الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق المصالحة الوعر

عدنان شيرخان

2009 / 4 / 22
حقوق الانسان


في مواضيع سياسية كثيرة ينبغي ان يكون الوضوح هو السمة السائدة، ولكن قد يلجأ السياسي المحنك صاحب الخبرة الطويلة احيانا الى الغموض ليمرر ما يريد، او تكون تصريحاته الغامضة المبطنة مجسا يريد من خلالها اختبار ردود الافعال .ثم يلجأ مكتبه او الناطق بأسمه فيما بعد الى اصدار بيان مقتضب يقول فيه: " اسيء فهم التصريحات التي ادلى بها، وانه لم يكن يقصد ... ".
الشيء المؤكد ان موضوع المصالحة في العراق لايحتمل الغموض، وعلى السياسيين ان يكونوا بغاية الوضوح عندما يتحدثون في هذا الموضوع، لان اهم المعوقات التي تعترض سبل الوصول الى مصالحة وطنية شاملة يتعلق بتعريف مفهوم المصالحة نفسها، ومن ثم الاتفاق بشأن تحديد الاطراف التي من المفترض المشاركة فيها، والاطراف التي تستبعد ولماذا؟ وهل من الضروري انشاء لجان الحقيقة المختصة بالاستماع الى شهادات الضحايا والجناة في آن واحد، وما وقع مشاهدة جلسات هذه اللجان على الجمهور، وهل من الممكن القفز على مرحلة العدالة الانتقالية للوصول الى مصالحة وطنية شاملة ترضي جميع الاطراف.
كثيرا ما تطرح تجربة جنوب افريقيا في المصالحة الوطنية كتجربة ناجحة ورائدة، ولكن - مع الاسف- لا يعرف الكثير من الناس تفاصيل مهمة عن تجربة جنوب افريقيا، وقد اتاح برنامج للامم المتحدة الفرصة لي ولزملاء ناشطين في المجتمع المدني التعرف عن كثب على التجربة بالسفر الى جنوب افريقيا صيف العام الماضي. اول ملاحظة مهمة اود تسجيلها عن تجربة جنوب افريقيا هو وجود قطبين عظيمين الاول هو نيلسون مانديلا، والقطب الآخر الذي لايقل شأنا عنه ويمثل نظام الفصل العنصري وهو الرئيس فردريك دي كليرك، الفائز بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع مانديلا، وقد اناب الرجلان بامانة واخلاص وعبقرية كل عن الشعب الذي وراءه، اجادا قراءة الماضي والحاضر والمستقبل بشكل رائع وصحيح، وهذا ما تفتقده عملية المصالحة في العراق. الملاحظة الثانية المهمة تتعلق بروح الصفح العالية والتسامح والرغبة في نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة. وربما يكون من المفيد والمحبط في آن واحد القول ان ما حدث في جنوب افريقيا ربما لا يمكن ان يحدث في انحاء اخرى من العالم.
اود ان اشير الى ان خلط الاوراق في التعريف بعملية المصالحة عمل خطير، لا يؤدي فقط الى عرقلة العملية برمتها، وانما الى نتائج عكسية، فمثلا تجد من لا تتوقع منه ان تلتبس عليه الامور لعلمه وعمره وتجربته في الحياة، يحدثك عن المصالحة ممزوجة بكلمات: (السماحة واليسر والرفق واللين والتسيير والمداراة)، ويستعين بايات من الذكر الحكيم، ويذهب الى ان القابل بشروط الجاني الذي يريد الصلح بلا اية تبعات حتى ولو اخلاقية كالاعتذار هو حبيب لله ورسوله، والرافض الدخول الى المصالحة الا بشرط تعويض الضحايا ومعرفة ما جرى هو متشدد متعصب واصل البلاء على الارض. وهذا كلام قد يصح على المصالحة بين الاشخاص والعشائر على ابعد احتمال، وليس مصالحة سياسية تهم مصير البلاد وملايين الضحايا، والتي تمكن المجتمع من تجاوز حالات الاحتقان ومسائل الثأر الشخصي والقبلي. ومن حق اطراف متضررة من فكر وممارسات النظام السابق اعتبار مثل هذه الدعوات عملية تهيئة اجواء ومناخ للتحايل واجبار الضحايا على المغفرة والسماح وايجاد مبررات للمذنبين والمجرمين للافلات من المحاسبة.
وعندما يخفق اولو الامر في تثبيت خارطة طريق واضحة للمصالحة الوطنية، سيكون مصير المؤتمرات والاجتماعات التي تعقد لالقاء الخطب والاستهلاك الاعلامي الفشل الذريع، والخلل عندنا واضح ويتمثل في عدم تسمية الاطراف المعنية تماما بالمصالحة، وهذا يرجع الى حد بعيد للضبابية التي تلف مسألة تعامل النخبة السياسية مع الماضي، واعني وبدون لبس فترة حكم النظام البعثي السابق والتاريخ الاجرامي الاسود الذي يحمل وزره، ويبدو واضحا الى اين ترمي مطالب اطراف محسوبة على النظام السابق ادخال الجرائم والخروقات التي سجلت في الفترة التي تلت تغيير العام 2003، كحزمة واحدة لبحث موضوع المصالحة. سيعقد تأخير البدء بالمصالحة العملية برمتها الى حد بعيد، لان عمل لجان الحقيقة والمصالحة وفترة العدالة الانتقالية جاءت في جميع تجارب الشعوب بشكل مباشر بعد سقوط انظمة الفصل العنصري او الشمولية الدموية التي تسببت في تغييب ملايين البشر. وتأخير المصالحة او الغاؤها لن يعني ان المجتمع سيجد نفسه يوما معافى بدونها، سأستشهد هنا بقول بليغ لكبير اساقفة جنوب افريقيا ورئيس لجنة الحقيقة والمصالحة دزموند توتو: ( نحرج انفسنا اذا قلنا ان الماضي سيذهب وينسى، الماضي باق، واذا لم نكن قمنا بما قمنا به في لجنة الحقيقة والمصالحة، فأنه سيعود، الماضي وحش، ويجب مواجهة هذا الوحش وجها لوجه، والا سيعود مرات ليرهبك )، وقبل نحو شهر اثارت تصريحات سياسي عراقي بارز بشأن دعوات مصالحة مع البعثيين، ردود فعل سلبية قوية، مقالات وكتابات ترفض ان تكون المصالحة بلا ثمن، ايقضت هذه التصريحات الماضي المؤلم، وهو الوحش الذي عناه القس توتو ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر


.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة




.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا


.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة




.. مستوطنون إسرائيليون يضرمون النار في مقر وكالة الأونروا بالقد