الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد التفكيك وصياغة اولويات الثقافة العربية

احسان حمدي العطار

2009 / 4 / 30
الادارة و الاقتصاد


برغم كثرة مدعي المشاريع والاهداف في ثقافتنا العربية المعاصرة، اقول برغم هذه الكثرة لكن لم تستطع اي من تلك المشاريع ان تغير في واقعنا الانساني المأزوم

او حتى في واقعنا العربي بل انها لم تستطع ان تفرض وجودها عالميا كافكار تستحق المراجعة والنظر.فبالرغم من ازمة الكتاب والتفكير في عصر المعلومات والصورة هذا ما زالت الكثير من الافكار المكتوبة واسعة الانتشار ومؤثرة على الصعيدين المحلي والعالمي في اوروبا وامريكا وقد تكون فاعلا رئيسا في تشكيل سياسة الدول. واعتقد ان ابرز المفردات التي كانت تستعمل في الصعيد الفكري المعرفي اصبحت تستعمل على الصعيد السياسي العملاتي. واحد اهم هذه المصطلحات هو مصطلح (القراءة) وعلي حرب في كتابه الجديد (هكذا اقرأ ما بعد التفكيك) يحاول ان يعيد صياغة الاولويات بالنسبة الى الثقافة العربية من جانبين: الاول بالقول لمفكرينا الخائفين من التطور ان هذا العصر هو عصر التفكير والقراءة ولكلٍ مكانه في هذا التقدم المطرد ولعل المفكرين اول قادة التقدم.
الثاني: ان الفكر حول مهامه من معرفة الحقائق الى قراءة الوقائع فما على مفكرينا الا ان يغيروا استراتيجيتهم المعرفية حتى يتأقلموا مع عصرنا الراهن.
ويقوم حرب في كتابه هذا بعملية تفكيكية لمجموعة من الاحداث المؤثرة في واقعنا الانساني و لنصوص وافكار فعالة. وهذه العملية ادرجها تحت مصطلح (ما بعد التفكيك) الذي يمثل عملية اعادة تصنيع لعدة مفهومية. فاللغة تحولت من واسطة بين الناس الى خالقة لهم، الى واقعة بدورها تخلق انسيتها. والمنطق تحول مع ما بعد التفكيك من ترتيب عقلاني للحقيقة الى عملية تحويلية تتحرر من وهم الحقيقة والمطابقة. اي كما يقول علي حرب بان كل قراءة في الواقع المعطى تخلق واقعها، اي تشكيل معطى جديد.وما بعد التفكيك لدى حرب عملية ذات ثلاث شعب: عملية تفسير وشرح اي معرفة باطن النص ومراد المؤلف. وعملية التأويل هي عبارة عن حرف او ما يسميها حرب بانتهاك النص لتاسيس جديد منه، اما العملية الثالثة فهي التفكيك اي معرفة المسكوت عنه في النص اي الكشف عن الاعيب وجدانه وتحليل اليات الحجب بين سطوره، في القسم الاول من الكتاب يقوم فيه حرب بقراءة مغايرة لكل من ابن رشد وابن خلدون على انقاض قراءات فاشلة او ما يطلق عليها حرب بالقراءة الآيديولوجية فينتقد ابو يعرب المرزوقي لانه قرأ قراءة تماه وتمجيد فلم يخرج من ابن خلدون الا كما دخل اليه. وينتقد ونوس لانه عبر عن عجز المثقف التقدمي الذي تغلب عليها ثنائيات عقلية ضيقة فيقيد الانسان فيتحول العقل من عقل فاعل الى عقل ادانة وتجريح. وفي القسم الثاني من الكتاب يقوم حرب بالتفريق بين تيارين في عملية النقد الديني، الاول: يقوم على اساس الجرأة في القراءة وهذه العملية لا تتطلب الجهد الكبير لان اي ناقد بامكانه ان يأتي بالجريء والممنوع. الثاني: يقوم على اساس الجدة المعرفية او تفكيك الممتنع واعادة صياغة المسكوت عنه، وعلى هذ الاساس يقوم حرب بمحاسبة نقدية لبعض من منتقدي الدين والمسلمات كأدونيس وعبد الكريم سروش ومحمد شحرور. ويقوم حرب في القسم الثالث بقراءة مشاريع النقد وازماتها ويفرق بين مهمة المناضل وتشبيحاته المسيطرة على مهمة الناقد ويبدأ بعبد العزيز حمودة ومحاولته في تجنيس النقد العربي والتي وقع فيها بالتناقض والتخبط، لان اي محاولة للتجنيس سوف تسقط لابد خاصة في هذا العصر: عصر التفاعل والتحاور لا عصر الانغلاق والتقوقع. ويقوم حرب بنقد للنقد الايديولوجي القائم على الادانة والتكذيب ويضع بدلا عنه النقد الفعال اي عملية (ما بعد التفكيك) وفي القسم الرابع يقوم بقراءة لكل من نتشة وادونيس وقد جمعهما معا لما لهما من ثقل معرفي فنتشة فيلسوف خالق بل هو من دون مبالغة فاتح لعصر ما بعد الحداثة اما أدونيس فهو (خالق) للوقائع وهو (شاعر) صاحب تجارب شعرية ذات تنوع وغنى وتعقيد وهو(مفكر) ومصطلح صدمة الحداثة احدى اهم مقولاته المبتكرة لذلك فهو (مبتكر). وهو (نبي) بما يتمثل النبي من صفات الاصطفاء والتأله والتجبر. وليس ما قاله علي حرب عن أدونيس بمديح فحسب فالخالق قد يفشل في خلقه والناقد قد تغلب عليه اوهامه والمفكر قد يكون مقيّداً او مقيداً والنبي مقدسا ولطالما وقف أدونيس ضد المقدس اذن لكل مبتكر احلامه واشباحه وله ابداعاته ومخلوقاته وكذا أدونيس.
ويتكلم حرب في القسم الخامس عن العولمة المفردة والظاهرة ومفاعيل هذا الحدث بوسطية بعيدا عن صراع النقائض قبولا وترحيبا او خوفا ورفضا. فينتقد حرب بودريار المفكر الفرنسي الذي يتكلم عن عنف العولمة وثقافات سائدة ومهيمنة واخرى مهمشة.
اما عن العنف فاعتقد ان العالمية الفرنسية قد دمرت بقدر عشرات المرات ما دمرت العولمة الاميركية والجزائر شاهدة على ذلك. اما عن توزيع الثقافات فهذا لا يتعلق بالعولمة بل هي صفة كل زمان. وبالعكس من بودريار يقف الفيلسوف الايطالي انطونيو نغري والناقد الاميركي مايكل هاردت اللذان شاركا في كتابة احد اهم الكتب العالمية الا وهو (الامبراطورية). فبالرغم من الاصول اليسارية للمؤلفين فقد جاء الكتاب حصيلة لقراءة خصبة لظاهرة العولمة من دون الرجعية التي تتصف بها قراءات الماركسيين. لذلك فهو كتاب مهم لما يحويه من تحليلات غنية وعروض مفيدة.
والقسم السادس وهو الاخير وجاء بعنوان (كيف نفكر؟) وفيه عملية تحليل واستنتاج لمعظم ما ورد في الاقسام الخمسة. وابرز هذه الاستنتاجات هي مأزق لحداثة بدأت تنهار تحت ضربات الما بعدية، فما على المفكرين إلا استعمال إستراتيجية تداولية عنوانها (مابعد التفكيك).
تسعى هذه الاستراتيجية إلى:
1- فك الوصاية عن العقول والنصوص.
2- الابتعاد عن تأليه القيم والعقائد.
3- وإن جميع هذه العقائد ما هي إلا وجهات نظر ومناهج للعمل.
4- كسر المنطق الاحادي والتعامل مع الواقع بمنطق التركيب إذن بالامكان أن نعرف همومنا ونحللها ثم نوجد الحلول لهذه المشاكل، ولكن علينا أولا ان نغير من إطارنا التفكيري ولعل مايطرحه حرب من منهج هو الاقدر على تغيير اولوياتنا الثقافية لنكون قادرين على معالجة مشاكلنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا


.. برنامج الإصلاح الاقتصادي في تركيا يواجه مشاكل وغضب




.. صباح العربية | ورق عنب مطلي بالذهب يثير جدلاً واسعاً في الكو


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 07 مايو 2024




.. مصادر العربية: احتراق أكبر بئر لإنتاج النفط في حقل زرقة شرقي