الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدينة الفاضلة عبر التأريخ

كاظم الحسن

2009 / 4 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


المدينة الفاضلة عبر التأريخ
قراءة في كتـاب

الاحلام والخيال مرادفة لوجود الانسان عبرها حلق الى افاق بعيدة الا انها كانت مدعاة لتعاسة البشر ومنها كانت اليوتوبيا التي صاغها (توماس مور) وتتكون من كلمة (أوتوبيا) في نطقها اليوناني وقد اشتقها من الكلمتين اليونانيتين OUبمعنى(لا)TOPOS بمعنى (مكان) وتعني الكلمة في مجموعها(ليس في مكان) ولكنه اسقط حرف(O) وكتب الكلمة باللاتينية لتصبحUTOPIA ووضعها عنونا لكتاب له هو اشهر يوتوبيا في العصر الحديث. ترى مؤلفة هذا الكتاب ماريا لويزا ان عصرنا هو عصر التسويات والحلول الوسطى والسعي لجعل العالم اقل شروراً والحالمون من اصحاب الرؤى اصبحوا موضع السخرية او الاحتقار والناس العمليون هم الذين يحكمون حياتنا. لم نعد نبحث عن حلول جذرية لشرور المجتمع بل لاصلاحه ولم نعد نسعى لالغاء الحروب بل لتجنبها فترة تمتد سنوات قليلة اننا لانحاول الغاء المجاعة بل نسعى لانشاء مؤسسات خيرية عالمية على نطاق واسع. ويعتقد هربرت ريد ان اليوتوبيات المضادة للنزعة التسلطية تقيس التقدم :(عن طريق درجة التمايز داخل المجتمع فاذا كان الفرد وحدة في كتلة المجموع فأن حياته لاتكون فظة وقصيرة فحسب بل تكون كذلك متبلدة والية واذا كان وحدة في ذاته اي لديه المجال والامكانية للعمل المستقل فربما يكون اكثر خضوعا للمصادفة والحظ ولكنه سيستطيع على الاقل ان ينمو ويعبر عن نفسه وسوف يمكنه ان يتطور في الوعي بالقوة والحيوية والبهجة).
ولكن هذا كما يؤكد ايضا هربرت ريد ليس تعريفا للتقدم: (فهناك العديد من البشر الذي يجدون الامان وسط الاعداد الكبيرة ويجدون السعادة في ان يبقوا مجهولين والكرامة في العمل الروتيني انهم لا يسعون الى شيء افضل من ان يكونوا رأسا في قطيع يسوقه راع او جنودا تحت امرة قائد او عبيدا تحت سطوة طاغية والقليلون منهم فقط هم الذين يتطورون بحيث يصبحون الرعاة والقادة والرؤساء لاولئك الذين اختاروا بارادتهم ان يكونوا تابعين).وتؤكد مؤلفة الكتاب: ان الدولة البوتوبية التسلطية لا تسمح بوجود اية شخصية تكون من القوة والاستقلال بحيث تتصور امكان التغيير او التمرد وما دامت المؤسسات اليوتوبية تعتبر كاملة فمن البديهي انها لن تكون قابلة للاصلاح ان الدولة اليوتوبية في جوهرها دولة سكونية ولا تسمح لمواطنيها بان يناضلوا او حتى ان يحلموا بيوتوبيا افضل.
والدولة اليوتوبية اشد شراسة في قمعها لحرية الفنان فالشاعر والرسام والنحات يفترض فيهم ان يكونوا في خدمة الدولة وان يتحولوا الى عملاء للدعاية لها. ان التعبير الفردي محظور عليهم سواء لاسباب جمالية او اخلاقية ولكن الهدف الحقيقي هو سحق اي مظهر من مظاهر الحرية ولامراء في ان معظم اليوتوبيات ستفشل فشلا ذريعا في(اختبار الفن).
لقد طرد افلاطون الشعراء من جمهوريته ولكن هذه الجمهورية كانت نموذجا مضللا للكمال ربما استطاع بعض المستبدين ان يحققوها في الواقع غير انها لن تؤدي وظيفتها الا كالألة اي بشكل آلي فالآلات تعمل بشكل آلي لمجرد انها مصنوعة من مواد ميتة وغير عضوية ولو اردت ان تعبر عن الفرق بين مجتمع تقدمي عضوي وحكومة شمولية سكونية فيمكنك ان تعبر عن هذا بكلمة واحدة هي الفن ولا يستطيع المجتمع ان يجسد مثل الحرية والتطور العقلي وهي التي تجعل الحياة في نظر الغالبية منا جديرة بان نحياها الا بشرط السماح للفنان بان يمارس عمله بحرية. وتشير الباحثة الى الفرق الكبير بين الدولة المثالية اليونانية ودول عصر النهضة من دون ان يعني هذا توقف المحاولات في العصور الوسطى حيث يتم اسقاط الدولة المثالية على العالم الاخر سواء بالطريقة الصوفية او الفلسفية التي نجدها في مدينة لله للقديس اوغسطين. كانت اليوتوبيا في عصر النهضة بمنزلة رد فعل للنزعة الفردية المتطرفة في هذا العصر كما كانت محاولة لخلق وحدة جديدة بين الامم.. فقدم توماس مور العالم الانساني وراعي المصورين يوتوبيا تفتقر الى الفردية من توحيد للمنازل والملابس الى الالتزام بروتين العمل الصارم وغياب المظاهرالفنية وحلول الانسان النمطي محل الانسان المتفرد لعصر النهضة. الا ان نزوع الانسان نحو اهداف كبرى وقسر الاخرين على اعتناقها من خلال استخدام مظاهر العنف والقسوة قد ادى الى نتائج كارثية للامم التي اختارت هذا الطريق وظلت محاولات الانسان قائمة من اجل خلق معنى لحياته حتى لو صاحب ذلك اراقة الدماء وبث حالة الهلع والخوف في مختلف ميادين الحياة وقد يكون القرن العشرون هو الاكثر قسوة على الرغم من الوعود بالرفاهية والوفرة والسعادة وان المستقبل سوف يكون بالضرورة هو الافضل وليس الماضي كلما وعد بذلك فلاسفة السعادة الا ان شيئا من ذاك لم يحدث فلقد اتت الحروب وهي الحرب العالمية الاولى والثانية على كل مظاهر الحياة واحالت اوروبا والعالم الى خراب ودمار وبددت الطاقات والقدرات والامكانات التي كان من المؤمل استثمارها وتوظيفها من اجل مستقبل الاجيال وخلق فرص انسانية لهم بدلا من بحيرات الدم التي احاطت حياتهم من كل جانب وجعلت التشاؤم يسود ويحل بدلا من الامل بعالم اكثر امانا وسعادة. وتتساءل الباحثة عن جدوى احلام الانسان في اقامة مدينة فاضلة عبر التاريخ طالما ان ذلك مستحيل وغير ممكن؟ وكيف بقيت تلك الافكار تتناقل من جيل الى اخر حيث ان رغبات الانسان وامنياته ظلت هي التي تقوده نحو المجهول والمغامرة؟ وكان الانسان لا يستطيع التعايش مع الواقع الا من خلال اجنحة الخيال والحلم رغم الضريبة الباهظة والمكلفة التي دفعها الانسان على امتداد التاريخ وحتى النظريات السياسية التي تتحدث عن نهاية الصراع الطبقي انها تتجاوز الطبيعة البشرية والفروقات الفردية التي تتمثل بالقدرات الذكرية والنفسية والصحية المختلفة بن الافراد ومن ثم يصبح من العسير ان ينتهي الصراع بين البشر ولكن من الممكن تحويل مجرى هذا النزاع الى مجالات اقتصادية او علمية او رياضية وتجنيب البشر ويلات الحروب واثارها الفادحة على الشعوب.
من الطبيعي ان يحلم الانسان وله الحق في ذلك ولكن ليس بالضرورة ان تفرض على الاخرين ففي الوقت الذي يسعى الفرد الى احترام معتقدات الاخرين وحرياتهم عليه ايضا ان يعيش مع احلامه بلا اكراه الآخرين على اعتناقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عنفت طفل من ذوي الهمم.. معلمة تثير غضب الشارع الأردني | #منص


.. تلون السماء وتهدد الاتصالات.. تأثير العاصفة الشمسية يصل بلد




.. بينَ إسرائيل والولايات المتحدة.. تقاربٌ وتضارب.. دعمٌ وتحذير


.. مهاجم مانشستر سيتي إيرلينغ هالاند يحافظ على لقب هداف الدوري




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 19 جند