الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة خاصة .. إلى صديق عراقي

إبراهيم المصري

2004 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


صديقي .. كنتُ أتمنى أن أكتب إليكَ بتفاؤل أكبر .. لكن أنتَ تعرف أن الجرأة على التفاؤل تتضاءل كلما زادت مساحة الدم .
أنا وأنت نرى ما يحدث ، وإن كنت أنتَ معنياً أكثر ، كونك من العراق الذي يحيا مشجوجَ الرأس بنزيفٍ كوني .. حتى أن الكلمات لم تعد ملائمة لوصف ما حدث .. وما يحدث .. وما سوف يحدث .
لقد كنت أقول لك دائماً .. عليكم كعراقيين أن تغلقوا بيتكم وأن تقطعوا ولو إلى حين مع ( عروبتنا ) تلك الفأس التي لم تشج بلدكم فقط وإنما شجت رؤوس بلداننا أيضا مع الاختلاف في حجم الجرح والنزف .
والآن .. لا زلت أنا على موقفي خاصة بعد أحداث ( الفلوجة ) التي رأى فيها بعض الصارخين بالشعارات ( كرامة الأمة ) ويقصدون بالطبع الأمة العربية التي تعيش جميع مدنها محنة اختناق كارثي يبدد حتى الهواء .
لا عليك من كل هذا ، فأنا أعرف أنك مسحوبٌ من عينيك إلى بلدك حيث تتوالى الأحداث والمصائب التي يجد فيها الراكضون خلف الأخبار الطارئة والكبيرة خبزَ يومهم ، مع أنه من المعروف أن خلف هذه الأخبار الكبيرة والطارئة مصائبَ طارئة وكبيرة وقتلى أيضاً انطفأت عيونهم وقلوبهم على أحلام لم تتحقق.
تذكر أنني حدثتك عن ( رصيف القتلى ) في الرستمانية .. كان جزيرةً وسط الشارع تعلوها تلال من تراب وحينما سألت قالوا لي .. تحت هذه التلال جنود عراقيون قتلى في معارك بغداد الأولى مع الأمريكيين قبل السيطرة عليها .. وقد قام متطوعون بدفن جثث القتلى ( مؤقتاً )
كم تبدو هذه الكلمة .. ( مؤقتاً ) .. حزينة وكأن كل شيء في حياتنا أصبح مؤقتاً .. مثل قانون الطوارئ مثلاً الذي يقولون لنا في بلدي إنه ( مؤقت ) رغم أنه مفروض منذ ثلاثة وعشرين وعاماً .. لقد أصبحت حياتنا كلها مؤقتة بدون أن نجد طريقاً لخلاصنا من اليأس والدم وأعرف يا صديقي أنك تحمل منهما الكثير .
كنتُ قد قبَّلت خديك يوم سقوط تمثال صدام حسين قبل عام ، وكنت أتمنى أن أقبَّل خديك بعد عام تجد بلدك فيه وقد أفاق من قيامته إلى نخيله الباسق .. حين كنا أنا وأنت نسمع صوتَ السياب :
عيناكِ .. غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر .
وكان ذلك قبل أن يطغى صوت صدام حسين بلكنته المُخدَرَة كأنه مسطول بأفيون رديء وقبل أن يطغى صوت الحرب بصواريخ الأمريكيين العابرة للقارات إلى قلوبنا .
كنتُ أيضاً معك في أول يوم لك في بغداد بعد غربة عشرين عاماً وشربت معك في صحة البهجة كؤوساً كثيرة وقلت لك .. لن تنسى أبدا أن أول ليلةٍ لك في بغداد كانت في السكر معي .. كنتُ سعيداً للغاية أن منحتني هذه البهجة وهذا الشرف .
إنني أقرأ ما تكتبه في الصحف وفي مواقع الإنترنت ، أقرأ قصائدك وقصصك وفصول رواياتك ، أقرأ مقالاتك وتحليلاتك تلك التي مع أو تلك التي ضد .. وأبدو مثلك غير قادر على وضع رأسي على الرف حتى تستريح من شجارها مع الأمل .
سوف تقول لي في لحظة غيظ ، وما شأنك أنت ؟ .. وأعرف أنه لا شأن لي بشأنك .. والحقيقة يا صديقي أننا جميعاً مقيدون على اختلاف طول الحبل الذي يقيد كلَّ واحدٍ منا .
في بلدي .. لا توجد حروب .. ولكن فيها من يبحث في القمامة عن وجبة يومه .. وهذه حرب يخوضها مجهولون معلومون ضد استواء حياة الناس بوجبة صحية وبأمل يعطي للحياة معنى ، وهذه الوجبة الصحية لم تعد متوفرة إلا بالنفاق والفساد وخراب الذمة .
وشأني أيضاً في .. عراقك .. يا صديقي أن أرى هذا العراق ناهضاً من رماد عنقاء كي يدلنا على طريق آخر غير الذي حشدتنا فيه ( العروبة الميمونة ) من اللحظة التي رفض فيها جمال عبد الناصر الشروط الأمريكية لبناء السد العالي إلى اللحظة التي دخل فيها الأمريكيون بغداد .. لكي نرى المواجهة مع الإمبريالية وقد جاءت بأمريكا نفسها لتسكن معنا في البيت .
لا يعني كلامي أن ترفض أمريكا .. فهذا شأنك .. ولكن أمريكا تمادت هي الأخرى في القتل ولم تحدق بما يكفي في دستورها العظيم الذي يعطي الإنسان بما هو إنسان فرد كرامة ووجوداً .
لقد كتبت لك هذه الرسالة ، لكي أقول لك .. كن قوياً .. رغم أنني أعلم أن يدك في النار ويدي أنا في الماء .. ولكي أقول لك لا تصرخ .. ثمة زمن من الألم ويزول حتى وإن كان هذا الزمن طافحاً بالجثث .. فهذا قدر استبد بنا بأفكاره الشمولية من الأمة العربية إلى الأمة الإسلامية إلى أمة البعث الواحدة ذات الرسالة الخالدة إلى الديموقراطية على الطريقة الأمريكية .
وأخيراً ...
كنت أتمنى أن أكتب لك صديقي ما يزيدكَ أملا .. ولكن صدقني إنني أنتظر منك فعلاً أن تعطيني أنا الأمل ، بنهوضك فوق يأسك حتى ولو بدفن جثث قتلاك ، ثم برفض طوابير المغرضين والحاقدين والشامتين والمعزين والناظرين إلى عراقك كميدان حرب لمنازلة أمريكا أو لمنازلة دار الكفر على ما يذهب إليه أصحاب العقول المتصلبة ، هؤلاء الذين يعملون على إقامة مملكة الله بالقتل .
وحينما تنهض أنت وعراقك صديقي على صباح مختلف يليق بكما ، فسوف أنتظر صباح خيرك .. لكي أتأكد أن الشمس يمكن لها أن تشرق أخيرا في منطقتنا العربية ، تلك التي أصبحت من أكثر مناطق العالم ظلمة وسواداً .

إبراهيم المصري
شاعر وصحفي .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير مؤسسة -شوا-: الدعوات لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات م


.. بوتين يقيل وزير الدفاع شويغو ويرشح المدني أندريه بيلوسوف بدل




.. بلينكن يحذر إسرائيل: هجوم واسع على رفح سيزرع -الفوضى- ولن يق


.. وزارة الدفاع الروسية تعلن السيطرة على 4 بلدات إضافية في خارك




.. الجيش الأوكراني يقر بأن موسكو تتقدم في منطقة خاركيف الأوكران