الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكانية التغيير سردية زمانية مفارقة

عبد الجبار خضير عباس

2009 / 4 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اظهر التغييراهتزاز الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي العراقي من جهة وثبات الصورة المتماسكة للدولة- اية دولة- ، فانفجر بركان التناقض والاختلافات بين الطوائف والاثنيات والثقافات..وطال واشرأب مثل كارثة لابد ان تقع بعد ان كان متخفيا تحت عباءة الطاغية، وركام المستبدين حتى تطور بعضه الى صراع واقتتال أو احتراب وحشي، واذا بالبعض من هذه المجاميع المرعوبة والخائفة تتحول الى وحوش كاسرة تنشر الرعب والدمار والخراب. فما كان متراكما في الاعماق لسنين طويلة، ظهر فجأة على السطح، واغشته اضواء الحرية وذهبت ادراج الرياح احلامنا البسيطة ببناء العراق سريعا، فادركنا واقعية الحلم ظنا ان الجميع يسعى للتغيير، والاديان والطوائف والاثنيات والثقافات العراقية كافة متماهية مع فكرة الوطن الخالي من الاستبداد، لكن التغيير بين خلل الآنية العراقية، والسياسيون المتصدون لبناء التجربة الديمقراطية الذين يشكلون اجزاء من آلتها، مازالوا اسيري ثقافة تقليدية بطرياركية فضلا عن معاناتهم من راسب مرحلة النظام الشمولي، اذ ترى البعض منهم منحازا لاشعوريا لتلك الطائفة او الاثنية ..وتتجاذبه المواقع الاقتصادية والاجتماعية باشتغالاتها وكأنها امراض مزمنة لا انفكاك منها، وما تباهينا وتشدقنا به من اننا بناة حضارة عمرها آلاف السنين، اخترعنا الكتابة والعجلة والقانون..فما يحدث لا يوحي للمتلقي سوى بقطيعة مع صفات الحضارة والتطور والمدنية، وما يظهر على السطح، يوفر للبعض منا قناعات باننا على انفصال تام مع هذا الارث الحضاري، لكن حقيقة الأمر لاتعني اختفاء اثر هذه السلالات التام من المشهد الاجتماعي والثقافي بل ظل متخفيا في انتاج الذات كالاغنية العراقية وبالفنون التشكيلية والفولكلور..عموما ما بشر به التغيير لم يغير الاشكال المألوفة لمعرفتنا في الواقع الاجتماعي، ولم ينتج لنا وعيا جديدا، يجعل من الاقليات والعلاقات الاجتماعية تنفلت من مدار راسب النظام الشمولي والسرديات الغابرة.. وحيوية المؤثر الخارجي (فعل التغيير)، ما زالت محسوسة ومؤثرة على الرغم من بدء الانعطافة في ظهور قوة متولدة جديدة بعد صولة الفرسان، بدأت على نحو ما تقود الحدث (الازمة) وليس كما كان في بدء التغيير حيث الاحداث هي التي تقود السياسي، ولكن ما يحدث الان هو سياسة معالجة الطارئ والعرضي وما يظهر على السطح، وما يبدو ان الدولة استطاعت ان تمتلك زمام المبادرة ولكن عبر اظهار القوة في بسط الامن، السؤال هل سنعود لسياسة تمركز السلطة وفرض بناء الدولة بالعودة الى طمطمة المشاكل واتساع مساحة المسكوت عنه ام عبر حل وتفكيك المشاكل والتناقضات الاجتماعية، وخلق ثقافة مغايرة تحدث زلزالا في الرؤى والافكار لتحل محل سرديات تقليدية باتت غير مجدية ولاتتلاءم مع الظرفية الراهنة في العراق؟ نحن بحاجة لثقافة تستوعب المكونات .. وتفعيل ما هو أقلوي ليكون فاعلا ونشطا ومؤثرا في عملية التغيير.
وعلى الرغم من مضي ست سنين على التغيير، لم تستطع القوى المتولدة الجديدة المتبنية لخيار الديمقراطية، وبما حققته من نجاحات، منها اجراء الانتخابات وكتابة الدستور وتشكيل البرلمان، وفضاء الحرية وفرض الأمن في مساحات واسعة من خريطة الوطن، ان تصهر الطوائف والاثنيات والاديان والثقافات بالطابع الكلي للشعب او ما يطلق عليه تسمية "الوحدة الوطنية" اذ لاتأتي هذه الامور بقرارات سياسية، بل بسيرورات اجتماعية وازاحات كبرى للمفاهيم، فكل يوم هو استفتاء على تشكل هويتها وانسجامها المفترض الذي يمكنها من اظهار اختلافها الثقافي ضمن هوية وطنية واحدة. اعتقد ان التناقضات الاجتماعية الحادة في البنية الاجتماعية العراقية وعدم تماسكها وانصهارها في وحدة كلية منسجمة لايعود مرده وحده الى صراع الحضارة والبداوة في تفسيرعالمنا الكبير د. علي الوردي أو ثلاثية المفكر د. سيار الجميل (التي تنص على تصادم كل من المدينة والريف والبادية، كما وضحها د. سيار، هي التي انتجت جميع هذا التلاقح من المشكلات التي قد تصل في ظروف قاسية الى معضلات صعبة حسب قوله: (لايمكن اعتبار البداوة في صدام دائم مع التمدن ومجتمعات البدو لاتحمل بقايا معقدة جدا بقدر ما تحمله بقايا الريف العراقي الذي تعرض لاقسى الحملات التاريخية واشنع المعاملات الاجتماعية، ليس من قبل ابناء المدن بل من السلطات في الدولة وحقد ابناء الريف، يفسر اجتماعيا وليس سياسيا او اقتصاديا الذي ربما تحول الى تاريخي بفعل التناقض العسير بين الدولة في المركز و(الاطراف) في المحيط). ولا يفسر هذا التناقض الاجتماعي بسبب استباحة الريف للمدينة او سكين الطائفية او لحروب الابادة الدينية كما تعرض له الاشوريون او الحروب العرقية المتمثلة باسطع صورها بالانفال وحلبجة . بل يضاف لهذا بأجمعه حالة القطع مع السردية الزمنية للمكان.

الانسجام مع السردية الزمنية
وبعد مجمل ما سقناه من اسباب للتناقض الاجتماعي واستعصاء لتشكل وحدة اجتماعية متجانسة منسجمة بهوية وطنية، نضيف لذلك عدم انسجام السردية الزمنية مع المكانية، فعند الحديث مثلا عن مدينة كربلاء، فأن الذاكرة تصطدم برمال يثرب، وليس بالعمق التاريخي أوالمدونة السردية الجينالوجية للمدينة، كذلك هو الحال عن بصرياثا حيث خط النظر يصطدم لينعكس نحو يثرب وتتحول الدلالة نحوالبصرة اذ تجري عملية قطع في زمن التواصل مع العمق التاريخي للمدينة، وفي كركوك تجد عدة سرديات للزمن فالكرد سردية زمنية مرتبطة بعمقها التاريخي القومي، وكذلك العرب، والتركمان يتكامل انتماؤهم للمدينة عبر ارتباطهم بسردية زمنية مع (الاستانة) فلو كان الجميع مرتبطا مع سردية زمنية منسجمة مع العمق التاريخي للمدينة بجذورها السومرية البابلية الاشورية، لما كان هناك هذا التناقض والاختلاف.. وكلما ابتعدنا بالزمن نجد هناك انسجاما بين السرديات الزمانية مع المكان، يقول د. سيار الجميل: (لقد عاش العراقيون منذ القدم في ود وصفاء، اذ تخبرنا كتب التاريخ ان التعايش والتواد والتواصل بين العراقيين كان مثلا يحتذى به لاسيما كلما ابتعدنا في الماضي، تبدو الصورة صافية ورائعة، حيث بلغ التعايش اقصى روعته وذروته في كل ارض العراق، اذ وقعت سندات ملكية عقارات، يشترك بواحد منها مسلمون ومسيحيون في بيت واحد)، لكن عملية القطع او الاحالة في الزمن السردي، بدأت مع بواكير تشكل الدولة والمجتمع الحديثين العام 1921 ، وتصاعدت الى ذروتها ابان الحكم الفاشي الشوفيني.
ربما يتبادر لذهن البعض ان هذه الطروحات تشكل دعوة للقطيعة مع الارث الديني، فالمتابع لطبيعة الحكم في تركيا يجد هناك حزبا اسلاميا (العدالة والتنمية) يحكم في دولة علمانية، ولكن ثمة انسجام تام بين سردياتهم الزمانية مع المكان وكذلك الحال في الدولة الاسلامية الاندونيسية، فلايوجد قطع في سردياتهم الزمانية كما في ماليزيا..وعندنا الاشوريون والكلدانيون مثال للانسجام مع السردية الزمانية بالمكان ولا يظهر قلق او تذبذب في الانتماء.
وكما اسلفنا فان لكل اقلية واثنية مدونة سردية مفارقة للمكان ،تنتظم بحقل تأريخي مختلف بقراءة هذه السرديات..السؤال كيف يصحح هذا الخلل، ونصنع تصالحا للمكان مع سرديته الزمانية؟ كيف يتم احياء رمزية المكان الجينالوجية (الأصلية) هل باستثمار الفنون والاداب .. فنون تشكلية واغان واشعار؟ أم بمقولات وطروحات أخرىتتعلق بالانثربولوجيا والاثنوغرافيا؟
فالبحث في هذا المجال مفتوح امام قراءات عديدة يشارك بها المفكرون والسياسيون والاكاديميون والمثقفون لإيجاد حلول تسهم في معالجة آثار القطيعة بين المكان وسرديته الزمنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم