الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قفزة للأمام بالمواطنة... لبنان مثلاً!

كريم الشريفي

2009 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الشعوب الحيّة والواعية دائماً يكون فيها نشاط وحراك مستمر لتتحفز وثباً الى الأمام بما ينفعها ويصون سلامة مصالحها وأمنها، ويجعل من مجتمعها وحدة متماسكة لصيانة انجازاتها المتحققة على أحسن وجه. أن مفهوم الدولة لدى بعض الشعوب يصبح ضيقاً لطموحات الناس ، وقاصراً عن تحقيق رغباتهم، وفي أحيانا آخرى يكون عائق للأنطلاق نحو ملاكلت ابناء الأمة . هنا الأمة بجميع مكوناتها تصبح وعاء للدولة . فالأمة والدولة مفهومين مختلفين الى حد ما لكن هذين المفهومين تبلورا عبر سلسلة من التطورات السياسية ، والأجتماعية التي مرت بها المجتمعات البشرية. لأن فهم الدولة كان محصور بآلية الوحدة السياسية ابتدءاً من المجتمعات القبلية الى المجتمعات الأقطاعية مرورا بالأمبراطوريات كما يقول علم الأجتماع السياسي . لكن صعود مفهوم الأمة هو حديث نسيباً حسب وصف العلماء له في دراساتهم وتفسيراتهم للمجتمعات . بهذا يكون مفهوم الدولة أضيق مما هو للأمة كما يقول الفيلسوف ماركس(( العائلة والمجتمع المدني هما أحد أجزاء الدولة ،كونهما حقائق روحية موجودة للإرادة،لذلك تبقى الدولة عبارة عن اداة إكراه.. كونها كيان فضولي يخفي المجتمع الحقيقي وهنا تكون الدولة عبارة عن وهم لانها بناء فوقي )) هذ التفسير الماركسي للدولة. لذلك الدولة هي اضييق من مقاسات الأمة . مايهمنا هنا هو الأرتكاس العكسي من الأمة للدولة ثم القومية، والقبيلة ،والمدينة ثم الطائفة وهكذا .. من يريد أن يعيش في امة وان تعددت طوائفها وقبائلها ،ومذاهبها الدينية وقومياتها واثنياتها عليه أن يتّحرر من هذه المكبلات والمعيقات ،حتى يكون قد باشر أو ساهم بوضع الأسسى الصحيحة للأمة كخيار وحيد لحفظ مصالح الجميع متساوية ،وبالتالي تختفي الأمتيازات التي يتمتع بها جَمعْ محدّد من هذه الطائفة أو تلك القبيلة أو ذاك الدين أو تلك القومية على حساب الآخرين مثلما هو حاصل في بلدان الشرق كله تقريباً. لان من يفكر بمفهوم الأمة الشامل بالضرورة يعتقد اعتقاداً جازما بتساوي الفرص وبسط العدل ولو بشكله النسبي ويستبعد الأستئثار القومي أو الطائفي أو الأثني كشرط مسبّق لأنجاز الوحدة الأجتماعية للأمة على اعتبار جميع ابنائها متساويين . نحن في وطننا العراق الذي لايختلف عن بلدان الشرق كثيرا لازلنا نراوح بين هذه التسميات التي لم تنتج لنا سوى مصادرات الحريات، وهدر الحقوق ، والأقصاء للمستحقين من أبناء الوطن الذين يريدون المساهمة في بنائه،ثم التنكيل بالمبدعين من
المفكرين والنخب بسبب الأختلاف الفكري والعقائدي والحزبي والطائفي . ان أهم انتكاسة اجتماعية مرّ بها مجتمعنا كانت بسبب تمسكنا الموروث بمفهوم الدولة القومية الذي ورثناه من الأنظمة القمعية البائدة . علينا أن نفك قيودنا من هذا الأرتباط الضيق للدولة القومية الى الأختيار الطوعي الأرحب الذي هو خيار الأمة! اليوم وبمناسبة مرور 34 سنة على بداية الحرب الطائفية في لبنان الذي تعافى منها بعد معاناة مريرة من الأقتتال بالنيابة عن الأنظمة العربية الفاسدة وعن مصالح قومية ضيقة ..توصل أبناء الأمة اللبنانية بعقلائها ومفكريها وقادتها الذين تحاربوا بضراوة في بداية السبعينات من القرن الماضي الى حل ولو متأخر لكن جنبهم الكثير من الدمار والقتل الذي كان سسببه ضيق الدولة وتقوقع الطائفة. بالتجربة تعلمت البشرية ان الحروب لايوجد فيه منتصر أو رابح خصوصا حروب الأمة الواحدة ،لان الجميع خسران بهذه الحروب . أخيراً توصل اللبنانيون في اتفاق الطائف على وقف الدمار والنزف حتى وأن ظلت التقسيمات الأدارية لمناصب الدولة كما هي لكن اعتمدوه داخل فهم الأمة ،رغم الصفات الموجودة منذ اعلان الدستور اللبناني لأشكال هذه المناصب وهي يشغل الرئاسة أحد من ابناء الأمة الذي ينتمي الى الطائفة كذا ، ثم رئيس الوزراء الى الطائفة كذا ، ثم رئيس مجلس النواب الى الطائفة كذا..كما هو الحال من قبل .. هنا استدرك المواطن اللبناني العادي الذي اراد أن يختصر محاصصات القومية والدين والطائفة ليقوم بأنتقالة نوعية من خلال الأستفتاء الأخير، بأنه يريد امة لبنانية وليس دولة لبنانية عندما صوت الناس من كل مكونات الأمة اللبنانية على حذف فقرة السؤال المتعلق بالدين أو القومية في البطاقة الشخصية . صوت المواطنون برفع هذه الفقرة التي لاتخدم المواطن اللبناني الذي دفع الثمن غاليا عندما كان يُقتل على ما مثبتً في البطاقة الشخصية من انتماء عرقي أو ديني أو مذهبي . كانت أجوبة اللبنانيون هي أنا لبناني فقط انتمي الى لبنان الأمة ..استهجن الكثير من المواطنين هذه الفقرة التي كانت سبباً لزهق أرواح الكثير من الذين دفعوا حياتهم بسبها . هنا تأتي هذه القفزة النوعية بالوعي الجمعي للمجتمع .. أن هذا الأستفتاء لم يأتي اعتباطاً أو من فراغ إنما ثَقف له مفكرين ونخبويين منذ سنين وها هي افلحت ثقافتهم الآن . صحيح ان الشعب اللبناني له خصوصية يتفرد بها عن المجتمعات العربية وشعوبها لانه شعب خبر الحرية والديمقراطية أكثر من الشعوب العربية المجاورة والبعيدة حيث كانت لبنان يُشار إليها بالبنان والشعوب العربية ترزح تحت الأنظمة الأستبدادية الفاسدة بينما كانت لبنان منبراً حراً للثقافة والحرية التي كفلها الدستور اللبناني منذ الأستقلال اوائل القرن العشرين . نريد من الشعوب الأخرى ولاسيما شعبنا العراقي أن يتعلم بالممارسة من التجربة اللبنانية لكي نتقدم كأمة وليس كدولة . لان من شروط الفهم الصحيح للعراق كأمة هو احترام المواطنة لجميع العراقيين وبالتالي صيانة حقوقهم على قدر المساواة . نتمنى أن يتعافى بلدنا من الأمراض والأدران الأجتماعية والطائفية التي زرعتها الأنظمة التي جاءت منذ الأستقلال في العشرينات من القرن الماضي الى حقبة البعث السوداء التي جذرت الطائفية بكل معاييرها البائسة . وهنا أود التصحيح الى بعض الأخوة والأخوات الذين يقرأون التاريخ بالمقلوب أن حكم البعث هو الذي كرس امتيازات الطائفة بشكلها المقيت وعليكم أن تعرفون ان في العراق ابان الثمانينات يوجد اكثر من 1600 ضحية فكر أي (سجين سياسي) 90% من طائفة واحدة فقط والباقي موزعين على الطوائف الأخرى هذا في زمن الطاغية المقبور ـ صدام ـ الذي يتغنى بعض المهومين بأنجازاته ..علينا ان نتعلم من أي تجربة مرت بها الشعوب أو التي تمر بها الآن لاننا حديثي العهد بالنظام الديمقراطي المؤسساتي, فلا ضيّر أن نتعلم، لأن هذا يوفرعلينا هدرأ بالوقت والجهد ،الذي نحن بأمس الحاجة اليه. أن عصر الأمة العراقية بدأ يأخذ حيزاً في أذهان العراقيين بعد التجارب المريرة التي مرّوا بها .. رغم التفسيرات والتصريحات التي يتناقلها الأعلام عن بعض السياسين هنا وهناك لترسيخ مصلحة الطائفة ، والحزب ، والقومية ليعمق الفجوة بين مكونات الأمة الواحدة ..إلا اننا نطلب من المواطن العادي أن لا يعطي آذاناً صاغية لمثل هذا التخريف وتلك التصريحات لانها تضّر بالأمة ومواطنيها. ان دوافع هذه التصريحات نابعة من مصلحة حزبه، أوقبيلته ،أوطائفته ،أوقوميته قبل وطنيته . لذلك نناشد الأخوة من المفكرين العراقيين والمتخصصين بعلوم الأجتماع والعلوم الأخرى ذات العلاقة أن يكرسّو المزيد من بحوثهم وتنظيراتهم حول المواطنة لانها صمام الأمان للجميع . اود أن اورد مفارقة رايتها في المنفى هي عندما يغادر العراقي بلدة الى دول المهجر في اوربا أو امريكا ينسى تماماً قوميته وطائفته وعشيرته ..لانه يعرف انه يعيش بحقوق كاملةً ومتساوية مع الأخرين تجعله يزدري تصرفه اذا ما تعامل بهذه المعيقات الأرثية من قبل ثم يتعامل بشكل متحّضر جداً مع الأخرين ، يحترم القوانين التي تنظم حياة المجتمع في بلد الأقامة .. لكن عندما يرجع الى بلدة ينسى هذا الذي تعلمه .. ليس الجميع لكن البعض من الأخوة الذين اقاموا في دول الشتات سنوات طويلة مارسو ذلك ولو قليلاً أثناء عودتهم هذا يعني دليل عافية لأبنائنا وأخواننا ! الأمة هي صمام الأمان للجميع بفرص العمل ، وممارسة العدل ،والأهم إحترام حقوق الأخرين والتخلي عن النظرة الفوقية التي كانت تمارس ..لانها ضارة أشد الضّرر علينا وعلى مجتمعنا المتماسك !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24