الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن -إبداع-

رمضان متولي

2009 / 4 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


هنيئا لنا إذن، أصبح لدينا مندوبون عن الله، يحكمون بدلا منه ويقررون عقاب من يرون أنهم أساءوا إلى الذات الإلهية من وجهة نظرهم. تصدى هؤلاء المندوبون لقضيتين كان مبرر الإدانة فيهما جريمة من نوع ما ارتكبت في حق الله وليس في حق بشر من عباده. القضية الأولى كانت غريبة وفريدة من نوعها، وهي القضية التي اشتهرت إعلاميا بقضية "تبادل الزوجات"، وتضمنت حيثيات الحكم فيها أن المتهمين "ارتكبا جريمة يهتز لها عرش الرحمن!!". والقضية الثانية حكمت فيها المحكمة بإلغاء ترخيص "مجلة إبداع" التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكانت الجريمة نشر قصيدة للشاعر حلمي سالم تضمنت ما اعتبرته المحكمة واعتبره المدعون "إساءة إلى الذات الإلهية".

من صفات الله أنه الحكم والحكيم، بل إنه أحكم الحاكمين وفقا للنصوص الدينية، كما أنه "العزيز" و"الغني عن العالمين" و "ذو القوة المتين"، وصاحب المشيئة النافذة وأنه "إذا شاء فعل". ورغم كل هذه الصفات الفائقة، يصر هؤلاء على أن الله في حاجة إليهم لكي يحكموا ويقرروا أن سلوكا بعينه أو نصا ما ينطوي على إساءة أو جريمة في حق الذات الإلهية.

في الحالة الأولى – تبادل الزوجات – ِأصر المدعون على أن رجلا وامرأة استطاعا أن يهزا عرش الرحمن لأنهما قررا أن يعيشا حياتهما الخاصة بطريقة مختلفة لم تتضمن جرائم الاغتصاب أو الدعارة أو الابتزاز، أي أنهما لم يرتكبا أي جريمة في حق آخرين وتصرفا فيما يخصهما فقط. ومع ذلك "يهتز عرش الرحمن" – الذي وسع كرسيه السماوات والأرض – لهذا الفعل الشخصي الصرف، ولكنه لا يهتز لجرائم أخرى فظيعة أودت بحياة الآلاف من الأبرياء مثل كارثة غرق العبارة، أو كارثة انهيار المقطم على حي سكني فقير، أو كوارث القطارات، أو المبيدات المسرطنة، أو نهب أراضي الدولة أو الرشوة … إلى آخر قائمة الجرائم الشنيعة التي تهدر حقوق ومصالح الآلاف، بل والملايين، من الفقراء! وهل هناك بشر فان يمتلك القدرة على أن يهز عرش الرحمن؟! وأدانت المحكمة الرجل والمرأة وحكمت عليهما بالسجن.

وفي الحالة الثانية رأى المدعون أن بضعة أسطر في قصيدة نشرت في مجلة لا يقرأها إلا نخبة من المثقفين تسيء إلى الذات الإلهية، واستدعى ذلك حكما من المحكمة بإلغاء ترخيص المجلة حماية للذات الإلهية من المعتدين.

وعندما نلاحظ أن من صفات الله أنه أحكم الحاكمين، ينبغي إذن أن نكون على يقين تام بأن الله هو الأقدر على الحكم ما إذا كانت القصيدة تتضمن إساءة إليه أم لا، وإذا وضعنا في اعتبارنا أنه "العزيز" والغني عن العالمين، فلابد إذن أن نوقن أنه لا يحتاج إلى من يحكم ويقرر نيابة عنه، وعندما نعرف أنه "ذو القوة المتين" وأنه إذا شاء فعل، كان علينا أن ندرك أنه قادر على وقف الإساءة وعقاب من أساء.

ولكن الله لم يعاقب الشاعر ولا القائمين على المجلة، وإنما عاقبتهم المحكمة، فإما أن الله لم يجد في القصيدة ما يسيء إلى ذاته العلية، أو أنه لم يشأ العقاب. وإذا كان جل جلاله يريد تأجيل عقابه لمن أساءوا في حقه، فلماذا يتدخل من بني البشر من يستعجلون هذا العقاب دون أن يكونوا على يقين بإرادة الله فيه؟ وإذا كانوا بذلك قد اعتدوا على حقوق الإبداع والمبدعين، فإنهم بذلك أيضا يرتكبون في حق الله إثما مزدوجا. فمن ناحية، يقررون لله حكما دون أن يتيقنوا أن الله قد حكم به فعلا، ومن ناحية أخرى، لا ينتظرون نفاذ إرادة الله في الأمر وينفذون عقوبة نيابة عنه ودون أن يتيقنوا أيضا أن الله أراد هذه العقوبة. والأخطر من ذلك أنهم يتهمون الله بالعجز بطريقة غير مباشرة، أو أنهم يعلنون بطريقة غير مباشرة عن عدم ثقتهم في أن الله حكيم وقادر، يستطيع أن يقرر دون واسطة من أحد وأن يعاقب دون الحاجة إلى تدخل منهم.

كل ما أتمناه أن يتوقف هذا العبث والنفاق، أن يترك أمر الله وحقوقه له يقرر فيها ما يشاء، وألا ندع سلطة تجمل وجهها القبيح من خلال الادعاء بأنها ترعى حقوق الله في الأرض. علينا أن نهتم نحن بأمرنا، أن نتوقف عن اصطياد من نستضعفه لأنه لا يلتزم بعقائد وسلوك القطيع وننتقم منه انتقام العاجز والضعيف عندما ينفرد بمن هو أضعف منه وأعجز أمام العقائد والأفكار السائدة. علينا أن نهتم بحماية المرضى من أكياس الدم الملوثة، وحماية الفقراء من الأطعمة الفاسدة، وحماية السجناء من التعذيب، وحماية ثروة المجتمع من النهب. وإذا كنا عاجزين عن حماية أنفسنا من طغيان الفساد والاستبداد، فأضعف الإيمان أن نتوقف عن الانتقام من أنفسنا ونرحب بأكبر قدر من الحرية في الفكر والإبداع علها تضيء طريقا للخروج من هذا النفق المعتم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وقعت جرائم تطهير عرقي في السودان؟ | المسائية


.. اكلات صحية ولذيذة باللحمة مع الشيف عمر ????




.. عواصف وفيضانات في العالم العربي.. ظواهر عرضية؟


.. السنغال: 11 مصابا في حادث خروج طائرة من طراز بوينغ عن المدرج




.. الجامعات الإسبانية تعرب عن استعدادها لتعليق تعاونها مع إسرائ