الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأجرُ الجزيل.. بالجُهد الهزيل

جلال القصاب

2009 / 4 / 20
كتابات ساخرة


تتقاطر علينا رسائل عبر وسائل "التقنيّات الحديثة" بوجوب ترديد أدعية وأذكار، وبتمريرها لعدّة أشخاص، لنحظى بفوائد باهرة ونتّقي شروراً قاهرة.. طبعاً ولملء جيوب شركات مزوّدي الخدمة!
وردني هذا الإيميل: ("قال أحدُ السلف: لا اله إلاّ الله عدد ما كان وما يكون، وبعد مرور سنة أعاد قولَها، فقالت الملائكة: إنّنا لم ننته بعدُ مِن كتابة حسناتها العامَ الفائت"، أخي: ما أسهلها وأعظم أجرها، تخيّل لو نشرتها وردّدها العشراتُ بسببك، حذارِ أن يلعب الشيطان برأسك ولا تُرسلها)!
رأيي أنّ الشيطان (أيّا كان معناه) هو وراء تدوير هذه الرسائل التخريفيّة، لاستهبال أكبر كمّية من الناس.
استهبالُ العقل يكمن في جعل "الملائكة الكرام" بُلَداء لدرجة عجزهم عن الإحصاء، وكأنّهم يكتبون بالخطّ المسماريّ، ويكمن بتصديقنا أنّ الرجل (وهو غير نبيّ) سمع كلام الملائكة! والمُشكل المُضحك: لو دعا بهذا التهليل كلّ دقيقة -وليس كلّ سنة- ماذا ستفعل الملائكة؟! حتماً سيصيبها انهيارٌ عصبيّ -بحسب الفرض- وسيحترق المعالجُ المركزيّ لأدمغتها؟!
يالَه استهزاءً بالله وبقدسية ملائكته وبمقتضيات الإيمان، وإزراءً بدعوة الدين للعمل الصالح كمنجاةٍ وحيدة!
الدين المُحرّر للإرادات والدّاعي للفعل، حوّله بعضُنا طقوساً ومقولات عجز، الدينُ موقعُه ميادين الشرف كالتي نزل ساحتها المقاوماتُ المؤمنة بكرامتها وبمصيرها، بفلسطين ولبنان والعراق وبالعالَم، وليس طلاسمَ تعويضية للفشل وللتهرّب من مسئولية التغيير، كم خطيرٌ اللعبُ على الغرائز وحرفُ الفطرة بزيف تديّن؟! فما أسهل وأرغبَ أن يردّد أحدُنا وِرْداً مائة مرّة ليحظى بأطنان الأجور وآلاف الحور، على أن يُضحّي براحة نفسه ويُنفق مكدّس ماله في سبيل الخير وصالح الإنسانية، إنّها دعوةٌ للانبطاح لتكريس الغرائز والأنانية على العمل التضحويّ الذي مارسه الأنبياء والصالحون فكسبوا احترام السماء واحترام أنفسهم عن جدارة.
هل خدّر الأمة إلاّ هذا السفه العقليّ؟ بدلاً من الانشغال بالعمل النافع، والاهتمام بالعلم الحقيقي، واقتحام ميادين الاكتشاف والتطوير الذي طرقه علماء الحضارة والمدنية الأوائل، فأفادوا البشرية بعلومهم وأعمالهم.
الممثّل الكويتي "طارق العلي" عقّب مرّةً بأحد مسرحيّاته الهزليّة ساخراًً: "كلّ من صفّق الليلة فله الأجر إنشاء الله"، فأضحك الجمهور، ليست كوميديا أن تحظى فقراتٌ كوميدية بأجرٍ جزيل، فثمّة "كوميديا إلهيّة" مدسوسة على الدين الأصيل تنخر فيه مثل السوس:
"مَنْ قرأ زيارة كذا فله أجرُ مَن قاتل بين يدي رسول الله"، "..حُشرَ مع الشهداء يوم القيامة" "..غُفر له ذنبُه ما تقدّم منه وما تأخّر"، "كُتب له ثوابُ ألفِ حجّة مقبولة وألف غزوة مع نبيّ مرسل"...الخ.
"مَن دعا بهذا الدعاء حشره الله مع الصدّيقين، ونجّاه مِن النار ولو وجبتْ له"، "..ولو دُعي بهذا الدعاء على مجنون لأفاق.." (إذن، لماذا يُوجد مجانين –حتّى أيّام النبيّ(ص)- ونحن نملك هذا الدعاء السحريّ؟ ولماذا لا يهرع أحدُنا به إلى دار المجانين ليُطلق سراح الجميع؟!)
مئاتٌ مِثل هذه الأحاديث مدسوسةٌ بتراثنا، ويعتقد أكثرُنا –شعوريّاً- بأكثرها، بعضُها وردَ ضمن سياق تاريخيّ وظروف تُسوّغها، وأكثرُها مكذوبٌ، وبالأخصّ التي تنحلُ مَن قال كذا، وردّد كذا، وصلّى كذا، فله أجر حملة العرش ومَن جاهد واستشهد، كلّها هُراء، وتُناقض المنطق والعدل الإلهيّ والقرآن (الذي لا يستوى –بمنطقِه- مَن أنفق مِنْ قبل الفتح وجاهد مع غيره، ولا يستوي القاعدون عنده مع المجاهدين)، فكيف يتلفّظ شخصٌ بخيلٌ جبانٌ كسولٌ بألفاظ تكون أفضل مِن أعمال البرّ وقيامات الحقّ؟! إلاّ إذا اعوجّت السبلُ المستقيمة، ولُبس الدينُ مقلوبا، وضخّم القولُ فصار بديل الفعل، وأريد للأمة مسلوبة الإرادة أن تستعيض بالدعاء والأوراد لرسم أحلامها على الرمال.
كل هذه المنظومة التي قِوامها الإثابة الضخمة على الأوراد، والنياحة، والأهازيج، والزيارات، هي إفراز واقع التخلّف والتبرير، وثقافة الاستبداد والتخدير، لتفريخ مجذوبين يبتهلون "الله حيّ..الله حيّ"، وهُم (زُومْبي) موتى الفِكر والفعال.
كل الرسائل التي تستحثّنا لترويج قصّة ودعاء وإلا سيصيبنا شرٌّ مستطير، غرضُها تخضيعُنا لعوالم السحر والخرافة، وإرهانُ عقائدنا للمدجّلين المسترزقين بالرقيّ وفكّ السحر.. ومشايخ الآيات وأشباهها، وشرنقة عقولنا بخوادر الظلام.
عقولٌ بشرية طوّرت وصنعت المعاجز العلمية وأنتجت مستلزمات الحضارة والرفاه، وبلغت المريخ بتقنيّاتها، وعقولٌ إنسانية وظّفت نفسها لخدمة البشرية وتخفيف آلامها ومجاهدة الظلم وتكريس الحقوق، وثالثة انشغلت بتثقيف الإود والاعوجاج وإنتاج فلسفات اجتماعية وأجوبة لمحارات العقول، ومع ذلك هناك آخرون أذابوا عقلهم الجبّار بأكاسيد الترّهات.. باسم الدين المُنير!
لو انشغل الجيلُ الأوّل -الذي به قام الدّين- بمثل هذا الخرف والهَبَل، لما سقط هُبَل، لما فُتحت مكّة وانهدّت أعمدة الظُلم والطغيان والفجور، لما تحرّر العقل وانتشر الهدى وبُنيتْ صروح الحضارة، كانوا يفعلون بعد أن علموا الله يذمّ الذين "يقولون ما لا يفعلون"، كانوا يسمعون شطرَ الآية ويطبّقونها قبل سماع أجرها، لمْ يكونوا دراويش يُلقلقون بالأدعية الفارغة، وإن عبارة "حسبُنا الله ونعم الوكيل" قالوها وهم خارجون ينزفون.. لمواجهة الظالمين لدحرهم، وليست مقولة المُعْوِلين على أنفسهم.. الذي يَصفِقون يداً على يد من عجزهم.
لقد ارتجز الإمام علي(ع) وهو يُسهم -كعُمّال هنودٍ- ببناء أوّل مسجد: (لا يستوي مَن يعمر المساجدا، يدأب فيه قائمًا وقاعدًا، ومَنْ يُرى عن الغبار حائدا)! هذا منطق الدين يا سادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب