض أن فرصة ثالثة قد لا تكون متاحة له في السلطة مستقبلا، فهو سيحاول أن يفعل كل شئ من أجل أن لا يقع في شباك الفشل مرة أخرى، إلا أن "فرصة السلام" ستبقى تلوح له مثل سراب بعيد، كلما اقترب منه تبدّد. لهذا هو لن ينجح إلا بالاقتراب من عملية غامضة، ليس السلام أحد سماتها أو قسماتها بالتأكيد.

ثم أن السلام في هذه المنطقة من العالم دونه وجود إستراتيجية فلسطينية – عربية موحدة، تجمع على مفهوم السلام العادل والشامل، الذي يستعيد عبره الشعب الفلسطيني وطنه التاريخي المسلوب، لتتحقق فوق ترابه الوطني عودة لاجئيه إليه، وليجسد استقلال دولته الوطنية فوق أرضه، على أن شرط تحقيق كل ذلك ولادة نظام إقليمي – دولي جديد متعدد الأقطاب فعلا، رغم المصلحة الإسرائيلية في بقاء الهيمنة الأحادية الأميركية سيدة القوى والقوة في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز ماجد
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 4 / 18 - 23:15 )
تحية واحترام
لا ادري من تخاطب في هذا المقال هل تخاطب الاسرائيليين ام تخاطب فتح ام حماس ام اليسار الفلسطيني ام تخاطب الشعب الفلسطيني .. وانا واثق ان لا احد يسمع .. لأن للمسمع متطلبات اولها ان يكون هناك مؤسسات فلسطينية تؤمن بالراي الاخر وتتعامل باهتمام مع وجهات النظر .. وتؤمن بديمقراطية الحوار وتلاقح الاراء والافكار .. وتتعامل مع وجهات نظر الاخرين باحترام واهتمام ..
ولان كل هذه الامور ليست موجودة .. وبدلا منها لا يوجد الا الازدراء والتسفيه والحجر واغلاق بواباتها وشبابيكها امام اي رأي خارج اطار مؤسستتها الصغيرة الضيقة فان الاهتمام يجب ان ينصب على نقد الاسس الخاطئة المستشرية في مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني.
وحتى تتمكن القوى الوطنية الديمقراطية الفلسطينية من وضع قواعد لحركة وطنية ديمقراطية واسعة فان مثل ما تفضل به في مقالك لن يكون له فائدة .. وحبذا لو تركزت الجهود على ترسيخ مقومات مؤسسة وطنية ديمقراطية حقيقية حتى يكون للكتابة في التفاصيل والتعليق على الاحداث له جدوى
اتابعك باستمرار وباهتمام واتفق مع الكثير لكني اختلف مع لغة التعميم وتعقيدات اللغة
خالص تقديري وتحياتي


2 - المسألة مسألة أسلوب!
ماجد الشيخ ( 2009 / 4 / 19 - 16:55 )
عزيزي إبراهيم
تحياتي مع كل المحبة
ليس المقال السياسي رسالة نوجهها لذات بعينها أو لآخر بعينه، إنما هو خطاب إما ينحو نحو التحليل أو نحو التعليق أو التعقيب، وهو في كل الحالات موجه إلى من يعنيه الأمر أو كل من ينبغي أن يعنيه الأمر بغض النظر عن موقعه هنا أو هناك. والمقال الذي نحن في صدده أو في صدد غيره من مقالاتي عموما، إنما هي تنحو نحو هذا كله: ففيها من التحليل والتعقيب والتعليق ما ينبغي أن يتوافق وطبيعة العمل الصحافي اليومي ليس إلاّ.
وإذ أتفق مع ما ذهبت إليه من ضرورة وجود و -ترسيخ مقومات مؤسسة وطنية ديمقراطية حقيقية- انطلاقا من مهام المرحلة واللحظة الراهنة، فذلك يعود إلى ضرورة تخليق العقل المؤسساتي أولا، والنضال من أجل المهمة أو المهام الديمقراطية داخل الوضع الوطني، بدلا من إبقائه يعوم في لجج من التسطيح والتسفيه للمهام الكفاحية العليا.
وما تسميها لغة التعميم، هي كود وشيفرة التماثل النسبي لأوضاعنا العامة، الأوضاع التي ينبغي أن لا يعصمنا منها عاصم السعي أو الدعوة إلى تغييرها هنا أو هناك أو هنالك. أما تعقيدات اللغة فهي ما يعني الأسلوب أسلوبي الخاص في التعبير عن أفكاري، وهذا ما اعتدت وعوّدت نفسي عليه منذ وقت مبكر، فكان التراكم واحدا من مسببات خلق الأسلوب الذي رسخ وصار من الصعب إ

اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن