الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية إعادة تشكيل المعارضة .. ( 1 )

بدر الدين شنن

2009 / 4 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


اللافت في الحالة السورية الراهنة ، أن الجدل المعبر عن الاختلاف والتعارض ، لم يعد قائماً بين النظام والمعارضة وحسب . وإنما انتقل إلى مكونات المعارضة ذاتها أيضاً .. فصائل وتجمعات وأفراداً .. والواضح من سياق هذا الجدل ، أن مرد ذلك لايعود في المضمون إلى " مفاجأة " تعليق معارضة جماعة الأخوان المسلمين للنظام ، فالجماعة كما يصرح قادتها أنهم منذ أواسط الثمانينات هم طلاب تفاوض وتصالح مع النظام . ولايعود جوهرياً أيضاً إلى انتفاء أو انخفاض دواعي الجدل الخلافي بين النظام والمعارضة من أجل تجاوز الاستبداد إلى الديمقراطية ، فالاستبداد بكل مقوماته مازال قائماً . ولايعود أيضاً إلى حدوث متغيرات على قدر كبير من الأهمية تشي بأن النظام قد يقدم الديمقراطية تكرمة لمواطنيه " المعترين " ، وجعلت المعارضة في حال تسمح لها بترف الانقسام حول الاقتسام ، فالمعارضة ما زالت محاصرة وملاحقة بأجهزة الأمن والمحاكم والسجون ، والنظام مازال جشعاً غير وارد لديه مثل هذا الكرم الديمقراطي . كما لايعود بالضبط أيضاً .. وأيضاً .. إلى تبدل في شروط سياسية ا ستثنائية تكتنف البلاد في اللحظة السياسية الراهنة ، فالشروط السياسية الاستثنائية .. أو الساخنة .. أو الحلقات الساخنة .. في سيرورة الكيان السوري ، المتفصل مع الكيانات الأخرى في المنطقة ، التي تتعرض مجتمعة بنسب مختلفة إلى ذات الشروط والحلقات ، وخاصة في فلسطين ولبنان ثم انضم العراق إلى هذه الخصوصية ، هي من السمات الدائمة للحالة السورية منذ الاستقلال إلى الآن ، وتدخل ضمن هذه الشروط والحلقات المخططات الاستعمارية ، والحروب الإسرائيلية المتواصلة على البلدان العربية منذ 1948 وصولاً إلى محرقة غزة الأخيرة 2009 ، والحروب الأميركية في الخليج ، والحروب بين الأخوة الأعداء في لبنان وغير لبنان .

وإذا كان مرد الجدل الذاتي المعارض لاهذا ولاذاك ، فإنه يعزز ويبرر الاعتقاد أنه انعكاس لأزمة مزمنة مركبة لدى المعارضة ، قبل أن تكون أزمة ناتجة عن تنقل جاعة الأخوان المسلمين من جبهة إلى جبهة ومن تموضع إلى تموضع . كما يعبر عن الابتعاد عن مضمون هذه الأزمة الحقيقي ، ويدفع اتجاهات البحث عن حل خارج مضمارها ، حيث لن يكون الحصاد إلاّ مازرع في الأرض من بذار عناصر الأزمة ذاتها . ما جعل من قرار تعليق معارضة الجماعة للنظام قضية المعارضة الكبرى ، وجعله محور نقاش ، ليس حول صوابية خلفيته أو خطأها ، وإنما حالة التفاوض أو التهادن مع النظام ، وتحميله جماعة الأخوان مسؤولية ضعف المعارضة إجمالاً . .

أي أن هذا الجدل إنما يعود ، كما تدل الوقائع اليومية المتوالية إلى وصول الحراك المعارض إلى حالة انسداد مقلقة لاتشجع على متابعة الطريق السابقة ، أو على ا ستمرار القناعة بجدوى جل أ شكال المعارضة التي مورست في المرحلة الطويلة المريرة الممتدة نحو نصف قرن ، التي انبنت في بداياتها على العداوات العنفية التناحرية الدموية ( كسر عظم ) ، والتي تخللتها لاحقاً طروحات طائفية بشعة ، ثم أعيد بناؤها ، بعد فشل حرب العنف والعنف المضاد في أوائل الثمانينات في القرن الماضي بين النظام والطليعة المقاتلة من الأخوان المسلمين ، على خلفية سياسية مطلبية لاكتساب نصيب من كعكة السلطة ، من خلال طروحات التصالح والتشارك .. مع تجاهل مصلحي طبقي متعمد في المرحلة الأولى العنفية ومن ثم في المرحلة السياسية المطلبية اللاحقة الممتدة إلى الوقت الراهن . أي تجاهل العملية الاجتماعية السياسية وتمايزاتها الطبقية المتوحشة الجارية في البلاد ، التي أدت ، عبر ا ستغلال السلطة والدولة ، إلى إثراء الطبقة السياسية الحاكمة وشركائها بشكل فاحش وبزمن قياسي ، وأدت إلى إفقار متزايد بشع لملايين المواطنين ، الذين يزدادون عدداً وانحداراً نحو قيعان البؤس ، وأدت تالياً إلى تلاشي العدالة الاجتماعية . الأمر الذي غيب أو طمس لدى معظم فصائل المعارضة الدلالة الاقتصادية الاجتماعية على أن النظام لم يفشل سياسياً وحسب ، وإنما فشل اقتصادياً أيضاً ، ما يعني أن البلاد ليست بحاجة إلى الاصلاح بإطار النظام ، وإنما بحاجة إلى نظام اجتماعي سياسي بديل مغاير .. نظام يوفر مقومات التنمية الاجتماعية الاقتصادية لمصلحة المجتمع . وما يعني أن البلاد بحاجة لمعارضة مطابقة لاستحقاقات إيجاد هذا النظام البديل .

وهكذا فإن الحالة السورية تواجه ا ستحقاقين متلازمين في آن .. ا ستحقاق إعادة تشكيل الرؤية السياسية المعارضة ، بحيث يكون التصالح والتشارك مع النظام احتمالاً مشروطاً بمقدمات دمقرطة الد ستور وإلغاء حالة الطواريء والأحكام العرفية التي تشكل عتبة النظام البديل ، وليس إلتزاماً مسبقاً من قبل المعارضة تحت سقف القمع .. وا ستحقاق إعادة تشكيل المعارضة ، بحيث تعبر عن القيم الوطنية الديمقراطية وتلازمها معاً واحتضانها قيم تنمية بشرية واقتصادية منفتحة على العدالة الاجتماعية ، وبحيث تعبر عن الطبقات الاجتماعية في البلاد ، وخاصة الطبقات الشعبية .. وليس عن المطامح والنزوات الفئوية والنخبوية والفردية .. بشكل يطابق متطلبات بناء النظام البديل .

وهنا .. وحسب التجربة التاريخية للمعارضة .. تكتسب إعادة تشكيل المعارضة الأولوية في الاستحقاقات المطروحة أمام المعارضة , وهذا يحيل إلى مسألة كبيرة الأهمية في هذا الصدد ، وهي أزمة الطبقة السياسية في البلاد ، لاسيما خواء البناء الفكري لهذه الطبقة داخل النظام وخارجه ، الذي يتجلى في عدم ا ستيعاب تطورات العصر ، وعدم رؤية آفاق المستقبل الاجتماعية والاقتصادية ومنعكساتها السياسية عالمياً ومحلياً ، والاتكاء على تدوير الأيام والامكانات المتاحة في بناء اقتصاد واجتماع وسياسة ..

بإيجاز .. إن العلة الأساس في مآلات المعارضة البائسة إنما تكمن في بنية الطبقة السياسية عامة وفي بنية الطرف المعارض فيها خاصة .. تكمن في تشوه هذه البنية بابتعادها أغلب الوقت عن التعبير عن حركة المجتمع وعن متطلبات المتغيرات الاجتماعية الاقتصادية ، والجري وراء توفير مقومات الحفاظ على السلطة بالنسبة لأهل الحكم .. أو الجري وراء التشارك مع أهل السلطة بالنسبة لجل المعارضة .. وما تنقل جماعة الأخوان المسلمين من جبهة إلى جبهة .. وتبديل أو إلغاء المرجعيات والأسماء عند قوى أخرى .. وتموجات التجمعات والتشكيلات السياسية بين وقت وآخر ، مثلما حدث في إعلان دمشق بعد اجتماع مجلسه الوطني الأول .. ومراوحة التجمع الوطني الديمقراطي في حال مستدامة لم تزهر ولم تثمر نحو ثلاثين عاماً .. إلاّ التعبير الملموس عن هذه العلة .. والاستحقاق الملح لإعادة تشكيل المعارضة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب