الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرائم غسل الاموال

مهدي زاير جاسم

2009 / 4 / 21
الادارة و الاقتصاد


تمثل ظاهرة ما يعرف بغسل الأموال وعائداته إحدى الظواهر المقلقة للعالم، ومن أخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي، باعتبارها التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والأعمال، وهي جريمة ذوي اللياقات البيضاء تماماً كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الإجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الإجرام والعقاب التقليدية.

كما تُعَدُّ جريمة غسل الأموال الملاذ الوحيد أمام المجرمين للتصرف بعوائد ومحصلات جرائمهم التي تدر عليهم أموالاً طائلة من جرائم المخدرات ، وتهريب الأسلحة ، والرقيق ، وأنشطة الفساد المالي والأداري وجرائم أختلاس المال العام وغيرها.

وهي جريمة منظمة تتضافر فيها الجهود الشريرة من خبراء المال والمصارف والتقنية لتحقيقها، وهي جريمة عابرة للحدود مما يصعب مكافحتها دون جهد دولي مكثف وحثيث حيث يقدر الخبراء نشاط الاتجار في المخدرات بما قيمته أربعمائة مليار دولار سنوياً أي ما يعادل كل الناتج البترولي العالمي، كما تقدره الأمم المتحدة بما لا يقل عن 9% من حجم التجارة الدولية.

وعلى الرغم من أن أشكال وأنماط ووسائل غسل الأموال متغيرة وعديدة فإن البيئة المصرفية تظل الموضوع الأكثر استهدافاً لإنجاز أنشطة غسيل الأموال من خلالها، باعتبارها مخزن أموال والذي عن طريقها تمَّ توجيه أنشطة غاسلي الأموال القذرة لإجراء عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها تلك الأموال صفة المشروعية، من خلال الدور الذي تلعبه البنوك في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديداً عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات ، والحوالات المالية خاصة بوسائل إلكترونية ، وبطاقات الائتمان الاستثمارية ، وتداول العملات والأسهم وغيرها .تفترض جريمة غسيل الأموال (أو تبييض الأموال) مزاولة نشاط ظاهري مشروع في ذاته (كالمطاعم الفاخرة ومجال بيع الملابس والمجوهرات) ويعتبر ذلك غطاء لنشاط إجرامي آخر مشروع كالاتجار بالمخدرات أو أي نشاط إجرامي آخر، حيث تم إيداع الأموال غير النظيفة المتحصلة عن النشاط الإجرامي كما لو كانت متحصلة عن النشاط الظاهري المشروع ، وذلك لإلباسها صورة مشروعة في نهاية المطاف.

ويرجع هذا الاصطلاح (جريمة غسل الاموال) من حيث مصدره إلى عصابات المافيا، والتي كانت تضفي المشروعية على مصادر أموالها الحاصلة عليها من جرائم المخدرات والتهريب من خلال شراء الموجودات وإنشاء المشاريع لعدم قدرتها على حفظها داخل البنوك، وقد عاد المصطلح (غسل الأموال) للظهور مجدداً على صفحات الجرائد ابان فضيحة (ووترجيت) عام 1973 في امريكا.

ويُعَدُّ تعريف دليل اللجنة الأوروبية لغسل الأموال الصادر عام 1990 الأكثر شمولاً وتحديداً لعناصر غسل الأموال، حيث عرفها بأنها (تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة جرمية بهدف إخفاء أو انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الأموال، أو مساعدة أي شخص ارتكب جرماً ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم) .

تمرُّ مرحلة غسل الأموال بمراحل ثلاث أساسية سواء أكانت متتالية أم دفعة واحدة وتتمثل المرحلة الأولى بإدخال المال في النظام المالي القانوني بهدف التخلص من كمية النقد الكبيرة من أيدي مالكيها في البلد الموجودة فيه، وذلك بنقلها إلى موضع الحيازة وتحويلها الى إشكال نقدية او مالية مختلفة، كالشيكات السياحية او الحوالات البريدية وغيرها، وتسمى (بمرحلة الإحلال). وغالباً ماتكون تلك الأموال متأتية من طرق غير مشروعة كتجارة المخدرات والسرقة والاحتيال والتهرب الضريبي، أما المرحلة الثانية وتسمى بمرحلة التغطية فتتمثل بنقل المال القذر ضمن النظام المالي الذي تم إدخاله فيه حيث يتم طمس علاقة تلك الأموال مع مصادرها غير المشروعة من خلال القيام بالعمليات المالية والمصرفية المتتالية ، أما المرحلة الثالثة فتتمثل بعملية دمج المال نهائياً بالأموال المشروعة لضمان إخفاء المصدر القذر لها وتُسمَّى (بمرحلة الدمج) حيث يصبح من الصعوبة التمييز بينها وبين الأموال الواردة من مصادر مشروعة، وهناك تطور مستمر في تكتيك عمليات غسل الأموال وفي وسائلها وقنواتها، من هذه الوسائل النقود البلاستيكية وإعادة الاقراض والاستثمار في الأوراق المالية، فالنقود البلاستيكية يمكن استعمالها كبطاقات الصرف من الأجهزة الآلية، وهذا لانها تسهل عملية نقل الأموال من بلد الى آخر دون خضوعها لإجراءات وقيود التمويل التي تكون مفروضة في بعض الدول، أما إعادة الاقراض فيقوم من خلالها "الغاسل" بإيداع أمواله لدى بنك خارجي حتى لايخضع لقيود وإجراءات غسل الأموال، ثم يقوم بطلب قرض من أحد البنوك المحلية في بلد آخر بضمان تلك الأموال المودعة في البنك الأجنبي، وبالتالي يكون قد استطاع الحصول على أموال نظيفة ويتم الاستثمار في الأوراق المالية لسهولة تحويلها إلى نقود ، فضلاً عما تمنحه أغلب الدول من إعفاءات ضريبية على هذا النوع من الاستثمارات.
تُعُدُّ اتفاقية فينا عام 1988 من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة أنشطة ترويج المخدرات والتي سلَّطت الأنظار على مخاطر أنشطة غسل الأموال المحصلة من المخدرات وأثرها المدمر على النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول.

لذلك يجب الحذر من العمليات التي يمكن أن تكون مؤشراً مبدئياً في أن المتعامل يقوم بغسل الأموال عند أيداع بمبالغ نقدية كبيرة وعمليات شراء الشيكات السياحية – الكبيرة او المتكررة – مقابل الدفع نقداً والإيداعات النقدية الكبيرة ، فاذا رأى الموظف المختص أن نشاط صاحب الحساب لا يبرر مثل هذه الحركات والعمليات الكبيرة او المتكررة المتصلة بنشاط خارجي) وأنها غير متناسبة مع هذا النشاط وكذلك التحويلات بمبالغ متماثلة في اليوم نفسه فترات متلاحقة (يومياً / أسبوعيا) تكون في مجموعها مبالغ كبيرة، فعليه أن يبلغ السلطات المختصة عن وجود جريمة غسل للأموال للحدِّ من انتشار هذه الجريمة في مجتمعنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن..أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو 2024


.. كاليدونيا الجديدة: كيف ستدفع الدولة فاتورة الخسائر الاقتصادي




.. كيف تؤثر جبهة الإسناد اللبنانية على الإقتصاد الإسرائيلي؟


.. واشنطن تفرض عقوبات اقتصادية على بضائع صينية، ما القطاعات الم




.. وكالة ستاندرد آند بورز تصدر توقعاتها بشأن الاقتصاد المصرى