الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثلوج تلتهم النيران ... قصص قصيرة

أحمد الجنديل

2009 / 4 / 24
الادب والفن



الشجرة المقدسة، الشجرة المباركة ، شجرة الرحمة ، وأسماء أخرى اِختلفوا فيها ، لكنّ الجميع اتفّق على أن هذه الشجرة مصدر الرزق والعافية والقوّة والأمان . ممّا جعلها رمزا ومزاراً مقدّساً ، تنحر القرابين تحتها ، وتذرف دموع المظلومين على أوراقها ، وتقام الصلوات تحت فيئها . باستثناء الفهد الذي كان يراها شجرة هرمة، تنخرها الديدان ، وتغوط فوق أغصانها العصافير . وزاده احتقارا لهذه الشجرة ، انه في إحدى الليالي رأى الأسد الشاب يستبيح ابنة الدب على جذورها ، وشاهد الذئب يسند النعجة على جذعها ويفترسها . فقرر هو وأولاده، اقتلاع الشجرة ، ليحرر حيوانات الغابة من نفوذها . وتمّ للفهد ما أراد بعد جهد كبير ، حيث تهاوت الى الأرض عند منتصف ليلة مظلمة ، أفزع الحيوانات صوت سقوطها ، وجعل الفهد وأولاده يهربون الى مكان بعيد .
في الصباح ، خرجت الجموع في موكب حزين الى مكان الشجرة المقلوعة حيث أقيم مهرجان العزاء الكبير ، ألقيت فيه كلمات الرثاء وعبارات التعزية .
وقبل الأنتهاء من هذا المهرجان ، أفضى الحمار سرّا للحاضرين ، بأنه شاهد مخلوقا يهبط من الأعالي ويقتلع الشجرة ، وراح يصف لهم المخلوق العجيب الذي رآه في الليلة الماضية . وطبقا للوصف الذي أورده الحمار ، تمّ إقامة نصب لمخلوق له سبع عيون ، وأنياب تصل الى صدره ، وضفائر من لهب ، وعدد من القرون تتشابك جميعها لتشكل قرنا ضخما ، يمتد الى الأعلى .
وبدا النصب أكثر مهابة وخوفا من الشجرة المقلوعة . فكثرت القرابين عند قدميه ، وتعالت الأصوات بالمجد والخلود له ، وانهالت كلمات التضرع والتوسل تحت ظلّه .
وكان الفهد من بين الحاضرين في الاحتفال ، مع ابنه الأكبر الذي همس في أذن أبيه : لو بقيت الشجرة رغم وساختها ، لكانت أفضل ممّا نراه اليوم .
أمّا الابن الآخر، فكانت عيناه طافحتين بالدموع ، وهو يصرخ بصوت مبحوح :
لا أريد أن أرَ أبي بهذا الشكل القبيح. عند ذاك سحب الفهد ولده الأكبر، قائلا له: سيكون موعدنا هنا عند منتصف هذه الليلة.
وسارا بعيدا عن المكان، يتبعهما الابن الأصغر .


القتال الشرس :

بعد فترة طويلة قضاها النمر خارج الغابة ، عاد إليها وسط المستقبلين والمهنئين من أصحابه ومعارفه وبعض المتطفلين الذين يرغبون سماع أحاديثه عن الغابات البعيدة ، وقد خرج إليهم النمر بمظهر المتحضر في جميع حركاته ، واجتهد في اقتناء مفرداته ، وطريقة التحدث إليهم ، ممّا أثار حفيظة الشباب الذين شرعوا يتوافدون على داره مساء كلّ يوم وهو يحدثهم عن الحرية ، وضرورة تحطيم القيود والأغلال التي تعيقهم عن التطور والتقدم . وعندما يشعر بانشداد الجميع إليه تأخذه موجة من الحماس ، فيهتف فيهم : علينا تحطيم كلّ القيود ، ونسف كلّ ما يعيق حريتنا ، وأن نجعل من الغابة ملكا مشاعا للجميع ، اسحقوا التقاليد التي حرمتنا من متعة الحياة وبهجتها ، فحيوانات الغابات البعيدة تعيش في أمان واستقرار وسلام .
الحماسة تلهب مشاعر السامعين ، والرغبة تشتدّ في نفسه ليخرج لهم بمظهر الواعظ والمنقذ في آن واحد، لهذا كان يلوّح بيديه ، وبلهجة القائد يأمرهم أن يزيحوا ما في أذهانهم من ترسبات وأوهام ، وعليهم أن ينتهجوا سلوكا قائما على الاستمتاع الجماعي والمشاركة الجماعية في جميع أشكال الحياة .
ظلّ النمر يقضي النهار باختيار ما يقوله في الليل ، وبوادر العصيان بدأت تلوح لدى بعض الشباب الذين انفلتوا من دائرة سلوكهم السابق ، وبدأوا بممارسات جديدة أثارت شيوخ الغابة ، والنمر مستمر كعادته بإلقاء خطاباته النارية على الشباب وهو في غاية الفخر والاعتزاز .
في إحدى الليالي وأثناء دخوله إلى غرفته ، شاهد الذئب الأغبر يغازل زوجته ، فخرج مسرعا وقد صدمته المفاجأة وفارت الدماء في عروقه إلا أنه حاول كظم غيظه وستر غضبه . بعد هذه الحادثة بأيام غابت ابنته الصغيرة ، علم بعدها أنها غادرت برفقة الثور الشاب في رحلة إلى الغابة الصغيرة المجاورة لغابتهم ، ونتيجة لما حصل بدأت أحاديث النمر تتقلص شيئا فشيئا ، وبدأ الصمت يعقد لسانه ، ولم يعد يستقبل أحدا ، وأصيب بالذهول والنحول إلى الحد الذي لم يمكنه من الحركة والتنقل ، ممّا دفع البعض إلى استدعاء حكيم الغابة الطاعن بالسن لمعاينته .
وفي الساعة التي دخل الحكيم فيها الدار ، كان النمر قد فارق الحياة .
اقترب الحكيم منه ، وأمعن النظر فيه ، وتأمله بعناية ، بعدها خرج وقد اكتسى وجهه بسحب التجهم والانفعال . وحاولت زوجة النمر أن تعرف سبب وفاة زوجها ، إلا أنه أشاح بوجهه عنها وخاطب الوقفين قائلا :
لقد مات النمر نتيجة مشاجرة عنيفة وشرسة بين رأسه ولسانه ، انتصر فيها الرأس على اللسان .

الجرح :

سأل الأرنب صديقه :
ــ إذا جرحت فهل تستطيع أن تفصل دمك عن جرحك ؟
أطرق صديقه هنيهة ، وأجابه بهدوء :
ــ هذا ممكن .
ــ وهل تستطيع أن تفصل آلامك عن جرحك ؟
لم يتردد صديقه في الإجابة :
ــ هذا غير ممكن .
ــ لماذا ؟
ـــ لأنه لو تحقق هذا ، لم يعد هنالك جرح .
أنجبت نظراتهما المتلاقية ابتسامة طغت على شفتي كلّ منهما ، وافترقا يلفـّهما ظلام كثيف .
السراب :

نظر السنجاب الصغير إلى الأفق الواسع ، وحثّ خطاه نحو بركة تراءت له من بعيد ، وظلّ يحثّ خطاه حالما بالماء العذب .
بعد عدة أيام تأمل راعي الأغنام ابتسامة السنجاب الصغير الميّت ، وأزاحه برفق عن طريق أغنامه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟