الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنصرية إسرائيل بين عصا البشير و عمامة نجاد

أحمد عصيد

2009 / 4 / 25
كتابات ساخرة


لا يخجل العرب و المسلمون من تخلفهم، بل يفخرون به على الهواء، و لا يتركون فرصة تمر دون أن يُضحكوا عليهم العالم، وهم يعتبرون كل ذلك "نخوة " و "ممانعة" و "نصرة".
وقف الرئيس السوداني المبحوث عنه دوليا أمام جمهور من أتباعه و شيعته، المتيمنين بطلعته و الشامتين في أعدائه، وقف ملوحا بعصاه وهم يتصايحون من حوله و يهتفون بحياته، لم تعد عصا الحاكم العسكري ـ الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب على الديمقراطية ـ تعني عند رعيته ما تعنيه من تسلط و احتقار للكائن البشري الذي يساق كما تساق القطعان، بل أصبحت لها كل معاني التحدي و الرجولة و الشهامة، هكذا تنقلب القيم ومعاني الأشياء في بلاد العربان .
و عندما انتهى الحاكم العسكري من خطبته رقص ببطنه المتدلي، و قد علت محياه ابتسامة زائفة يخفي بها الإهانة التي لحقته من المنتظم الدولي، الذي يلاحقه بمذكرة اعتقال و بتهمة مجرم حرب. رقص البشير و كأنه يرقص على هامات ضحاياه من الأطفال و النساء و الشيوخ الذين ذبحوا و أحرقوا في دارفور بتخطيط منه و بأوامره و أسلحته، و الذين بلغ تعدادهم ثلاثمائة ألف و يزيد، دون ذكر مليونين ونصف من اللاجئين المشردين. رقص البشير ثم خطب في الناس بعد التهليل و التكبير و الحمدلة، و وجه سهام كلماته لأعدائه الغربيين و كل قوى العالم التي أدانته قبل أن يسحقهم جميعا تحت حذائه، جريا على عادة العرب الذين ربحوا كل حروبهم منذ قرن و نصف،، فوق منابر الخطابة .
و بإجماعهم في قطر على مآزرة الرئيس السوداني قاتل الأطفال و النساء في دارفور ، برهن الحكام العرب على أنهم عند حسن الظن، و على أن "الدم العربي" لا يمكن أن يصبح ماء، و على أنهم في النهاية تجمعهم لحمة "الثقافة المشتركة" : يأتون إلى الحكم دون أن ينتخبوا من طرف الشعب انتخابا حقيقيا وشفافا، يظلون في السلطة إلى أن يموتوا أو يقتلوا، و يمكنون من بعدهم لأبنائهم الذين يرثون السلطة و الناس كما يورث المتاع، و شعارهم في ذلك العبارات النمطية التي وفق أحد الكتاب في جمعها في الكلمات التالية : "الحفاظ على ثوابت الأمة وتفادي الانزلاقات وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الأعداء وقطع الطريق على المتربصين بوحدة البلاد و على الأيادي الأجنبية و الصهيونية" و هي العبارات التي تعتمد عند الإنقلابات العسكرية و عند اعتقال مواطنين و تعذيبهم، و عند تكميم الأفواه و إرهاب الصحافة المستقلة، و عند تعديل الدستور بهدف الخلود في السلطة أو توريث الحكم. هناك دائما عدو أجنبي ينبغي الحذر منه، و هل هناك عدو أقسى من الذي يقتات من دماء الناس و رغيفهم يوميا في الداخل؟
و وقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بدوره في منبر آخر، لم يكن منبر خطابة عربي أو إسلامي هذه المرة ، كان منبرا أمميا التمّ فيه ممثلو المنتظم الدولي ضد العنصرية، و لم يفهم العرب و المسلمون ـ كعادتهم ـ الأسباب التي جعلت ممثلي العديد من الدول الغربية ينسحبون أثناء إلقاء الرئيس الإيراني لكلمته، و إدانته لإسرائيل بوصفها كيانا عنصريا، اعتبروا ذلك ـ كعادتهم ـ من مظاهر مساندة الغرب لإسرائيل و عدائهم للإسلام و للعرب و المسلمين، غير أنّ السؤال التالي كفيل بإبراز الجانب الخفي من الموضوع : هل كان ممثلو الدول الغربية سينسحبون لو أنّ الذي وصف إسرائيل بالدولة العنصرية هو أحد ممثلي الدول الغربية الديمقراطية ؟ بالطبع لا، فمن حق دولة ديمقراطية تصان فيها كرامة الإنسان و حقوقه أن تبدي انتقاداتها لما تعتبره ممارسات عنصرية داخل دولة عسكرية أو دولة احتلال، و الذي يمنح هذه الدولة الديمقراطية هيبتها هو علاقتها بمواطنيها و مدى التقدم و الرفاه الذي حققته لهم ، المشكل في حالة الرئيس الإيراني هو أنه قادم من بلد هو آخر من يحق له الحديث عن العدل و الحرية و المساواة و الديمقراطية و مناهضة العنصرية، بلد يكرس نسقا سياسيا مدينا في استمراره للرقابة البوليسية اليومية و للنهج القمعي الشديد القسوة، بلد أمكن فيه للسلطة أن تصادر 32 منبرا صحفيا في بضعة أيام، و أن تمنعها منعا نهائيا بقرار من شخص لم ينتخبه أحد، و هو الإمام المرشد الجاثم على صدور الناس إلى أن يموت، و الذي بيده الجيش و الشرطة و القضاء، أي كل وسائل القهر التي تحتاجها العمائم السوداء لكي تبقي مجتمعا بكامله في حالة حجر، و تصرف الأنظار عن أوضاع الداخل المتردية بإشعال نار الفتن في العراق و لبنان و فلسطين و بالتلويح بالأوهام النووية. بلد يلقى فيه القبض على الأستاذ الجامعي و هو يحاضر و على الشاعر و هو يلقي قصيدته و على الفنان و هو يصور فيلمه، و تحوم فيه طائرات الهيليكوبتر فوق السطوح لمصادرة بارابولات السكان التي يتنفسون عبرها بعض هواء الحرية و أنسامها، بلد ما زالت تُحرس فيه خصلات شعر النساء ببنادق الحرس الثوري، بلد هو آخر من له الحق في إدانة عنصرية دولة إسرائيل، هذه الدولة التي تحتل أراضي الفلسطينيين و تضطهدهم، و لكنها في هياكلها و قوانينها و علاقتها بمواطنيها ما فتئت تعطي الدروس تلو الدروس لمحيطها العربي و الإسلامي البئيس.
لهذه الأسباب تهون عنصرية إسرائيل ضد الفلسطينيين في عيون الغرب أمام عنصرية العرب و المسلمين، و لهذه الأسباب يفقد الخطاب العربي و الإسلامي مصداقيته في المحافل الدولية عند الحديث عن الديمقراطية و الحريات أو عن العنصرية ، مما يعني أن أمام العرب و المسلمين ـ الذين يكرسون في بلدانهم كل أنواع الميز و اللامساواة ـ الكثير مما يمكن عمله في ترميم بيوتهم الداخلية حتى تكون كلمتهم مسموعة في الأوساط الدولية، فالذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحقد اعمى قلبك
maron ( 2009 / 4 / 25 - 08:59 )
من المفروض ان تتناول الموضوع من جانب اخر, وتدعم قضيتك ان كانت عندك فلسطين قضيه, لا يهمني نجاد او غيره , بل يهم القضيه التي هي قضيتنا
وان اسرائيل دوله عنصريه لشعب هو تجميع من اصقاع العالم اغتصبوا الارض الفلسطينيه لشعب عاش عليها الدهور
ولكنك يبدوا صهيوني اكثر من الصهاينه او الحقد اعمى قلبك
والاشنع من ذلك لم تاتي على ذكر ظلامة الشعب الفلسطيني, ولم تتناول وحشية الصهاينه العنصريين


2 - عزلة الأنظمة الدمويه
أحمد السعد ( 2009 / 4 / 25 - 13:49 )
ما قلته صحيح تماما فالأنظمة العربية المفروضة على شعوبها بالحديد والنار متضامنه لأنها تتشابه فى طبيعتها الأستبداديه وهذا ليعنى أن انظمة من خارج الشرق الأوسط والعالم الأسلامى لاتمارس هذه العنصريه ولا أعتقد أن الغرب وأوربا رغم عراقة ديمقراطياتها تسمح بنمو أتجاهات فكريه معاديه للرأسماليه ومطالبه بأسقاطها وأعتقد جازما أن نشاط الشيوعيين فى اوربا محدود ومراقب ومققن بقوانين مخابراتيه استمر حتى بعد أنتهاء الحرب البارده ولازالت تمارس ضد العرب والهنود والسود ممارسات عنصريه فى الكثير من بلدان اوربا وأمريكا ايضا . عالمنا يا أخى العزيز ليس عالما مثاليا ولا مكان على الأرض يمكن أن يكون نموذجا للعدالة والأنسانيهفأسرائيل مثلا ديمقراطيه بالنسبة لليهود ولكنها عنصريه وقمعيه وأستبداديه بالنسبة لغير اليهود وما الحروب التى تشنه الولايات المتحده والغرب على شعوب العالم وتدخلها فى شؤون الشعوب الأخرى والآله الحربية الأسرائيليه الضخمه المموله من الولايات المتحده الا دليل على أحتقار الغرب وأمريكا للشعوب الأخرى والأستهانه بمصائرها وخياراتها. تحياتى لك.


3 - مقالة رائعة
صلاح ( 2009 / 4 / 25 - 14:29 )
لماذا يتشنج البعض عند نبش أورامنا الفاسدة المتعفنة ؟؟؟؟ الكاتب لم يدافع عن عنصرية إسرائيل ولكنه قال أنها أهون من عنصرية العرب والمسلمين وهذا رأيه. المعارضين لهذه المقولة ما حجتهم، دون المرواغة والهروب إلى عنصريات أخرى قد تكون موجودة بالفعل ؟؟؟؟ راجع كيف تصرف النبي محمد وأصحابه مع أسارى بني قريضة حينما أباد القبيلة بأكملها !!! قارن ذلك بتصرف إسرائيل مع قاتل الأطفال سمير القنطار الذي خرج من السجن بماجستير علم اجتماع من الجامعة العبرية !!! لماذا نحن مصرون على عدم النقد وعلى مهاجمة كل ناقد ؟؟؟ أليس سلوكاً مرضياً يحتاج غلى علاج ؟؟؟؟؟؟؟؟


4 - اجمل ما قرأت اليوم !
عادل عطية ( 2009 / 4 / 25 - 18:00 )
نعم ، مقالك من اجمل المقالات التى قرأتها اليوم ، وكالعادة لم ولن يستفد منها هؤلاء الخونة للانسانية ، الذين لم يفقهوا مغزى مقالك الرائع ، وراحوا يحولون قلمك إلى قضية اخرى ، مللنا من تكرارها ويئسنا من اصحابها الذين يؤمنون بالدموية والسعى بكل الطرق لعدم حل القضية

اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?