الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة الشباب بحثا جماعياعن حياة،أم طردا من الحياة

فاطمه قاسم

2009 / 4 / 26
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة



لا أتوقف كثيرا عند الإحصائيات التي تتحدث عن أعداد الشباب الفلسطينيين الراغبين في الهجرة إلى العالم البعيد,وخاصة إلى أوروبا,واستراليا,وكندا,والولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك بسبب أن الهجرة,هجرة الشباب هي ظاهرة عالمية,وكل يوم نرى ونسمع عن قوارب الموت التي تغرق بركابها من المهاجرين في مياه المحيط,أو المعسكرات التي تقام لهؤلاء المهاجرين لاستيعابهم ريثما يتم إعادتهم من حيث أتوا،أو القوانين والتشريعات واتفاقات التعاون المشترك التي تحاول تنظيم هذه الظاهرة أو الحد منها أو وقفها إن أمكن ذلك ، وبطبيعة الحال,فإن الأغلبية الساحقة من المهاجرين من أطراف العالم المختلفة هم من الشباب ،وهكذا فإن الشباب الفلسطيني ليسوا استثناء.
ولكن,يجب الاعتراف أن الشباب الفلسطيني له خصوصية,وخصوصية مهمة جدا,حيث المفارقة ستكون حادة,ومؤلمة جدا,بين طرفي الصراع الطويل المدى ,الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين,بأن ترى خطط إسرائيلية ناجحة لزيادة أعداد المهاجرين اليهود من الخارج من دول العالم ,حيث أوضاعهم هناك ممتازة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي ,إلى إسرائيل التي يظل الامن المفقود,الأمن المهدد ,الامن حتى المبالغ فيه إسرائيليا ,هو ابرز العناوين ,بينما هجرة الشباب الفلسطيني من الداخل,من القدس والضفة والقطاع إلى الخارج ,مع أننا نعاني أشد المعاناة من التهجير القسري الذي جرى لنا على يد أعدائنا منذ العام 1948,وأحدث ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين التي هي ابرز ملامح القضية الفلسطينية ,فكيف لمن فرضت عليه الهجرة واللجوء بقوة السلاح وتحت تهديد الموت ,أن يلجا هو طواعية إلى الهجرة ؟
وتزداد المفارقة:
حيث نعلم انه في الستينيات والسبعينيات ,في بدايات الاحتلال الإسرائيلي,وفي زمن الثورة الفلسطينية وازدهارها الكبير ,كان الاتجاه السائد هو العودة الفلسطينية وليس الهجرة واللجوء,وكانت العودة تتم بأشكال عديدة,أوسعها إلى الوطن المعنوي ,إلى منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها العديدة,التي استقطبت عشرات الآلاف من فلسطيني الشتات في صفوفها ,بمن فيهم آلاف من الشباب كانوا في مهاجر تقدم لهم حياة كريمة وسهلة ,ولكن احتياجهم إلى الوطنية الفلسطينية كان يدفعهم إلى ترك مواقع عمل مريحة ومربحة للانضمام إلى صفوف الثورة .
كما أن الفلسطينيين من القدس والضفة والقطاع في تلك الفترة,والذين كانوا يعملون بمئات الآلاف في الخارج ,في دول الخليج على وجه الخصوص,كانوا يحرصون أشد الحرص على الاحتفاظ بهوياتهم وتصاريح العودة التي تصدرها الإدارة المدنية للاحتلال الإسرائيلي,لكي يتمكنوا من العودة إلى الأرض الفلسطينية,وكان هناك حرص من قبل آلاف النساء أن يضعن مواليدهن في القدس والضفة والقطاع حتى لا يحرم أولئك المواليد من بطاقات الإقامة في ارض الوطن ,بل إن هناك ظاهرة لم الشمل التي انتشرت رغم تكاليفها المالية الباهظة ,وتعقيداتها الأمنية الشديدة من الجانب الإسرائيلي,ولكن كان هناك إجماع وطني على الاستفادة من إمكانيات لم الشمل ,وظلت هذه الوتيرة الجماعية عالية على صعيد العودة للوطن وليس الهجرة منه إلى وقت إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994 , التي كان من بين ابرز انجازاتها الكبرى,تحقيق حلم العودة إلى الضفة والقطاع لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا في الشتات .
ولان لماذا نعيش في الاتجاه المعاكس ؟
لماذا يكاد يكون حلم كل شاب فلسطيني أن يهاجر؟
ولماذا محاولات الهجرة من قبل الشباب يصل في بعض الأحيان إلى حد المخاطرة الحقيقية؟
بداية:
لا نستطيع أن نجيب عن هذه الأسئلة عن طريق الإنكار ,لان من ينكرون حجم هذه الظاهرة ,ظاهرة الهجرة,وحلم الهجرة,إنما يخدعون أنفسهم قبل غيرهم,وربما هم يحاولون الهروب من المسئولية ولكن عن طريق الإنكار الذي لا يصدقه أحد.
كباحثة مختصة في علم النفس الاجتماعي والسياسي,فإنني اعتقد أن هناك أسباب كثيرة لهجرة الشباب الفلسطيني يشتركون فيها مع غيرهم من الشباب في دول العالم الثالث ,مثل أسباب البطالة ,والفقر وحلم العالم الجديد الناتج عن تصورات مبالغ فيها عن سهولة الحياة في الدول الأكثر تطورا وهي تطورات صنعتها ثورة الاتصالات في العقود السنوات ,وإغراءات يبثها بعض المتاجرين بعمليات الهجرة الذين يعدون الشباب بعالم أفضل,وقد ينجح بعضهم,ولكن الكثير منهم يفشلون,أو يتحولون لطعام لسمك القرش في مياه المحيط .
ولكن هناك أسباب محض خاصة عند الشباب الفلسطيني ,يقف على رأسها ضيق الحياة,ضيق البيئة الحياتية اليومية بسبب الاحتلال ,وحواجز الاحتلال ونقاط التفتيش ,والحصار الخانق القاتل الذي يفرضه الاحتلال,والتراجع التدريجي في مستوى الحياة اليومية,بحيث تتحول تفاصيل الحياة اليومية إلى عبء ثقيل,حيث الشباب في القدس يتم تضييق الخناق عليهم يوما بعد يوم,والشباب في الضفة ينعزلون في مناطق محاطة بالجدران,والحواجز الثابتة والطيارة,أما في غزة,فحدث ولا حرج,لأن القطاع الصغير المساحة,المزدحم بسكانه الذين لا يتسع لهم ,يضيق أكثر في زمن الحصار ,وفي زمن الحروب,والاجتياحات ,والملاحقات,ومنع السفر....الخ.
يوازي ذلك كله من أفعال الاحتلال الإسرائيلي,فعل من المجتمع الفلسطيني بما فيه السلطات الفلسطينية القائمة,حيث الشباب يتقلص دورهم السياسي لان مساحة الفعل محدودة تبعا لقيود الواقع,وحيث قيم الحياة الاجتماعية تتراجع تدريجيا ,وبينما المفترض أن نوسع ونحسن المتاح لنا,نختزل ونقزم على العكس من ذلك ,بمضاعفة القهر واليأس تحت ضغط شعارات كلامية غير مقنعة ,بحيث تكون الحصيلة النفسية اليومية لكل شاب على حدة,وللشباب كشريحة كبرى ومجتمع قائم بذاته ,أن الحياة على هذا النحو غير ممكنة,وأن الهجرة هي الطريق الوحيد المفتوح أمام الحلم المشروع أو اليائس.
ظاهرة الهجرة هي ظاهرة خطيرة عندما تصل إلى هذا المستوى من الاتساع , حيث تتحول إلى عملية طرد مركزي للشباب الأكثر طموحا ,أي عملية طرد مركزي لعناصر المستقبل ,حيث الشباب هم المستقبل ,وحين يكون حلمهم هناك ,في المدى البعيد,فإن الوطن يتراكم فيه الشعور بالانكفاء والعجز وفقدان المبادرات الحية,الوطن أكبر وأهم ألف مرة من أن يكون حقيبة سفر معدة سلفا وبوابة حدود ومطار,الوطن هو ارض أحلامنا الجميلة المشروعة الآمنة ,هو قاعدة المشاركة ,هو اكتمال ونمو الشخصية الوطنية,وحين نجد الشباب يفقدون المعاني ,ويصبحون يائسين ,ولا يرون أنفسهم في المكان بل خارجه,فيجب أن نقلق كثيرا ,لان الشعب يبني حياته فوق أرضه,حياته بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية,فهناك ,في ارض الهجرة, أنت لا تبني شعبا ولا وطنا ,هناك أنت إنسان مفرد,قد تنجح وقد تفشل ,ولكنك تظل خارج المكان الذي تتراكم فيه الحياة,وتتعمق فيه التجربة الجذور.
الأجندة الوطنية ضاغطة بالبنود الصعبة والثقيلة,ولهذا ربما يجد الباحث مثلي عذرا للسلطات الفلسطينية أنها لا تعطي موضوع هجرة الشباب القدر الكافي من الاهتمام,ولكني أتمنى رغم ذلك كله ,أن ندرك أن هؤلاء الذين يعيشون على حلم الهجرة هم أبناؤنا ,هم أجمل واهم ما نملك ,يجب أن لا نهديهم للمنفى بسهولة ,خاصة وأننا نعاني ونتألم ونشكوا من أننا الشعب الذي فرض على ثلثي أبنائه أن يكونوا لاجئين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - !!!.......بحث صحيح في إندفاع الشباب للهجرة
ج ح ( 2009 / 4 / 25 - 23:25 )
أستاذة فاطمة لي سؤال محيٌرني ومتألمة جدا لموضوعه....خاصة لقدلفتٌِالنظر إلى أن اليهودي يهاجر ((((( إلى إسرائيل)))))وليس ((( منها )))..لمذا يفعله العكس الشباب الفلسطيون -هل لا يحبون وطنهم....؟-طبع
هم يحبون وطنهم ولكن فقدان إهتمام القائمين على الحكم بضمان حياتهم
من متطلبات الحياة تجعلهم يهاجرون (((( لا إلى بلد عربي بل إلى
بلاد الغرب وأميركا وهو فمعنى ذلك أن النظام الفلسطيني الغير صالح للعيش ضمنه هو السبب ..


2 - لماذا يا ترى؟؟؟
علاء الدين/ غزة ( 2009 / 4 / 26 - 09:33 )
استاذه فاطمه الموقره مقالك مهم جدا و نحن بامس الحاجه الى من يوضح و يفهم و يشرح للاخرين موضوع و اسباب الهجرة من فلسطين و الطلب المتزايد من قبل الشباب و حتى الاسر الناشئة الى طلبات اللجوء و الهجره في وقت ان الشعب الفلسطيني يطالب بالعوده و حق العوده .. الم يكن ذلك تناقدا و تضارا بالمصالح ؟؟ حقيقة شيء بيحر القارىء اليس كذلك؟

اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي